موضوعنا اليوم قد يبدو بعيدا قليلا عن مضمون الأخلاق وتهذيب النفوس, وقريبا من المواضيع الأدبية!
ولكنا لا نتحدث عن الأدب, وإنما عن مطلب واقعي, فهل البكاء شيء مطلوب؟! وهل هو من الأخلاق؟
ونقول:
نعم, البكاء شيء مطلوب, وليس البكاء بحال علامة ضعف أو خنوع!
فكثير من الذكور! يستكبرون أن يبكوا, ويرون أن البكاء للنساء وليس للرجال!
ونعجب ثم نعجب! ولكنه من آثار الجاهلية التي تسربت إلى أفكارنا!
إن البكاء علامة نقاء وطهر للإنسان, ونجده في الفكر الإسلامي مرتبطا بأسمى علاقة, وهي العلاقة بين العبد والرب, وهي أن يقوم الإنسان للصلاة, فيذكر الله حتى يبكي, فيذكر الله عزوجل فيخشع قلبه وتتأثر نفسه فتفيض عيناه, وكما جاء عن الرسول: “ورجل ذكر الله خاويا ففاضت عيناه”
ويرتبط البكاء أول ما يرتبط بذكر الله وعند سماع القرآن, ولذا نجد أن الله تعالى يقول في حق الصالحين من أهل الكتاب:
“وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة : 83]
وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء : 109]”
فإذا كان هذا حال أهل الكتاب, فماذا يفترض فينا نحن معشر المسلمين؟
المشكلة أن قلوبنا قد قست لإقبالنا على الدنيا ناسين الآخرة, فقست القلوب وما عادت تتأثر لطول الأمد عليها, وحق فينا قول العلي الكريم:
“أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد : 16]”
والبكاء علامة من علامات الصدق, فالإنسان المحب للشيء يبكي عند فقدانه, ويود لو كان تحصل عليه, ونجد هذا جليا في موقف بعض فقراء الصحابة الذين أتوا للنبي الكريم ليجهزهم للقتال في غزوة العسرة, ولكن لم يجد النبي ما يجهزهم به:
“وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ [التوبة : 92]”
تصور معي حال هذا الإنسان الذي يبكي لأنه لن يقاتل!
هذا هو الإنسان الذي نريد, إنسان مؤمن قوي الإيمان, شديد العزيمة, ينادي منادي الجهاد, فينفض الدنيا ويلبي ويسارع للجهاد في سبيل الله, فلما لا يجد لذلك سبيلا يحزن لأنه لم يشارك في نصرة المؤمنين, ويصل حزنه لدرجة أنه يبكي!
نعم, يبكي ولا حرج في ذلك, فهو إنسان صادق المشاعر نقي القلب!
لذا فإنا ندعو إلى تغيير الفكرة الموجودة لدينا حول البكاء وأنه علامة ضعف وأنه للنساء فقط!
وندعو كذلك للبكاء! نعم نحن ندعوك عزيزي القارئ أن تبكي!
ستسأل: لم؟
نقول: بغض الطرف عما ينزل بالأمة من الكوارث, وما يدبره الأعداء لها, وما يكيده حكامها فيها, وعن التخلف النازل بها, والذي يستدعي أن يبكي الإنسان ليل نهار فلا تجف مدامعه! فإنا ندعو إلى البكاء من أجل سبب آخر, وهو:
أن نرقق قلوبنا!
نعم, ابك ليرق قلبك, ولتذهب تلك الغلظة وذلك الران الذي أحاط بها!
صدقني ابك وستشعر بالفرق, ستحس بارتياح شديد بعد أن تبكي,
ستشعر أنك أزلت هما كبيرا من على عاتقيك!
ستشعر أنك إنسان نقي طاهر!
ستشعر أنك تواجه الحياة من جديد بطاقة متجددة!
ستشعر بأشياء كثيرة, ومع كثرة البكاء سيرق قلبك وتصبح عينك فياضة!
فابك حزنا على حال الأمة وعلى أخطائك وتقصيرك!
اختل بنفسك وذكرها بأفعالها وبتقصيرها وابك على ذلك!
وصدقني ستشعر أن هذا البكاء يغسلك ويطهرك!
ومع استمرار البكاء ستنظف قلوبنا وترق, وتدفعنا إلى عمل الصالح ونفع الناس, وعدم إيذائهم!
جعلنا الله وإياكم من البكائين, أصحاب القلوب الرقيقة والسلام عليكم ورحمة الله!
شاهد أيضاً
نقد رفض التعقل
من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …