Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2020-02-18 11:23:59Z | |

اذكر الله حقا!

الناظر في كتاب الله يجد الكثير من صيغ الدعاء, من أشهرها وأطولها  ما ورد في سورة آل عمران

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران : 191-194]

وليس موضوع اليوم لعرض صيغ الدعاء الواردة في كتاب الله أو على لسان رسول الله, فمحترفي الدعاء يشنفون بها أسماعنا في كل مكان, ويبدأونها بالصيغة الخاطئة: يا الله! (والتي بينا أنها من إساءة الأدب مع الله في موضوعنا: التأدب مع الله, في هذا المنتدى)

وإنما الهدف من هذا الموضوع هو التنبيه على تحويل هذا الذكر إلى دعاء كما كان النبي الكريم يفعل, وهذا هو الفارق الكبير بيننا وبينه!

فالناظر في حال النبي الكريم يجد أنه كان يذكر الله ويدعوه على كل حال وفي كل وقت, فعند صحوه من نومه يدعوه, وعند خلوده إلى النوم يدعوه, وعند خروجه من بيته يدعوه, وعند عودته إليه يدعوه, وعند سفره يدعوه, وعند نزول المطر يدعوه, وعندما لا ينزل يدعوه, وعند المرض يدعوه, وعند الشفاء يدعوه, وعند الأكل يدعوه وبعده يدعوه, بل وعند ذهابه إلى الخلاء يدعوه, وبعد خروجه منه يدعوه ……. باختصار كان يدعوه في كل فعل من أفعاله!

وهذا هو رأس التوكل على الله والتعلق به, فهو إعلان صريح أنه عبد لله, وأن الله هو المدبر والمسير, وأن بيده الخير, وأن الحول والطول بيد الله, وأنه يدع ناصيته لله يسيرها حيث يشاء!

ولله الحمد وصل إلينا الأدعية التي كان النبي الكريم يدعوها في كل موقف وحال, واشتهرت عندنا بالأذكار, أذكار الصباح والمساء, أذكار الدخول والخروج, أذكار السفر والرجوع, أذكار الركوب, أذكار دخول المسجد والخروج منه .
وحفظنا الأذكار وحفظناها أولادنا, إلا أننا لم ننتبه إلى أهم ما في هذه الأدعية . وهو الدعاء نفسه!
أصبحنا نقول الأذكار ليس ذكرا لله وإنما طمعا في الثواب العظيم الذي يناله قائلها, فمن قال سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة لم يأت من هو أفضل منه في الأجر والثواب إلا من قال أكثر منه!

ومن قال كذا قبل أن ينام ومات مات على الفطرة! ومن قال كذا بعد أن يصبح غفرت له ذنوبه!


وبدلا من أن نذكر الله لذكره أصبحنا نذكره لثوابه! وهذا يدفعنا للتساؤل:
هل هذا ذكر لله أصلا, أم أنها كلمات مخصوصة نتلوها لنحصل على ثوابها؟!
النبي الكريم كان يذكر الله بعد الصلاة!
نعم, ما أن ينتهي من صلاته حتى يذكر الله, حبا له وشوقا إليه!
أما نحن فأصبحنا نذكر الله بعد الصلاة لأنها سنة!
فلأن النبي كان يذكر الله بعدها فنحن نذكر ولنا بذكرنا هذا ثواب السنة!!

ولا حرج في أن نفعل كما كان النبي الكريم, ولكن ذكر الله يكون لذكره .. ليس أكثر ولا أقل … الذي يجب علينا الانتباه إليه في هذا الأمر هو ذكر الله ودعاءه! النبي الكريم كان لسانه يلهج بذكر الله ودعاءه ليربط نفسه به, وحتى لا يران على قلبه, أما نحن فأصبحنا نقول أذكارا تقليدا للنبي!

فأصبحنا نجد من يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر تسعا وتسعين مرة بعد الصلاة, لأن النبي الكريم كان يقول ذلك! يقولها وهو يفكر في أي شيء ويحسب أي شيء, المهم أن ينتهي من الأذكار ليقوم ل”يخطف” ركعتي السنة!

إن أول شيء يجب علينا فعله لنكون من الذاكرين لله هو أن نجعل دعاءه ذكرا وذكره دعاءً!
أن نعي ونتذكر دوما أن النبي كان يدعوا الله, فعندما كان يدعوه عند صحوه من نومه أو عند خروجه من بيته أو عند سفره, لم يكن هذا ذكرا أو ثناء عليه –بالدرجة الأولى- وإنما كان دعاء, من يؤمن أن الأمور بيده, فلا يقول بلسانه: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله, اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي, لا يقولها كلمة, وإنما يقولها طالبا ما فيها! راجيا متوكلا على الله!

أما من يقولها فينا فلا يقولها إلا لأنها سنة, لأن النبي الكريم كان يقول كذا فيفعل مثله, يقولها بلسانه ولم يحقق درجتها بعد!

قليل منا من يخرج فعلا متوكلا على الله, كما يقول بلسانه!
وأقل من يدعو الدعاء وهو يقصده ..

للأسف العظيم فإننا لم نستحضر الله في قلوبنا بعد, نذكره بألسنتنا بدون أن نحس أو نقصد ما نقول!
نقول يوميا أننا نتوكل عليه وأننا نبرأ من الحول والطول إلا إليه, وأننا نستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ به!
ولكن هل نفعل؟!
انظر إلى اللحظات التي تحيق بك أزمة أو مشكلة فتلجأ إلى الله ليرفعها عنك!

انظر إلى حالك في هذه اللحظة وكيف يكون قلبك ملتجأ إلى الله, واعلم أن عليك أن تكون قريبا منها عند ذكرك الله!
واعلم أخي أنك لن تتحصل على هذه المنزلة في وقت قصير! ولكن إذا وصلت إليها فاحرص على ألا تضيعها!
والخطوة الأولى أن تقنع نفسك أنك في حاجة إلى الله وأنه له عليك من الفضل الكبير!
فإذا اقتنعت واستشعرتها فاعلم أنك على الدرب!

وفي الختام أقول لمن يذكر الله:
هل تذكر الله لأنك ترى أنك محتاج إليه, وأنه حقيق بالذكر والشكر, وأن نعمه سابغة عليك, أو لأنك فرطت في جنبه, فتستغفره؟!
أم أنك تذكره لتحصل على الثواب؟!
هل تذكر الله داعيا وتدعوه ذاكرا, أم أنك ممن يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم؟!
إن لذكر الله الأثر العظيم العجيب على الإنسان وعلى قلبه!

فاذكر الله على كل حال وفي كل وقت, اذكره حتى يطمئن قلبك, فإن كان فاعلم أنك من الذاكرين, وإن لم يكن فاستمر!
اذكره ولا تقصد من ذكره إلا ذكره! لا تبغ بذكره أجرا ولا ثوابا, وإنما اذكر الله لوجه الله, لتكون من المتوكلين العابدين!
اذكره لأنه حقيق أن يذكره, اذكره حتى لا تكون من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم!
جعلنا الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه, ومن الذين يذكرونه ويشكرونه, إنه ولي ذلك والقادر عليه!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

نقد رفض التعقل

من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.