رغما عن أن المسلمين يتلون القرآن آناء الليل وأطراف النهار إلا أنه رسخ عند نسبة كبيرة منهم أن العلاقة بينهم وبين ربهم “علاقة خاصة” وأن لهم استثناء في المعاملة الربانية!
وذلك بسبب غياب “قوانين الجزاءات الربانية” المترتبة على الأفعال البشرية عن “العقل الإسلامي”، والتي توضح بكل جلاء أنه في حالة حدوث كذا فإن الله يفعل كذا .. وعندما يقوم العبد بكذا .. يُجازى بكذا!
(رغما عن كونها مذكورة بكل وضوح وجلاء في القرآن!)
وهي تنطبق على المسلمين وغيرهم!
وبسبب هذه القناعة أصبح كثير من المسلمين يأتون بتصرفات لا تستقيم بأي حال مع “السمات” المفترضة في المسلم!
(وذلك ظنا منهم أنهم استثناء فسيتجاوز الله عنهم وعنهم! أو من ناحية أخرى ظنا منهم أنه لا يترتب عليها شيء في الدنيا، وإنما سيكون هناك عقاب عليها في الآخرة فقط .. أو حتى ثواب في الآخرة .. غافلين عن مجازاة الله لهم .. وأثر هذه الأعمال الطالحة -والصالحة كذلك- على القلوب! فالمسألة ليست مجرد “عداد” سيئات يُسجل سيئات الإنسان، وإنما هي أفعال صالحة أو طالحة تؤثر على قلب الإنسان وعلى مسار حياته وعلى قربه وبعده من ربه!!)
وحتى لا يكون الكلام مبهما أوضح فأقول:
ذكر الله العلي العظيم الكثير من “سنن الجزاءات” في كتابه، مثل:
إنما يتقبل الله من المتقين.
(فإن لم تكن من المتقين فلن يُقبل عملك)
ويضل الله الظالمين
(فإن كنت من صدق عليهم نعت: الظالمين، فأنت مستحق لإضلال الله لك .. وليس فقط العقاب المادي الدنيوي أو الأخروي)
فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم
فعاقبة لزيغ أفعالهم أزاغ الله قلوبهم.
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ
فعاقبة لهذه الأفعال أحبط الله أعمالهم.
فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية
(وأكثر المسلمين لا يخطر بباله أن المسلمين قد يلعنهم الله أو يقسي قلوبهم فنحن أمة محمد، ويظن أن هذه العقوبات للسابقين)
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
وهذا كان له عقاب مضاعف، فلم يقتصر على الإضلال وإنما تعداه إلى الختم ووضع الغشاوة.
وفي نفس الوقت:
أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)
وكذلك:
وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا
فبالصبر استحق هؤلاء مرتبة الإمامة.
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
فإبراهيم عليه السلام ابتلي ولما نجح على التمام جُعل للناس إماما.
ومثل هذا جد كثير في كتاب الله، فالأعمال سواءً الصالحة والطالحة لها “عواقب ومترتبات”، يوجدها الله تبعا لقوانين سنها الله وعرفنا بها في كتابه، وليست مجرد أفعال تُسجل في الكتاب.
وإحقاقا للحق فإن مسألة العواقب والمترتبات هذه حاضرة عند أكثر “العوام” ولكن في حيز ضيق منها وهو حيز “الثواب والعقاب”، فإن كنت صالحا فإن الله ييسر لك أمورك وأحوالك ويحفظك، وإن كنت فاسدا فإنك تعاقب بمضار أو مصائب تنزل بك!
(والعجيب أن هناك مثقفين مسلمين يرون هذه التصورات القاصرة “خرافات”، أو اعتقادات لا أصل لها، وأن الله تعالى مكتف بتسجيل أعمال العباد فقط وسيحاسبهم عليها في الآخرة!!)
في الختام أقول:
الأفعال ليست مجرد أحداث تحدث وتتلاشى في الفضاء وإنما هي أعمال لها آثار على إخوتنا من البشر ممتدة، وكذلك مترتبات وعواقب عند الله عزوجل وسيجازي الجميع بعلمه وحكمته ورحمته وعزته .. جل وعلا.