الأنثى .. إنسان!

الأنثى …. إنسان!
وما الجديد في هذا؟!! كلنا نعرف أن الأنثى .. إنسان! هل قال أحد أن الأنثى حيوان .. أو جان؟!
نقول: نعم, نحن نعلم هذا .. نظرياً! ولكننا لا نؤمن به! ولا نفهم مدلوله تحديداً! فتصورنا لكون المرأة إنساناً هو الاعتراض المذكور بأعلى .. أنها ليست .. حيوانا!!

والمشكلة الكبرى أننا نحن معشر الرجال –وكذلك أصبح كثيرٌ من النساء تبعاً للثقافة السائدة في مجتمعاتنا العربية القاتلة!- لا نرى الأنثى إنساناً مثلنا له مشاعر وأحاسيس وكيان وطموحات ورغبات وذات مستقلة! –رغما عن أن الأنثى أكثر إنسانية من الرجل, إذا نحن فاضلنا بينهما في هذا الجانب- وإنما أصبحنا نراها أشياءً وأجزاء وأسماءً .. فقط!!

فأكثرنا يرى المرأة جسداً .. فقط! علينا أن نستمتع به!

ويظن أن المرأة أقصد ذلك الجسد المتحرك يتنقل أمامنا ليعرض “بضاعته” لنا, لتمتد أيدينا فتأخذ منه ما تشاء!!
هكذا يظن الرجال أن المرأة/ الجسد تفكر!

ولذلك إذا حدث واحتكت ساق أنثى بالجالس بجوارها في مواصلة عامة مثلاً فإنه سرعان ما يفكر أن هذا الاحتكاك عمدي .. وأن هذا الجسد يناديه … يريده أن يلمسه .. أو يفترسه!

وإذا رأى أنثى جميلة/ جسدا جميلاً تتحرك أمامه فقد يلقي على مسامعه بعض الكلمات البذيئة أو النابية … وربما تمتد يده لتلمس أجزاءً من جسدها أو يحاول الاحتكاك بها!!

ولا يلقي بالا للآثار التي ستحدثها هذه اللمسة أو تلك القبضة على تلك الأنثى المسكينة .. ذلك الكائن الرقيق .. الحساس! ما هو شعورها طيلة الطريق حتى تعود إلى منزلها؟ كيف انتفض جسدها وارتعش وإلى أي حد ظل مرتجفا؟ ما هو شعورها بعد عودتها إلى منزلها؟ كيف ستتعامل في حياتها بعد ذلك مع الآخرين .. ومع الرجال تحديداً .. كيف ستنظر إليهم وإلى المجتمع عامة؟!

كل هذا لا يخطر بباله! كل ما يخطر بباله أنه أشبع بعضاً من جوعه إلى ذلك الجسد المتحرك!!

ولا يقتصر الأمر على تلك الفئة من … البشر! الذين قد يرى كثيرون أنهم لا ينتمون إليهم! فكثيرين من “المتعلمين أولاد المدارس” لا يختلف الحال كذلك لديه .. ولكن ليس مع أي جسد متحرك! وإنما مع تلك المرأة التي ستصبح زوجا له! فلا يختلف منظوره لها عن منظور الآخرين, سوى في أنه لم يفعل هذا إما لعدم جرأة أو لأنه يراه حراماً!

ولكن ما أن يختلي بزوجه في أول ليلة لهما سوياً حتى يأتي بأفظع مما أتى به الآخرون غير متحرج! فهي زوجته .. حلاله! ومن ثم يجوز له أن يفعل “فيها” ما يشاء!

فنجد بعضهم لا يتقبل خجل وحياء واضطراب زوجته .. والتي قد ترفض أن تغير ثيابها أمامه, أو التي لا تستطيع أن تتجاوب مع مداعباته! لأنها أول مرة تمر فيها بهذه التجربة مع رجل … هو حتى هذه اللحظة غريب بالنسبة لها! فيتعصب ذلك “المتعلم” على زوجته وربما يتركها أو يغلظ لها الكلام أو يضربها! أو .. يقدم على المصيبة الكبرى فيمارس معها الجنس إجباراً! ولا يهتم للآثار الكارثية التي تترتب على هذا طيلة حياتهم!

فالمرأة لا تنسى له هذا أبداً .. وكما يقال: الانطباعات الأولى تدوم! فإذا كانت بهذا السوء فإنها تشرخ في العلاقة بين الزوجة والزوجة شرخاً كبيراً يصعب جدا ترميمه!!

ولا يقتصر الأمر على رؤية المرأة جسداً وإنما يتعداه إلى اعتبارها كائنا بلا شخصية! وقديما وحديثاً لا نزال نسمع عن أولئك الذين يتفاخرون بأن بناتهم لا رأي لهن في مسألة الزواج!! وعن أولئك الذين يسمعون ويتكلمون مع أبناءهم الذكور والذين قد يراجعونهم في أوامرهم! بينما يختلف الحال مع الابنة! فإذا أمر الأب فلا بد أن يُطاع!

وكذلك الحال مع الزوجة! فأكثرنا يظن أن ذلك الكائن المسمى بالأنثى كائن “مبرمج”!! ما أن تصبح زوجة عليها أن تتحول 180 درجة! فتقوم بأدوار الزوجة تلقائياً! وليس عليها أن تتبرم أو تعترض!! ويتضايق كثيراً أن تكون زوجته لا تحسن الطهو … وربما يسخر منها أو يعنفها على “العك اللي طبخته”!!!

وينسى هؤلاء أن زوجته هذه –مثلها مثل أخته التي كانت تعيش معه في بيته- كانت ابنة مرفهة في بيت أبيها, تعد لها وللأسرة كلها الأمُ الإفطار وتغسل لها ثيابها وتتولى أكثر أمور حياتها, بينما الفتاة متفرغة لدراستها ولا تحمل إلا مسؤوليات بسيطة, فقد تساعد في “أعمال المنزل” ولكنها لا تتحملها كلها!!

ينسى هؤلاء الذكور أن هذه الأنثى بحاجة إلى “فترة انتقالية”!! حتى تتحول من دور “الفتاة المحمولة” إلى “الزوجة الحاملة” للمسئولية .. حتى تتغير نفسيتها .. وتقتنع بدورها الجديد! فليس كارثة أنها تأخرت في النوم ولم تقم لإعداد طعام الإفطار, أو أن “سي السيد” عاد من العمل فلم يجد الطعام قد انتهى!!

كما يضيق الرجال بطلبات النساء, مثل مطالبتهن بالخروج للتنزه أو لزيارة صديقاتهن أو لشراء بعض الزينات للمنزل أو للمرأة نفسها أو لممارسة الرياضة .. الخ! ويرونها “تفاهات” أو “تمحكات” أو رفاهيات ليس لها فائدة! وكأن هذه المرأة “ماكينة خدمة” ليس أكثر ليس لها أن تطالب بحقوق, يُفترض فيها أن تعمل على تنظيف المنزل وإعداد الطعام .. ثم تتوقف صامتة كالإنسان الآلي الذي فرغت بطارياته في أي ركن من أركان المنزل حتى يبدأ يوم جديد فتعود للعمل من جديد … وهكذا!!

ورغماً عن أن المرأة إذا صمتت وتحولت إلى ذلك “الإنسان الآلي” يملها الرجل ويشكو من إهمالها لنفسها وله! ويأخذ في البحث عن امرأة أخرى … أقصد إنسان آلي آخر!!!

إن المرأة “كائن جمالي” كما أن الرجل “كائن عملي”, وما يراه الرجل رفاهيات وكماليات هي صلب الحياة عند المرأة! ولكل جنس من الجنسين خلق الله عيناً مناسبة لطبعه, يرى بها الأمور ويحكم عليها! ومن ثم فليست عين الرجل أفضل من عين المرأة!!

وكذلك الحال مع كثيرٍ من “الذكور” الذين لا يرون المرأة إلا من زاوية واحدة, فيضيقون بمنافسة “الأنثى” لهم في الدراسة أو العمل! ويتساءلون ماذا تفعل الفتاة/المرأة هنا؟ أو ليس يُفترض أنها ستكون في نهاية المطاف “زوجة وأم”, فلماذا المزاحمة؟!

نعم هذا هو الدور الرئيس لهن .. ولكنه لا يلغي باقي جوانبها الإنسانية! فلا يجوز ولا ينبغي أن نعطل أو نقلل من شأن باقي الأدوار والجوانب من أجل جانب واحد!

ومثل هذه المناظير القاصرة المحدودة أحادية الزاوية كثيرٌ منتشر في مجتمعاتنا, وطالما أننا مصرون على تسطيح المرأة وفهمها ك “دور” أو ك “جزء” فسنظل نحن –قبل الأنثى- نعاني!

بينما سيختلف الحال كثيراً عندما نؤمن أن المرأة إنسان –مثلنا- متعدد الأدوار والجوانب والطموحات, وأننا بالاعتراف بهذه التطلعات وتلبيتها –وليس كبتها وتجاهلها وإنكارها- سنريح ونستريح! ستتغير قلوبنا .. ومجتمعاتنا كثيراً … ستصبح قلوباً ومجتمعات .. أنقى … وأسعد!

سنصبح أكثر انسجاماً مع .. وفطرتنا .. وأقرب إلى ربنا! فهو سبحانه جل وعلا لا يرضى بالظلم .. وحتماً لا يفضل الرجال على النساء! فكلاهما عنده سواء .. بعضهم من بعض!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

اجتهاد جديد غير مسبوق حول صدقة الفطر

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد وسلام على عباده الذين اصطفى، ثم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.