“أنا بضربه علشان يطلع إنسان كويس”
“اكسر للبنت ضلع يطلعها أربعة وعشرين”
“احنا ما كناش نقدر لا لأبونا ولا نقدر نرفع عينينا فيه”
جمل سمعناها كثيراً من آباءنا وأمهاتنا ونحن صغار, وكنا جد متضايقين منها, ولكن وبكل عجب أصبح منا من يرددها ويتبنى نفس المنطق, ويريد من أبناءه نفس الشيء, فلا يريدهم أن يعترضوا على أي أمر يوجهه لهم!
فإن حدث وخالف الطفل ما أمره به, لأسباب عدة, ربما لأنه نسى, أو لأنه ضعف أمام إغراء أمر آخر! أو لأنه لم يستطع تنفيذ ما طُلب منه أو لم يفهم ما المطلوب بالضبط, فإن الأب أو الأم سرعان ما ينهال عليه ضربا (غالباً ما يكون مصحوباً بالسباب المهين مثل: يا غبي, يا حمار, يا كلب/ة … الخ)!
فإن حدث ولام الأبَ أو الأمَ شخصٌ ما على هذا العقاب البدني الكبير, أسرع إلى التبرير بالمبررات السابقة! زاعما أن ما يفعله هو تربية للطفل!
والمشكلة أن كثيراً من الآباء أو الأمهات لا يكون ضربهم لأبنائهم تربية بالمقام الأول, بقدر ما تكون تفريغاً لكبت, فالأم مثلة “متعصبة أو متضايقة” من عمل البيت أو من زوجها الذي أساء إليها! والأب مثلاً “مخنوق” مثلا من ضغط العمل ومن مديره, الذي لا يستطيع أن يرد كلامه,
وعندما يخالف الطفل الأمر, يقوم الوالدان بتفريغ غضبهما فيه, فينهالا على المسكين ضربا! والذي يتعجب لماذا كل هذا العقاب على أمر بسيط أو على ما لا يستطيع فعله!!
وكذلك يكون العقاب البدني أحياناً انتصاراً للذات!
فالأب أو الأم يرى أن ابنه لا ينبغي أن يرد عليه, -أو لم يستجب سيدنا إسماعيل لسيدنا إبراهيم عندما قال له إني أريد أن أذبحك!!- وعندما يرد الابن عليه, وربما يبين خطأ قوله, أو يعلن أنه لا يريد هذا! فينفعل الأب أو الأم لأنه لم يستطع إقناع ابنه بالحجة والمنطق,
وهنا ينسى أنه أمام طفل لا يزال في مرحلة تكون الذات واكتشاف العالم, ويبدأ في التعامل مع الطفل باعتباره نداً له! ومن ثم يسارع إلى ضربه ليجبره على فعل ما يريد! وفي مثل هذه الحالات نسمع من الوالدين مفردات مثل: “يالله يا خوي/ ياختي, ورينا يا شملول” وما شابه من التعبيرات, التي تبين الدافع الحقيق للعقاب, وكيف ينظر الوالدين لابنهما باعتباره نداً لهما وليس كائناً بحاجة إلى نصح وتوجيه وإرشاد.
والسباب هو خير برهان على أن فعل الأب أو الأم ليس تربية, لأنه لا يصدر إلا عن انفعال من الوالدين ورغبة في إهانة الطرف الآخر, وعلامة على سوء أخلاق الوالد/ين, -فهما لا يستطيعان الصبر على ابنهما أو على الأقل إمساك لسانهما عن سبّه وشتمه لأمر ما- فليس هناك أي مبرر عقلي أو ديني أو اجتماعي للسباب, يجعله من التربية!! وليس له إلا آثار سلبية!
وأحيانا لا يكون العقاب لهذا أو ذاك, وإنما –وبكل أسف- عن قناعة من الوالدين أنه لا يصلح مع الأبناء –ولا يصلحهم- إلا العقاب البدني القاسي, فهذا ما سيُقوم سلوكهم ويصلح فعلهم-, وإذا قيل لهم أن هذا العقاب يشوه شخصية الطفل, بل وقد يمحوها تماماً, نجد الرد الجاهز المعلب: “ما احنا أهالينا كانت بتضربنا, واحنا زي الفل أهه”!
وينسى هؤلاء الآباء أنهم “مش زي الفل ولا حاجة” غالباً, وأنهم غالباً لم يحققوا النجاح المرجو في حياتهم, وينسى هؤلاء الذين يعاقبون أبناءهم كم كانوا –وهو أطفال- يكرهون آباءهم, أو على أقل تقدير لم تكن هناك مشاعر حب تجاه ذلك الطرف الذي يعاقب دوما وهناك دوماً مشاعر خوف وعدم الرغبة في وجود ذلك المعاقِب, بينما كانت مشاعر الحب موجهة للطرف الآخر الذي يحنو ويسامح ويغفر ويشجع ويوجه ويعطي ويُكرم.
ولا يعني هذا أننا ندعو إلى عدم معاقبة الأطفال, أو القول بأن عقاب الأطفال يعني أنهم سيكرهون والديهم, فالطفل نفسه يعرف جيداً أنه في حالات كثيرة يكون مخطئاً ويستحق العقاب, وعندما يعاقب على خطئه لا يحمل في صدره أي ضغينة لوالديه, ولكن الاعتراض على “كمّ وكيف” العقاب على الأخطاء, فغالباً ما يكون العقاب كبيراً وقاسياً على أمر صغير!
وكذلك الاعتراض على العقاب التعسفي على ما لم يخطأ الطفل فيه لمجرد عدم استجابة الطفل للأوامر سريعا, أو على ما لم يُعرف الطفل مسبقا –بشكل متكرر- بأنه خطأ, فلا يكفي أن آمر الطفل/ة مرة بفعل كذا أو أعرفه/ا أن كذا جيد وعليه/ا فعله, أو أن كذا سيئ وعليه تركه, فإن خالف أسارع إلى عقابه! وإنما علينا أن نأمر وننهى مرات عديدة عن الفعل, مع تعريف بعواقب فعل هذا الشيء.
فإن حدث وأصر الطفل على فعله, يبدأ العقاب ولكن بالتدريج, فلا ينبغي بحال أول عقاب على فعل خاطئ كرر فعله بعد عدة تنبيهات, كعقابه عليه في المرة الخامسة بعد العقاب.
وكذلك الاعتراض على النوعية, فالعقاب البدني “وأد” لشخصية الطفل في مهدها
وهناك العديد من العقوبات التي يمكن إنزالها بالطفل, والتي لا يكون لها ذلك الأثر المدمر, وتجبر الطفل على تنفيذ ما يراد منه, فهناك مثلاً التهديد بإغلاق جهاز التلفاز أو منع اللعبة المفضلة, أو التهديد ب “الخصام” وعدم المحادثة معه, أو بمنع المصروف أم ممارسة الرياضة المفضلة.
بل وهناك عقوبات جيدة مفيدة للطفل, مثل “العقاب الرياضي”, بأن يعاقب الطفل مثلاً على فعل معين برفع يديه مستقيمة وإنزالها مرات عديدة, أو يعاقب برفعها فوق رأسه لفترة زمنية, أو بالجلوس في وضع القرفصاء, أو ما شابه من الحركات الرياضية, التي ستقوي عضلاته وتصيبه بالألم –الخفيف-, ولكنها في عين الوقت لن تهدر كرامته وتضيع شخصيته.
إن النقطة التي يغفل عنها كثير من الآباء هي أن أكثر الأطفال “المؤدبين المتفوقين دراسياً” هم أطفال خجولون بل وربما ضعاف الشخصية أو على أقل تقدير غير ذوي خبرة بالحياة, بينما “الفاشلون دراسيا” أقوياء الشخصية وربما ناجحون في الحياة العملية وأقدر على مواجهة الحياة!
وهذا خلل كبير في عملية التربية, فكل توجيهنا في تربيتنا لأبنائنا هو لجانب واحد من جوانب الحياة: “التفوق الدراسي”, وكم من الصفعات تلقاها الأبناء أثناء استذكار والديهم لهم, ونجحت الصفعات في إخراج تلميذ ناجح … وإنسان ضعيف … متردد .. مهزوز .. أو مدمر حقود!
ولا يقتصر الأمر على العقاب للدراسة, وإنما يتعداه كذلك وبكل عجب إلى العقاب على الطعام, وربما يكون النصيب الأكبر من العقاب الذي يتلقاه الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة من أجل الطعام,
فالأم المصرية تنظر إلى الطعام باعتباره “غذاء مقدس” لا بد من إيصاله للطفل بأي حال وبأي طريقة, حتى ينشأ صحيح البدن وافر العافية!!
ومن أجل هذا ينال الطفل الكثير من الصفعات واللكمات ويسمع الكثير من الصراخ وربما السباب, والذي ينشئه منذ صغره إما جباناً أو عصبيا!! فلكي نجعل الجسد صحيحاً نجعل النفس مريضة ضعيفة!
ويقيناً فإن الحياة مدرسة والغذاء الصحي مهم, ولكنها ليست فقط “المدرسة”! فالتعليم جانب من الحياة نحب أن نجعل أبناءنا ناجحين فيه, إلا أنه علينا في عين الوقت أن نجعلهم “أشخاصا طبيعيين” يتعاملون في حياتهم الإنسانية بشكل عادي, قادرون على مواجهة قضايا ومصاعب الحياة! فلا نضيع جوانب عديدة لجانب واحد!
نريد الخروج من ثنائية: ناجح مدرسيا فاشل حياتيا, فاشل مدرسيا قوي الشخصية!, بإنشاء إنسان سليم قويم, نريد أن نعي جيداً أن تربيتنا لأبنائنا هي لمصلحتهم هم,
ومن ثم فينبغي أن يكون الأصل هو التوجيه والإرشاد, وأن يكون العقاب هو الاستثناء! وأن يكون الاستثناء بقدره, لا أن يكون شعارنا –الذي لا نقوله بألسنتنا ونطبقه بأفعالنا-:
أنا بمسح بكرامته الأرض علشان يبقى إنسان كويس!
شاهد أيضاً
تقديم المبصر
“-من فضلك ارتد هذه “العوينات/ النضارة” لترى جيدا!يا أستاذ .. اسمعني .. أجبني! لماذا؟ من …