الغيبيات والعقل

“هل ترك الله عز وجل لنا حرية الاستنباط واستخراج الامور الغيبية والمخلوقات الغيبية والايمان بها حسب تعقلنا لها ام هل حددها ويصبح لزاما علينا الايمان بها سواء عقلناها ام لا ؟” ا.هـ

ونقول:
ليس الغيب كله مما يمكن إدراجه في سلة واحدة, فهناك غيب زماني مكاني, ومع مرور الزمان وتقدم علوم الإنسان سيكتشف الإنسان هذه الأمور الغيبية وسيعلمها! وهو ليس مطالبا بالإيمان بها فهي من المعلومات, فإذا لم يعلم بها لم يضره ذلك كثيرا! فكثير من الحقائق العلمية المكتشفة حديثا لا يعلمها كثير من الناس وحياتهم على خير حال!

أما الأمور الغيبية التي أمرنا الله العليم بالإيمان بها فهي غيبيات متعلقة بالماضي وبمستقبل البشرية كلها!
فلقد قص علينا حوادث وقعت في الماضي, وقالها صراحة أن العلم الموجود فيها من علم الغيب فلم يكن يعلمها أحد في زمن الرسول الكريم!

وبدون القرآن ما كان ليعلمها أحد في الأزمنة التالية وإلى قيام الساعة!
فحتى مع وجود الحفريات والاستكشافات الأثرية فستظل غيبا, لأن هذه الحفريات “يُبنى عليها نظريات وتصورات” حسب خيال الأثري المكتشف!

اللهم إلا إذا وُجدت لوح قد ذكرت الحوادث المذكورة في القرآن, وسيكون القرآن هو المؤكد لصدقها وأنها ليست مختلقة أو محورة, مكتوبة تبعا لمنظور المشركين!

وكذلك أجاب على الأسئلة الخالدة التي (قد) تدور في ذهن كل إنسان, وهي: من الخالق, و (كيف) هو؟ وكيف ظهر الإنسان على ظهر الأرض
وأعتقد أنك قد قرأت نظريتنا حول خلق الإنسان على صفحات الموقع- ولماذا خلقنا الله العليم؟! وهل الموت هو حياة الإنسان أم أن هناك شيء بعد الموت, وعرفنا كيف هذه الدار وذكر لنا أمثلة منها!

كما عرفنا أن الله لم يترك البشر هملا وإنما أرسل إليهم من يردهم عن انحرافهم ويعيدهم إلى الطريق القويم وينجيهم من العذاب الأليم –في الدنيا قبل الآخرة-
وكذلك عرفنا أنه ثمة مخلوقات تلعب أدوارا متعددة في حياتنا (الملائكة) وأنه يجب علينا الإيمان بها وبوجودها وبأفعالها!

والأمور الغيبية في كتاب الله العظيم مذكورة صراحة مباشرة, ومن ثم فلا حاجة للاستنباط أو الاستنتاج! والله يعلم ما يحتاجه الإنسان لذلك ذكره له صراحة ولم يتركه له ليستنبط!
وإذا حدث واستنبط الإنسان “إشارة” متعلقة بها فلا يجب على غيره الإيمان بها, فلو رفض غيره هذه الإشارة لا يأثم, وإنما سيشعر المستنبط بالإيمان في صدره هو!

ومن ثم فلا يمكننا الحديث عن مخلوقات غيبية غير ما ذكرها الله العليم! لأنه لا سبيل للعلم بها, فالعلم الأكيد بالغيب هو الكتاب وهو لم يتكلم عن هذا الأمر!
نعم هو قال ويخلق ما لا تعلمون, ولكن الحديث هنا عن مخلوقات واقعة تحتنا مسخرة لنا, فلا يجب علينا الإيمان بها, فهل علينا أن نؤمن بالورل أو بالحوت الأزرق مثلا!!

هل يجب علينا الإيمان بها سواء عقلناها أم لا, أقول:
الفرق بين الغيب المذكور في القرآن والمذكور في غيره أن ما في القرآن هو فوق العقل ولكنه لا يصادمه, كما أن الأدلة على وجوده وصدقه كثيرة ومباشرة وجلية ومنتشرة حولنا في كل مكان, وإنكارها نوع من الاستحماق!

وحتى لا يوجه الإنسان هذه الأدلة توجيها لا منطقيا بين الرب في كتابه كيف أن الكون شاهد على الغيب المذكور في الكتاب!
إلا أنه -في عين الوقت- على الإنسان ألا يسعى بحال لإيجاد تصور لرأس الغيب “الله” لأنه لن يصل إلى أي شيء, لأنه ليس كمثله شيء, وهو سيحاول بذلك أن يجعله مثل الأشياء!! وإنما عليه أن يؤمن أنه عين الكمال, وأن كل ما خطر ببالك فهو أعلى من ذلك!

بينما لا حرج في محاولة إيجاد تصورات لما سوى ذلك من الملائكة واليوم الآخر وأحداثه, فهذا من باب التقريب, وإن كان الإنسان لا يستطيع أن يجزم أن تصوره هذا سيكون متطابقا مع ما سيقع في اليوم الآخر أما لا, وذلك لاختلاف القوانين الحاكمة للدار الآخرة عن دنيانا.
والله أعلى وأعلم.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

الإنسان ليس مجبرا

جاءني سؤال يقول:هل الانسان مجبر عن البحث عن حقيقة الكون والغاية من الحياة، فقد يقول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.