كنا قد تكلمنا في حلقة سابقة عن المسؤولية الفردية, وكيف أنه ينبغي على كل إنسان أن يحمل هم الأمة والجماعة, وقلنا أن قلة من يحملون الهم ويتحركون لذلك, وهنا في هذا الموضوع نطرح السؤال التالي لحمل المسؤولية, وهو:
هل أنت وصي؟!
والوصاية التي نتحدث عنها هي تلك الوصاية السلبية, التي يقع فيها كثير من الإسلاميين, والذين ينصبون أنفسهم أوصياء على الدين, فيمنعون هذا من الكلام, ويصادرون حق ذلك في إبداء رأيه, ويرون أن الآراء التي تخالفهم هي بدع من القول يحق لهم مصادرته, ومن الأفضل للأمة ألا تعرفها! حتى لا تضل وتتبع هذه الشبهات!
ولست أدري صراحة من نصبهم أوصياء على الأمة, حتى يحددون لها ما تقرأ ويمنعون عنها ما يخالف آراءهم.
(وهؤلاء الإسلاميون في فعلهم هذا مشابهون لأولئك النفر من حكامنا الأشاوس!!!!
الذين نصبوا أنفسهم حاكمين مطلقين للأمة, لا يريدون أن يتزحزحوا قدر أنملة عن كراسيهم, موهمين أنفسهم وغيرهم أن الأمة في حاجة إليهم, وأنهم يضحون! من أجل الأمة, وأنهم لو تركوا كراسيهم ومناصبهم تلك, فستهلك الأمة,
لأنه لا يوجد في الأمة من يصلح لتلك المناصب والمسؤوليات إلاهم, ومن سيصل هو حتما من الحمق الخرق, والذين سيسببون الفوضى والانحلال في المجتمع!
لذا فمن الواجب أن يظلوا في مناصبهم, ويحل لهم من أجل ذلك أن يقضوا على مخالفيهم أو ينكلوا بهم أو يشوهوا سمعتهم, فلا بأس من التضحية بأفراد من أجل الأمة!!, والعجيب أنا نجد بين أفراد الأمة التابعين من يؤيد هذا المنظور الوصائي!)
كل الموجودين على الساحة الإسلامية هم سواء, فليس أحد منهم رسول الله أو يحمل توكيلا عنه بالتحدث عن الإسلام,
كلنا ندعو إلى الله وإلى ما نراه هدي الله, وللكل أن يعرض رأيه, والرأي يُرد عليه بمثله من الرأي والقول, أما أن نريح أنفسنا بأن نصادر تلك الأقوال المخالفة, أو أن نفرض عليه شروطا معينة نابعة من مذهبنا أو منهجنا, فإن هذا يعد نوعا من الوصاية, وهذا يعطي صاحب الرأي المصادر الحق في الصراخ والشكوى لمنع حقه في الحديث, ثم الادعاء بعد ذلك أن حجته كانت قوية لم يستطع المخالفون رد حججها, فمنعوها!
وذلك الإنسان الذي ينصب نفسه وصيا ما فعل ذلك إلا لاقتناعه أن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ لا يحتمل الصواب, مهما قال ومهما ادعى بلسانه أنه يحترم الخلاف, وأن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب, لأنه لو آمن بذلك لما صادر حق الآخرين ولناقش أقوالهم بما تحتاج من المناقشة.
لذا فنحن نتحرك كلنا من أجل دين الله ومن أجل الأمة منطلقين من منطلق التكامل والتعاضد وليس من منطلق الانفراد وحيازة الحق المطلق! ومراعاة أن الأمة في حاجة إلى جهد كل إنسان منا من أجل الرقي والتقدم. والمشكلة أن عامة المشتغلين في الحركات الإسلامية يوجهون جل طاقاتهم من أجل القضاء بعض الخلافات الصغيرة الموجودة داخل المذهب أو حتى خارجه, بدلا من التفرغ لتأصيل جديد مناسب للواقع! ظانين أن كل صغيرة في مذهبهم هي ضرورة حتمية للنهوض بالأمة! ناسين أن الأمة لا تنهض إلا بعد التوحد على خطوط عريضة رئيسة تسعى من أجلها, وينشغل الأفراد في ملء الفراغ بين هذه الخطوط, ولا حرج أن يملء هذا الفراغ بألوان مختلفة توصل في نهاية المطاف إلى الخط العريض.
لذا فليكن شعارنا وإيماننا هو أننا نتحرك كخدام لدين الله وللأمة وليس كأوصياء عليها, وليكن كل همنا هو توحيد الأمة حول الخطوط العريضة قدر المستطاع, فلم ولن يحدث أبدا أن تتحد جماعة ما حول صغائر الأمور,
فما بالنا بأمة متناثرة الأطراف مختلفة الشعوب والأعراق.
جعلنا الله وإياكم ممن يوحدون ولا يفرقون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!