حديثنا اليوم بفضل الله وعونه عن تركيبة لم يعد يلتفت إليها أحد من المسلمين لظنهم أن ما يقال فيها قد قيل, وهي تركيبة “ابن السبيل”
وذلك لاعتقادهم أن “ابن السبيل” هو المسافر المنقطع عن بلده, والذي يريد العودة إلى بلده ولا يجد ما يتبلغ به!
وحتى نحكم على هذا القول بالصحة أو الخطأ ننظر في كتاب الله لنبصر, هو وافقوه فيما قال أم خالفوه!
الناظر في كتاب الله تعالى يجد أن هذه التركيبة “ابن السبيل” قد وردت فيه ثمان مرات, وهذه هي المواطن التي وردت فيها:
“لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِوَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ … [البقرة : 177]
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة : 215]
وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً [النساء : 36]
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنفال : 41]
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة : 60]\
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً [الإسراء : 26]
فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الروم : 38]
مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر : 7]
أول ما يلحظه الناظر في هذه الآيات أن “ابن السبيل” أتى مرتبطا ب “المسكين أو المساكين”, فلم تأت آية فيها “ابن السبيل” ليس فيها “المسكين أو المساكين”.
وكذلك “ذوي القربى” في كل الآيات إلا في آية الصدقات!
بعد ذلك نلاحظ أن الله تعالى أفرده دوما, فهو يقول في كل القرآن “ابن السبيل”, ولم يقل في أي مرة “أبناء السبيل”, بخلاف باقي الأفراد الذين يُذكرون معه, فلقد قال “المسكين والمساكين, ذي القربي وذوي القربى والأقربين, اليتيم واليتامى, الفقير والفقراء, السائل والسائلين.
وعندما تكلم عن الجار ذكره مفردا ولكنه عدد أنواعه, فتكلم عن الجار ذي القربى والجار الجنب!
وهنا يجب علينا أن نتساءل:
لماذا أفرد الله “ابن السبيل” في كل القرآن؟!
انتبه بعض المفسرين إلى ذلك, فقالوا إن هذا راجع إلى قلتهم بالمقارنة بالآخرين, فهم ليسوا مثل الفقراء والمساكين!
ولكن يشغب على هذا القول أنهم مثل أو أقل من المؤلفة قلوبهم, وكذلك فإن الغارمين ليسوا من الكثرة بمكان!
كما يجب علينا أن نتساءل:
كيف يكون المسافر الذي فقد ماله ولا يقدر على العودة “ابنا” ل “السبيل”؟!
لقد فسر! العلماء “السبيل” بأنه الطريق الذي يسير فيه الناس! فهل إذا فقد الإنسان ماله بحيث لا يستطيع العودة أصبح ابنا للسبيل؟!
إن العجب كل العجب أن السبيل هو ما يتوصل به إلى غيره! ولو كان قيل ” ابن الطريق” لكان من الممكن قبول قولهم! أما أن يكون ابن ما يوصل إلى غيره هو العاجز عن الوصول فهذا هو عين العجب!
إن البنوة تدل على علاقة ارتباط شديدة بين طرفين, يكون فيها الطرف الثاني قد نبع من الأول أو تشكل منه, بحيث يصبح الأول هو السبب في الثاني!
فنحن مثلا أبناء الخليل إبراهيم –وهو أبونا- لما له من الفضل العظيم علينا وعلى كل المسلمين, فهو أبونا “أبوة روحية”, فكيف يكون الإنسان ابنا للسبيل؟!
إن العلاقة الكائنة بين التائة أو فاقد المال والطريق علاقة عابرة, ليس لها أي فضل على الإنسان أو تأثير حتى نقول أن الإنسان أصبح ابنا للسبيل!!
ولو قلنا أن المراد من ابن السبيل هو اللقيط, لكان مقبولا, أو من نسميهم “أبناء الشوارع” لكان القول أقرب, فهؤلاء أُلقوا في الشارع منذ بداية حياتهم وتركوا فيه, وتربوا وعاشوا فيه!
وهؤلاء لا يُعلم لهم أهل ولا نسب, فلو قلنا أنهم أبناء الشوارع لما كان في قولنا هذا بعدا ولا اغترابا!
ولكنا لا نقول بهذا القول, ليس لأن ظاهرة أولاد الشوارع لم تكن “ظاهرة” في ذلك الوقت, فهي وإن لم تكن ظاهرة إلا أن اللقطاء موجودن في كل زمان ومكان!
لا نقول بهذا القول لأن “السبيل” الذي يتحدث عنه القرآن ليس مجرد الطريق! وإنما شيء آخر علينا النظر في القرآن لنعرف ونحدد ما هو!
ثم ألا يُعد “المسافر المنقطع” الذي ضاع منه ماله سائلا؟! والله عزوجل ذكر السائل بجوار ابن السبيل, فقال:
ليْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ …….. وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِوَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ … [البقرة : 177]
وعامة السائلين يتحججون بهذه الحجة, أنهم على سفر وضاع منهم مالهم! فذكر “السائلين” بعد “ابن السبيل” دليل على أن ابن السبيل لا يكون سائلا! وعلى قولهم فهو سائل لا محالة, لأن الناس لن تعرف بحالته إلا إذا سألهم!
كما يجب ملاحظة أن الله عز وجل لم يجعله ممن يأخذون الصدقات ب: اللام, وإنما ب: في!
لاحظ أن الرب الحكيم قسم المستحقين للصدقة إلى قسمين, كل قسم من أربعة:
فجعل أربعة أصناف تأخذ الصدقات باللام, وهم: “الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم”
فهؤلاء الأصناف الأربعة يأخذون الصدقة بأنفسهم لأنفسهم وينتفعون بها!
أما الأربعة الأخرون فجعل الله الصدقة فيهم, وهم: “الرقاب والغارمون وسبيل الله وابن السبيل”
فهؤلاء لا يأخذون المال وإنما يُجعل فيهم, فتحرر به الرقاب وتُرفع غرامة الغارمين فلا يُحبسون مثلا, وتوضع في سبيل الله.
وكما رأينا في هذه الأصناف الثلاثة فمن المفترض أن يكون “ابن السبيل” كذلك ممن توضع فيهم الصدقة!
وعلى قولهم أنه المسافر فهو من الصنف الأول وليس الثاني!
كما يلاحظ الناظر في القرآن أن “ابن السبيل” يأتي في المركز الثالث في الأهمية في الإنفاق بعد المسكين وذوي القربى, فلقد ذُكر أكثر من الفقراء! ووجدنا الأصناف تتغير في الآيات التي ذُكر فيها ولم يثبت إلا هو والمساكين, وزاد عنه “المساكين” في آيات أخرى!
وهنا يحق لنا أن نتساءل:
هل للمسافر الذي فقد ماله, ويمر بالصدفة في مدينة ما, هذه الأهمية الكبرى في المجتمع؟! ناهيك عن أنه قد يهلك وهو في الصحراء قبل أن يصل إلى أي مدينة عامرة!!!
بعد هذه التساؤلات والملاحظات أول ما يجب علينا فعله لتحديد المراد من “ابن السبيل” هو تحديد مدلول: السبيل؟
المشهور أن المراد من السبيل هو الطريق! ولكن الناظر في القرآن يجد أنه يستعمله استعمالاً, لا يمكن أن يتناسب مع الطريق بحال!
ومن هذه الاستعمالات يخرج المرء بالمعنى الأدق, وهو أنه كل ما يتوصل به إلى غيره!
وقد يرى القارئ أن المعنى قريب مما قالوا, فالطريق هو ما يوصل الإنسان إلى ما يريد, والمعنى قريب إلا أنه مخالف في عين الوقت,
فالسبيل كما نقول هي “أداة أو وسيلة” بأي شكل كانت, تحقق المبتغى أو توصل إليه, بخلاف الطريق الذي يوصل فقط ولا يحقق!
والناظر في القرآن يجد أن عامة استعمال “السبيل” –التي وردت تسعا وعشرين مرة- ليس مع الطريق وإنما مع الدين! بينما يستعمل “الصراط” عند الحديث عن “الطريق”!
وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام : 153]
فالصراط له سبيل, وعلى المؤمنين اتباع الصراط حتى لا يتفرقوا عن سبيل الصراط!
وننظر في أبرز المواطن التي ورد فيها “السبيل” معرفا:
“أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ [البقرة : 108]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ [النساء : 44]
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [التوبة : 93]
وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [النحل : 9]
والآية الوحيدة التي يمكن فهمها على أن المراد من السبيل هو الطريق هي قوله تعالى:
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [العنكبوت : 29]
ونحن لا نرفض أن يستعمل السبيل بمعنى طريق مخصوص موصل, ولكن التساؤل كله حول الاستعمال الغالب للكلمة في القرآن!
كما أن الناظر في القرآن يجد أن العلاقة القائمة بين الإنسان والسبيل هي “الاتخاذ أو الإعراض أو الصد” أو “الاستطاعة” أو “الإتباع” أو “إدانته للإنسان”
ولنا أن نتساءل: هل يستطيع الإنسان طريقا؟! وهل يتبع الإنسان طريقا؟! وهل لإنسان على آخر طريق أو مدخل؟!
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران : 97]
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً [الكهف : 61]
فإذا تركنا استعمال الكلمة معرفة, وانتقلنا إلى استعمالها نكرة! وجدنا أنها ترد أكثر ما ترد مضافة إلى “الله” في التركيبة الشهيرة: “سبيل الله”, والذي أصبحت مرادفا للقتال أو الجهاد عند كثير من المسلمين!
ونعرض لأهم الآيات التي وردت فيها هذه التركيبة, لتبصر بعينك كيف أنها لا تعني بحال القتال! وإنما تعنى نفس المعنى المذكور سابقا وهو: دين الله ومنهجه!
“وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ [البقرة : 154]
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ …….. [البقرة : 217]
فالقتال في الشهر الحرام صد عن سبيل الله! ويسبب ألا يدخل الناس في الدين!
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة : 218]
وهناك من يهاجر في سبيل الله!
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [آل عمران : 99]
وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران : 146]
فهؤلاء الربيون ما وهنوا لما أصابهم لأنه كان في سبيل الله!
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ [آل عمران : 195]
فهؤلاء هاجروا وأخرجوا وأوذوا في سبيل الله, وكذلك قاتلوا وقتلوا! فهذا دليل على أن سبيل الله ليس القتال, وإنما الإنسان يقاتل في سبيل الله!
ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل : 125]
فالرسول مأمور بالدعوة إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة!
وكما رأينا من استعمالات الكلمة معرفة ونكرة مضافة فإن الأعم الغالب فيها أن تكون بمعنى الدين!
وإذا نظرنا في آية الصدقات وجدنا أنه قد ذُكر بعد “سبيل الله”, والذي هو كما قلنا دين الله!
فإذا كان المصرف السابع للصدقات هو لدين الله, فلنا أن نتساءل:
ألا يمكن أن يكون المراد من ابن الدين أو الدعوة؟!
ألا يمكن أن يكون المراد منه ذلك الذي ترك دينه ووطنه وبلده وجاء ليعيش بين المسلمين, فاستعاض عن أهله بالدين, فاستحق أن يكون ابنا له؟!
ولو قلنا بهذا المعنى لفهمنا لماذا كان التركيز على “ابن السبيل” في دولة المدنية, فهناك الكثير من المؤمنين يهاجرون إليها ويتركون أموالهم وأولادهم
وكل ما لهم, ويأتون المدينة وهم صفر اليدين.
وليس هذا الصنف مقتصر على دولة المدينة في زمن الرسول, وإنما ممتد إلى زماننا وإن اختلف الوضع في أن المسلم ما عاد يأتي ليظل طيلة حياته, وإنما يأتي سنين يتعلم الدين ثم يعود إلى بلده!
لذا فعلى المجتمع المسلم أن يؤمن لهؤلاء احتياجاتهم حتى يصيروا كأفراد فاعلين في المجتمع, لا أن يكونوا عالة عليه.
وبهذا يكون الله عزوجل قد جعل مصرفا لمن تؤلف قلوبهم حتى يؤمنوا, ولم يترك أولئك الذين آمنوا فعلا, وتركوا كل شيء من أجل الدين!
فلهذا كُرموا واستحقوا أن يكونوا أبناءً للدين!
وفي نهاية المطاف نقول:
هذا اجتهاد في فهم الآية, نراه أولى من القول الذي يقول أن ابن السبيل هو المسافر الذي فقد ماله, اتفق مع السابقين في أن ابن السبيل مغترب, وخالفهم في أنه لا يريد العودة وإنما أتى لله وللدين, مقيما دائما في أرض المسلمين, أو لفترة لتعلم الدين ثم يعود إلى بلده!
فعلى المسلمين احتواءه وتجهيزه. فتُعد دور الإقامة, كما تُجهز لهم المكتبات والأدوات التي تمكنهم من التعرف على الدين الإسلامي!
غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم ورحمة الله!
شاهد أيضاً
نقد رفض التعقل
من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …