إشكالية التضعيف الاستبعادي

من حين لآخر يطفو على الساحة جدال بشأن صحة بعض الأحاديث وضعفها, ويشتد الجدال ويحتد, ويُرمى صاحبه بالضلال والابتداع .. الخ, إذا قال أن هناك أحاديث ضعيفة في صحيح البخاري –أ-و مسلم!

فرغماً عن أنه هناك كتب عديدة جمعت أحاديث رسول الله, إلا أن علماء الحديث رسخوا عند عامة المسلمين وعند “طلاب العلم الشرعي” –بعد قرون من جمع صحيح البخاري ومسلم- أن هذين الكتابين يخلوان من الضعيف وأن كل ما فيهما صحيح .. بلا استثناء!!

ومن ثم –فقد- يُقبل الخلاف بشأن تصحيح أو تضعيف أي رواية في أي مصنف حديثي آخر! إنما مجرد تضعيف رواية في البخاري ومسلم فهذه كارثة وفاعلها طاعن في السنة مشكك! ويكفي لنعرف المنزلة التي كان قد أوصل البخاري إليها عند عوام المسلمين, المقولة الشهيرة: “هو احنا غلطنا في البخاري”!

وذلك لأنهم يرون أن البخاري ومسلم اجتهدا في جمع الأحاديث الصحيحة فقط, ووضعا من الشروط وبذلا من الجهد ما يمكنهما به الزعم أن ما وضعاه في صحيحيهما هو حتماً صحيح! بينما عندما لم يكن الهم هو جمع الصحيح فقط حدث التساهل ومن ثم ذُكر ما لم يأت في هذه الكتب
فنحن نجد أن البخاري ذكر في كتبٍ له مثل: الأدب المفرد! من الروايات ما لم يذكره في صحيحه!

وبغض النظر عن أن اعتمادهم روايات البخاري كمقياس للصحة يعني أن ما تركه البخاري فلم يذكره في صحيحه لا يكون صحيحا عند البخاري (ومن ثم فالمفترض أن ما ذكره مسلم وكل من جاء بعد البخاري ولم يذكره البخاري فهو ضعيف عند البخاري!), وكذلك ما ذكره البخاري وكل من جاء بعد مسلم ولم يذكره مسلم, فالمفترض أنه ضعيف عند مسلم!!

إلا أن علماء الحديث بعدهما لم يقتنعوا أن كل ما تركاه ضعيف ورأوا أن فيما تركوه الكثير والكثير من الصحيح, فجمعوا أحاديث تركها البخاري ومسلم وذكروها في كتبهم, مثل: المستدرك على الصحيحين, للحاكم النيسابوري!! والذي بيّن من خلال اسم كتابه أن كتابه هو استدراك للصحيحين, فهو يربط كتابه بكتابيهما صراحة, فلم يقل أنه يجمع كتاباً للسنن!

ولأن هذه الأحاديث لم تكن على نفس الدرجة من القوة, ولأنها سببت إشكاليات ووجد فيها تناقضات, قام علماء الحديث المتأخرون –الذين لم يعد ممكنا لهم أن يجمعوا أحاديث!- بوضع درجات لهذه الروايات, فحُكم على هذه الأحاديث بحكم ما: صحيح حسن ضعيف موضوع .. الخ), ولكن ظلت هذه الروايات موجودة في كتب التراث!

ولا يزال حتى الآن النزاع حول تصحيح وتضعيف رواية أو روايات! وتجد أحدهم يؤلف كتيباً أو كتابا في تصحيح أو تضعيف رواية معينة!! ويرد فيه على من قال بعكس ما يقول!

وسيستمر الجدال حول تصحيح وتضعيف الروايات طالما أنه لا منهج علمي قاطع في قبول الأحاديث وإنما يعتمد على ترجيحات “علماء الحديث” وموازنات كثيرة –قابلة بشدة للأخذ والرد-!

وبعد هذه المقدمة الطويلة أعود فأقول:
ليس عن هذا التضعيف نتكلم, والذي ظهر بعد وضع كتب الأحاديث بفترة –قد تصل إلى قرون-, وإنما نتكلم عن أول تضعيف حدث في تاريخ الإسلام, ونوضح فنقول:

من المعلوم أنه كان هناك شروط عند علماء الحديث فيمن يأخذون عنهم الأحاديث, ومن أهم هذه الشروط “الشروط العقيدية”, فهم يشترطون فيه أن يكون على عقيدة معينة, فكانوا لا يأخذون الأحاديث مثلا ممن يرون تشيعه تشيعا صريحا! أو ممن يقول بالقدر أو من الخوارج … الخ أصناف أصحاب الأفكار المخالفة للفكر السائد عند أهل السنة! وكما استقر: المبتدع الداعي إلى بدعته لا يؤخذ عنه!!

وبشكلٍ عام فإن علماء الحديث الأوائل لم يكونوا مشغولين بوضع درجات للحديث, وإنما كانوا يقبلون الصحيح, أو حتى ما يرون فيه احتمالية مرتفعة للصحة, بينما ما يرونه مختلقاً أو شديد الضعف كانوا لا يضعونه في كتبهم أصلا! فالعلماء المتأخرون وإن صححوا وضعفوا وحسنوا ووضّعوا, إلا أن الروايات لا تزال موجودة ويمكن الاطلاع عليها ومقارنتها! بينما الأوائل رفضوا هذه الروايات فلم يذكروها أصلاً!

ولم يكن مستند رفض الرواية مجرد كذب واختلاق الرواة, وإنما كان كذلك الخلاف “العقدي السياسي” مستند كبير للاستبعاد! ومن ثم رُفضت روايات المخالفين من الجذور فلم يُرو عنهم أصلاً!

والسؤال الرئيس هنا: هل كانت كل أحاديث هؤلاء الأصناف غير صحيحة؟ ألم يوجد حتماً عند هؤلاء أحاديث صحيحة ضُيعت فلم تُسجل أصلا؟!
ولا نقصد بالأحاديث أقوال الرسول فقط, وإنما أقوال الرسول وأقوال منسوبة إلى الصحابة وإلى التابعين.
إن افتراض أن علماء الحديث كانوا غير متحيزين افتراض مثالي وهمي! فلا يقتصر الأمر على رفض روايات المخالف أو الخوف من الحاكم, وإنما كذلك قناعاتهم الشخصية!

فهناك آراء كانت قد ظاهرت وسادت وانتشرت! ثم يجد هؤلاء روايات –وربما هناك ثمة إشكاليات ما في سندها لديهم- تخالف تماما هذا المألوف المشهور! فلذلك استبعدوها فلم يعملوا على ذكرها أصلاً!!

والدليل على هذا أننا نجد بعض الروايات التي ذُكرت على استحياء في بعض كتب الحديث المتأخرة, والتي تُصنف عادة على أنها مليئة بالموضوعات, هذه الروايات لم يجر لها أي ذكر في كتب الحديث المتقدمة, ولولا ذكرها في هذه الكتب المتأخرة لما عرفنا بها أصلاً, ولأصبح الرأي المشهور هو الرأي الوحيد المذكور

ولما عرفنا بوجود آراء أخرى في المسألة!! (مثلاً المشهور أن أول سورة نزلت من القرآن: العلق! وهناك رواية يتيمة تقول بخلاف ذلك ويُعلق الجامع عليها بقوله: أنها مخالف للمعروف المستقر عليه!!)

نعم, غالباً ما يُنظر إليها باعتبارها قول شاذ ولا يُلتفت إليها! ولكن بالنسبة لكثيرٍ من المسلمين, يكفي وجود رواية ما بشكل ما في كتب الروايات حول مسألة ما, حتى يُتقبل النقاش معك بشأن هذه المسألة! غير ذلك لا يُعتد بما تكتب أصلا!!

والسؤال هنا: ألم يكن من الممكن أن هذه الأحاديث كانت لتشكل تغييرا في منظومة “الأحكام/ الفقه” ومنظومة “العقيدة” .. بل وكذلك: منظومة أصول الفقه! والمنظومة الأخلاقية؟!

وكذلك التصور التاريخي لمرحلة الصحابة وما بعدهم! (والتي غالباً ما سُكت عن تفاصيل معينة فيها, واكتُفي بتقديم المعروف المشهور لنا حاليا! لتقديم تصورٍ ومنظور بعينه للتاريخ وللأحداث)

أليس من الأكيد أنها كانت ستحدث فارقاً أم أن وجودها حتما كعدمه وبالتأكيد كانت فاسدة كلها؟!! فإذا كان البخاري قد تقبل من ستمائة ألف رواية كانت متداولة في عصره حوالي ثمان آلاف رواية –بالمكرر-, وإذا كان من بعده قد تقبلوا مما ترك لنقل الضعف أو حتى الضعفين!

يظل التساؤل ملحاً: أليست هناك احتمالية لوجود ألف رواية فقط صحيحة تم استبعادها مما يزيد عن خمسمائة وخمسين ألف رواية تقول بخلاف المشهور حالياً؟!!

أعرف أن الرقم صادم للقارئ ولكن أذكرك عزيزي القارئ أن هناك مدونات حديثية موجودة عند غير أهل السنة تقول بخلاف ما تقول به روايات أهل السنة!! فالإباضية مثلاً لديهم “مسند الربيع بن حبيب”, والشيعة لديهم كتبهم كذلك! نعم أعلم أن علماء أهل السنة يضعفون هذه الكتب

ولكن الرسول لم يضع أصلاً معياراً لقبول حديث عنه ورفض غيره! (والمعيار الوحيد المذكور في الروايات بعرض الحديث على القرآن مرفوض لأن الروايات هذه ضعيفة!)

ومن ثم فستظل هناك احتمالية لصحة ما جاء في هذه الروايات عند غير أهل السنة!! (وتبقى نفس الإشكالية بدرجة مع الروايات المضعفة عند أهل السنة كذلك, فاحتمالية صحتها لا يمكن إلغاءها!!)

الشاهد أن هناك الكثير والكثير من المسكوت عنه في تراثنا وتاريخنا, والذي لو حُكي لاختلف الحال كثيراً! وأن ما نعرف هو الذي أُريد لنا أن نعرف وبالشكل الذي أريد أن يُقدم به!

ولنتذكر أن أشهر ما كُتب بشأن سيرة الرسول –سيرة ابن هشام-, هي سيرة “الرسول المقاتل”, والتي اختزلت جوانب كثيرة من حياة الرسول والإسلام وركزت على الغزوات والمعارك, بينما لم تركز –مثلاً وبكل عجب!!- على انتشار الإسلام وعلى الانتصارات الجدالية العقلانية, وإنما على المعارك الحربية!

وهكذا عرفنا الرسول الرحيم من زاوية ما بشكلٍ ما, -لا نزعم بحال أن جله غير صحيح- ولكن هناك من المسكوت في حياة وأفعال الرسول والذي لو قُدّم لنا الرسول من خلاله لاختلف منظورنا إليه وإلى الدين وإلى تاريخ البعثة كلية!!

المشكلة أننا نكرر دوماً أن التاريخ يكتبه المنتصر –وهو ما فعله أهل السنة- ولكننا لا نجرؤ على النظر إلى تاريخنا “الإسلامي” بهذه العين الناقدة!!

من حين لآخر يطفو على الساحة جدال بشأن صحة بعض الأحاديث وضعفها, ويشتد الجدال ويحتد, ويُرمى صاحبه بالضلال والابتداع .. الخ,

إذا قال أن هناك أحاديث ضعيفة في صحيح البخاري –أ-و مسلم! فرغماً عن أنه هناك كتب عديدة جمعت أحاديث رسول الله, إلا أن علماء الحديث رسخوا عند عامة المسلمين وعند “طلاب العلم الشرعي” –بعد قرون من جمع صحيح البخاري ومسلم- أن هذين الكتابين يخلوان من الضعيف وأن كل ما فيهما صحيح .. بلا استثناء!!

ومن ثم –فقد- يُقبل الخلاف بشأن تصحيح أو تضعيف أي رواية في أي مصنف حديثي آخر! إنما مجرد تضعيف رواية في البخاري ومسلم فهذه كارثة وفاعلها طاعن في السنة مشكك! ويكفي لنعرف المنزلة التي كان قد أوصل البخاري إليها عند عوام المسلمين, المقولة الشهيرة: “هو احنا غلطنا في البخاري”!

وذلك لأنهم يرون أن البخاري ومسلم اجتهدا في جمع الأحاديث الصحيحة فقط, ووضعا من الشروط وبذلا من الجهد ما يمكنهما به الزعم أن ما وضعاه في صحيحيهما هو حتماً صحيح! بينما عندما لم يكن الهم هو جمع الصحيح فقط حدث التساهل ومن ثم ذُكر ما لم يأت في هذه الكتب, فنحن نجد أن البخاري ذكر في كتبٍ له مثل: الأدب المفرد! من الروايات ما لم يذكره في صحيحه!

وبغض النظر عن أن اعتمادهم روايات البخاري كمقياس للصحة يعني أن ما تركه البخاري فلم يذكره في صحيحه لا يكون صحيحا عند البخاري (ومن ثم فالمفترض أن ما ذكره مسلم وكل من جاء بعد البخاري ولم يذكره البخاري فهو ضعيف عند البخاري!), وكذلك ما ذكره البخاري وكل من جاء بعد مسلم ولم يذكره مسلم, فالمفترض أنه ضعيف عند مسلم!!

إلا أن علماء الحديث بعدهما لم يقتنعوا أن كل ما تركاه ضعيف ورأوا أن فيما تركوه الكثير والكثير من الصحيح, فجمعوا أحاديث تركها البخاري ومسلم وذكروها في كتبهم, مثل: المستدرك على الصحيحين, للحاكم النيسابوري!! والذي بيّن من خلال اسم كتابه أن كتابه هو استدراك للصحيحين, فهو يربط كتابه بكتابيهما صراحة, فلم يقل أنه يجمع كتاباً للسنن!

ولأن هذه الأحاديث لم تكن على نفس الدرجة من القوة, ولأنها سببت إشكاليات ووجد فيها تناقضات, قام علماء الحديث المتأخرون –الذين لم يعد ممكنا لهم أن يجمعوا أحاديث!- بوضع درجات لهذه الروايات, فحُكم على هذه الأحاديث بحكم ما: صحيح حسن ضعيف موضوع .. الخ), ولكن ظلت هذه الروايات موجودة في كتب التراث! ولا يزال حتى الآن النزاع حول تصحيح وتضعيف رواية أو روايات!

وتجد أحدهم يؤلف كتيباً أو كتابا في تصحيح أو تضعيف رواية معينة!! ويرد فيه على من قال بعكس ما يقول!
وسيستمر الجدال حول تصحيح وتضعيف الروايات طالما أنه لا منهج علمي قاطع في قبول الأحاديث وإنما يعتمد على ترجيحات “علماء الحديث” وموازنات كثيرة –قابلة بشدة للأخذ والرد-!

وبعد هذه المقدمة الطويلة أعود فأقول:
ليس عن هذا التضعيف نتكلم, والذي ظهر بعد وضع كتب الأحاديث بفترة –قد تصل إلى قرون-, وإنما نتكلم عن أول تضعيف حدث في تاريخ الإسلام
ونوضح فنقول:
من المعلوم أنه كان هناك شروط عند علماء الحديث فيمن يأخذون عنهم الأحاديث, ومن أهم هذه الشروط “الشروط العقيدية”, فهم يشترطون فيه أن يكون على عقيدة معينة, فكانوا لا يأخذون الأحاديث مثلا ممن يرون تشيعه تشيعا صريحا! أو ممن يقول بالقدر أو من الخوارج … الخ أصناف أصحاب الأفكار المخالفة للفكر السائد عند أهل السنة! وكما استقر: المبتدع الداعي إلى بدعته لا يؤخذ عنه!!
وبشكلٍ عام فإن علماء الحديث الأوائل لم يكونوا مشغولين بوضع درجات للحديث, وإنما كانوا يقبلون الصحيح, أو حتى ما يرون فيه احتمالية مرتفعة للصحة, بينما ما يرونه مختلقاً أو شديد الضعف كانوا لا يضعونه في كتبهم أصلا! فالعلماء المتأخرون وإن صححوا وضعفوا وحسنوا ووضّعوا, إلا أن الروايات لا تزال موجودة ويمكن الاطلاع عليها ومقارنتها! بينما الأوائل رفضوا هذه الروايات فلم يذكروها أصلاً!

ولم يكن مستند رفض الرواية مجرد كذب واختلاق الرواة, وإنما كان كذلك الخلاف “العقدي السياسي” مستند كبير للاستبعاد! ومن ثم رُفضت روايات المخالفين من الجذور فلم يُرو عنهم أصلاً!

والسؤال الرئيس هنا: هل كانت كل أحاديث هؤلاء الأصناف غير صحيحة؟ ألم يوجد حتماً عند هؤلاء أحاديث صحيحة ضُيعت فلم تُسجل أصلا؟!

ولا نقصد بالأحاديث أقوال الرسول فقط, وإنما أقوال الرسول وأقوال منسوبة إلى الصحابة وإلى التابعين.
إن افتراض أن علماء الحديث كانوا غير متحيزين افتراض مثالي وهمي! فلا يقتصر الأمر على رفض روايات المخالف أو الخوف من الحاكم, وإنما كذلك قناعاتهم الشخصية!

فهناك آراء كانت قد ظاهرت وسادت وانتشرت! ثم يجد هؤلاء روايات –وربما هناك ثمة إشكاليات ما في سندها لديهم- تخالف تماما هذا المألوف المشهور! فلذلك استبعدوها فلم يعملوا على ذكرها أصلاً!!

والدليل على هذا أننا نجد بعض الروايات التي ذُكرت على استحياء في بعض كتب الحديث المتأخرة, والتي تُصنف عادة على أنها مليئة بالموضوعات, هذه الروايات لم يجر لها أي ذكر في كتب الحديث المتقدمة

ولولا ذكرها في هذه الكتب المتأخرة لما عرفنا بها أصلاً, ولأصبح الرأي المشهور هو الرأي الوحيد المذكور, ولما عرفنا بوجود آراء أخرى في المسألة!! (مثلاً المشهور أن أول سورة نزلت من القرآن: العلق! وهناك رواية يتيمة تقول بخلاف ذلك ويُعلق الجامع عليها بقوله: أنها مخالف للمعروف المستقر عليه!!)

نعم, غالباً ما يُنظر إليها باعتبارها قول شاذ ولا يُلتفت إليها! ولكن بالنسبة لكثيرٍ من المسلمين, يكفي وجود رواية ما بشكل ما في كتب الروايات حول مسألة ما, حتى يُتقبل النقاش معك بشأن هذه المسألة! غير ذلك لا يُعتد بما تكتب أصلا!!

والسؤال هنا: ألم يكن من الممكن أن هذه الأحاديث كانت لتشكل تغييرا في منظومة “الأحكام/ الفقه” ومنظومة “العقيدة” .. بل وكذلك: منظومة أصول الفقه! والمنظومة الأخلاقية؟! وكذلك التصور التاريخي لمرحلة الصحابة وما بعدهم! (والتي غالباً ما سُكت عن تفاصيل معينة فيها, واكتُفي بتقديم المعروف المشهور لنا حاليا! لتقديم تصورٍ ومنظور بعينه للتاريخ وللأحداث)

أليس من الأكيد أنها كانت ستحدث فارقاً أم أن وجودها حتما كعدمه وبالتأكيد كانت فاسدة كلها؟!! فإذا كان البخاري قد تقبل من ستمائة ألف رواية كانت متداولة في عصره حوالي ثمان آلاف رواية –بالمكرر-, وإذا كان من بعده قد تقبلوا مما ترك لنقل الضعف أو حتى الضعفين!

يظل التساؤل ملحاً: أليست هناك احتمالية لوجود ألف رواية فقط صحيحة تم استبعادها مما يزيد عن خمسمائة وخمسين ألف رواية تقول بخلاف المشهور حالياً؟!!

أعرف أن الرقم صادم للقارئ ولكن أذكرك عزيزي القارئ أن هناك مدونات حديثية موجودة عند غير أهل السنة تقول بخلاف ما تقول به روايات أهل السنة!! فالإباضية مثلاً لديهم “مسند الربيع بن حبيب”, والشيعة لديهم كتبهم كذلك!

نعم أعلم أن علماء أهل السنة يضعفون هذه الكتب, ولكن الرسول لم يضع أصلاً معياراً لقبول حديث عنه ورفض غيره! (والمعيار الوحيد المذكور في الروايات بعرض الحديث على القرآن مرفوض لأن الروايات هذه ضعيفة!), ومن ثم فستظل هناك احتمالية لصحة ما جاء في هذه الروايات عند غير أهل السنة!! (وتبقى نفس الإشكالية بدرجة مع الروايات المضعفة عند أهل السنة كذلك, فاحتمالية صحتها لا يمكن إلغاءها!!)

الشاهد أن هناك الكثير والكثير من المسكوت عنه في تراثنا وتاريخنا, والذي لو حُكي لاختلف الحال كثيراً! وأن ما نعرف هو الذي أُريد لنا أن نعرف وبالشكل الذي أريد أن يُقدم به!

ولنتذكر أن أشهر ما كُتب بشأن سيرة الرسول –سيرة ابن هشام-, هي سيرة “الرسول المقاتل”, والتي اختزلت جوانب كثيرة من حياة الرسول والإسلام وركزت على الغزوات والمعارك, بينما لم تركز –مثلاً وبكل عجب!!- على انتشار الإسلام وعلى الانتصارات الجدالية العقلانية, وإنما على المعارك الحربية!

وهكذا عرفنا الرسول الرحيم من زاوية ما بشكلٍ ما, -لا نزعم بحال أن جله غير صحيح- ولكن هناك من المسكوت في حياة وأفعال الرسول والذي لو قُدّم لنا الرسول من خلاله لاختلف منظورنا إليه وإلى الدين وإلى تاريخ البعثة كلية!!

المشكلة أننا نكرر دوماً أن التاريخ يكتبه المنتصر –وهو ما فعله أهل السنة- ولكننا لا نجرؤ على النظر إلى تاريخنا “الإسلامي” بهذه العين الناقدة!!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

مناقشة كتاب عقائد الإسلاميين جزء ٢

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.