رؤية الله

على الرغم من أن هذه المسألة ليست من المسائل الرئيسة في العقيدة مثل مسألة خلود المسلم مرتكب الكبيرة في النار, ولا تقدم قليلا أو كثيرا في سلوك الإنسان المسلم , أو في التصور العام لعقيدة الإنسان , إلا أنا وجدنا بعض العلماء يقولون بتكفير من ينكر رؤية الله عزوجل في الآخرة ولا يُجوّز الصلاة خلفهم . وأعجب جدا من مسلكهم هذا في هذه المسألة , فالمسألة من فرعيات العقيدة , وأدلة كل فريق من الفريقين لا تصل بأي حال من الأحوال إلى درجة تكفير المخالف , فلكل أدلته التي يستند عليها في دعواه .

وحتى يعلم القارئ إلى أي مدى من الممكن أن يصل التطرف في أمور قد يكون الإنسان نفسه هو المخطأ فيها , نعرض للقارئ أدلة كل فريق من الفريقين , مطيلين النفس فيها بعض الشيء حتى يعلم القارئ كيف أن كثيرا من دعاوى التكفير – إن لم تكن كلها – لا أساس لها !

ما هي الأقوال الواردة في مسألة رؤية الله عزوجل ؟
قبل الحديث عن هذه المسألة لا بد أن نعرف القارئ أنه يكاد لا يكون هناك خلاف بين المسلمين – باستثناء الصوفية !- بأن الله لا يرى ولم يره أحد في الدنيا , وإنما الخلاف كل الخلاف في رؤيته عزوجل في الآخرة , فهل سيراه الناس أو المؤمنون فقط ؟ أم لن يراه أحد مطلقا , مؤمنا كان أو منافقا أو فاسقا أو كافرا ؟

اختلف في هذه المسألة – كالعادة – في داخل مذهب أهل السنة , فقيل يراه المؤمنون فقط , وقيل كل أهل المحشر وقيل المنافقون فقط 
ويعلق الإمام بن القيم حول هذه المسألة قائلا : “فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن المنافقين يرونه تعالى يوم القيامة ، بل والكفار أيضا كما في حديث التجلي يوم القيامة ، ثم قال : وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل السنة :
أحدها : أن لا يراه إلاً المؤمنون.
والثاني : يراه جميع أهـل الموقف مؤمنهم وكافرهم ، ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك.

والثالث : يراه المنافقـون دون الكفار ، والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وهي لأصحابه .
إذا فهناك خلاف بين أهل السنة حول من يرى الله عزوجل , ولكن من هم المنكرون لرؤية الله عزوجل مطلقا ؟
يعدد فضيلة الشيخ الخليلي القائلين بهذا الرأي قائلا: ” وذهب إلى استحالتها في الدنيا والآخرة أصحابنا – الإباضية – وهو قول المعتزلة والجهمية والزيدية والإمامية من الشيعة ،

وبه قال جماعة من المتكلمين المتحررين من أسر التقليد كالإمام الجصاص في “أحكام القرآن” ، وجنح إليه الإمام الغزالي في بعض كتبه ، بل صرح به في بعضها ، وهو الثابت عندنا عن سلف هذه الأمة ، فقد رواه الإمام الربيع رحمه الله عن أفلح ابن محمد عن أبى معمر السعدي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ورواه عن جبير عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ،

ورواه عنه من طريق أبي نعيم عن العباس أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن نافع بن الأزرق ، ورواه أيضا عن عائشة رضي الله عنها ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، ومكحول الدمشقي ، وعطاء بن يسار وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم ، وأبي صالح صاحب التفسير، وعكرمة ومحمد بن كعب ، وابن شهاب الزهري ومحمد بن المنكدر ،
وهو مقتضى ما رواه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قول موسى عليه السلام : ” وأنا أول المؤمنين ” أنه لا يراك أحد ، وما رواه عن السدي أنه قال في قوله تعالى : ” لا تدركه الأبصار” لا يراه شيء وهو يرى الخلائق ، وستأتيك إن شاء الله رواية عبد بن حميد وابن جرير له عن مجاهد ، ورواية ابن مردويه له عن ابن عمر رضي الله عنهما وعن عكرمة 

ورواية ابن جرير وعبد بن حميد أيضا له عن أبى صالح، ونسبه ابن حزم أيضا إلى مجاهد وتعذر له في ذلك بأن الخبر لم يبلغ إليه وعزاه أيضاً إلى الحسن البصري وعكرمة.”
وقبل أن نخوض في هذه المسألة نتوقف لنظرح سؤالا, وهو :

هل من الممكن عقلا أن يُرى الله ؟
ويعلق الشيخ حعفر سبحاني – شيعي إمامي – حول هذا السؤال قائلا:
” إن الرؤية في منطق العلم والعقل لا تتحقق إلا إذا كان الشيء مقابلا أو حالا في المقابل , من غير فرق بين تفسيرها حسب رأي القدماء أو حسب العلم الحديث ، فإن القدماء كانوا يفسرون الرؤية على النحو التالي : خروج الشعاع من العين وسقوطه على الأشياء ثم انعكاسه عن الأشياء ورجوعه إلى العين لكي تتحقق الرؤية , ولكن العلم الحديث كشف بطلان هذا التفسير وقال : إنها صدور الأشعة من الأشياء ودخولها إلى العين عن طريق عدستها وسقوطها على شبكية العين فتحقق الرؤية . وعلى كل تقدير فالضرورة قاضية على أن الإبصار بالعين متوقف على حصول المقابلة بين العين والمرئي أو حكم المقابلة ، كما في رؤية الصور في. المرآة ”

. وبشيء من التفصيل يذكر الشيخ الخليلي الشروط الواجبة في الرؤية فيقول: “الرؤية البصرية المعهودة هي انطباع صورة المرئي في حدقة الرائي بقوة الذبذبات الضوئية الملتقطة للصور ، ولها شروط :
أولها : سلامة الحاسة .
ثانيها : أن يكـون المرئي جائز الرؤية فيخرج بذلك ما كان ممتنعها كالروح والعقل والروائح والأصوات .
ثالثها : مقابلته للباصرة في جهة من الجهات أو انعكاس صورته في شيء مقابل للرائي ، وتدخل في ذلك الصور المرئية في المرايا أو الشاشات.
رابعها : أن لا يكون دقيقا جدا كالميكروبات التي تعجز الأبصار عن التقاط صورها وإدراك حقيقتها ، وذلك يختلف باختلاف حالة البصر قوةً وضعفا.
خامسها : أن لا يكون في منتهى اللطافة كالنسيم .
سادسها : أن لا يكون قريبا جداً فان الالتصاق بالأبصار يحجبها عن الرؤية ، ولذلك تحجب الأجفان الأحداق عن رؤيتها .
سابعها : عدم غاية البعد ، فإن البعيد جدا يضعف البصر عن رؤيته ، ولذلك تخفى عن أبصارنا الأجرام السماوية الضخمة لإيغالها في البعد . وتختلف الحالة في هذا الشرط باختلاف الأبصار قوة وضعفا واختلاف المبصرات صغرا وكبرا.
ثامنها : عدم الحجاب الحائل وهو الجسم الكثيف أو ما في حكمه كالضباب المتراكم.
تاسعها : أن يكون مضيئا بنفسه أو واقعا عليه ضوء غيره . وقد اعترض على هذا الاستدلال بأن هذه الشروط إنما هي في رؤية الشاهد ، ولا يجوز أن تحمل عليها رؤية الغائب .
وأجيب بأن الرؤية المعهودة عند الناس هي هذه ، ولا فرق في ذلك بين الشاهد والغائب ، على أن مثبتي الرؤية أنفسهم قاسوا الغائب على الشاهد في باب الصفات ، فما بالهم يفرُّون هنا مما لجأوا.”

ونظرا لأن كل هذا غير جائز أو مقبول عقلا مع الله عزوجل , ظهرت بعض المحاولات والتفسيرات التي تبرر الرؤية بأي شكل كانت , ومن ذلك ما ذكره الشيخ جعفر سبحاني , معلقا على هذه الجهود , حيث ذكر التبريرات اللامنطقية و اللاعقلية لعقلنة الرؤية !! :

“محاولات تجويز الرؤية :
1 – الرؤية بلا كيف : هذا العنوان هو الذي يجده القارئ في كتب الأشاعرة ، وربما يعبر عنه خصومهم بالبلكفة ، ومعناه أن الله تعالى يرى بلا كيف وأن المؤمنين في الجنة يرونه بلا كيف ، أي منزها عن المقابلة والجهة والمكان (……..)


2 – اختلاف الأحكام باختلاف الظروف : إن بعض المثقفين من الجدد لما أدركوا بعقولهم أن الرؤية لا تنفك عن الجهة التجأوا إلى القول بأن كل شيء في الآخرة غيره في الدنيا ، ولعل الرؤية تتحقق في الآخرة بلا هذا اللازم السلبي .

3 – عدم الاكتراث بإثبات الجهة : إن أساتذة الجامعات الإسلامية في الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة بدلا من أن يجهدوا أنفسهم في فهم المعارف ويتجردوا في مقام التحليل عن الآراء المسبقة ، نراهم يقدمون لشباب الجامعات وخريجيها دعما ماليا وفكريا لمواصلة البحوث حول الرؤية في محاولة لإثباتها وإثبات الجهة لله تعالى .

وبعد أن تكلمنا عن الجانب العقلي لرؤية الله عزوجل , نبدأ في عرض أدلة المثبتين والنافين للرؤية ليرئ القارئ بنفسه من أعلى حجة وبرهانا , ومن هو المتخبط في هذه المسألة .

وقبل أن نبدأ في عرض الأدلة ننبه القارئ إلى قاعدة هامة أصّلنا لها في أول الكتاب وهي اشتراط وضوح وصراحة العقيدة في كتاب الله , وسنذكر للقارئ هنا أقوال العلماء في مسألة الرؤية والرد عليها , ثم الرد على الرد والاستدلال بما قاله فلان ورواه علان في الرد على الرد على الرد! .

وسيلاحظ القارئ أنه لو احترم منطوق القرآن وتم مناقشة الروايات والأقوال على هذا الأساس لانتهى الأمر من بابه بدون طول جدال , ولكن كل الفرق قبلت التنازل بعض الشيء عن منطوق القرآن , فرأينا تلك المناقشات والمجادلات الكلامية التي يصعب على أي فريق أن يثبت أنه أنهى حجة خصمه 

ونحن نرى أن كل فريق مقتنع أنه حاج خصمه فهزمه !لأن كل فرقة تنظر إلى أدلتها العقلية من زويتها هي وتركت النصوص القرآنية القاطعة البينة , ونبدأ الآن في ذكر ما عرضه الشيخ الخليلي حول هذه المسألة , حيث يقوم الشيخ الخليلي بعرض أدلة المخالف والرد عليها

(هذا الموضوع منقول من كتابي: عقائد الإسلاميين)

_______________________
أحمد بن حمد الخليلي , الحق الدامغ.
جعفر سبحاني , رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل .
أحمد بن حمد الخليلي , الحق الدامغ .

الرد على أدلة القائلين بالرؤية :
” وأما النقلي فبعضه من الكتاب وبعضه من السنة ، أما من الكتاب فدليلان:
سؤال موسى الكليم عليه السلام الرؤية بقوله: “ربّ أرني أنظر إليك” ، ووجه استدلالهم به أنه إما أن يكون ناشئا عن جهل وهو مستحيل لاستحالة أن يجهل الأنبياء ما يستحيل عليه تعالى وهم أعرف بالله وبكبريائه ، وما يجب له وما يستحيل عليه ، وإما أن يكون مقترنا بعلمه – عليه السلام – أنها مستحيلة وهو باطل أيضا ، لأن طلب المحال عمدا ليس من شأن الأبرار فضلا عن جوازه على النبيين ، وإنما هو من شأن أهل العتو والشقاق ، فنتج عن ذلك أنها جائزة عليه تعالى وأن موسى عليه السلام عالم بجوازها ، فلذلك اجترأ على سؤالها.

وأجيب بأنه عليه السلام كان عارفا باستحالتها ولم يرد بسؤالها نيل المستحيل ، وإنما أراد ردع قومه الذين لجوا في طلبها وعلقوا عليها إيمانهم برسالته ، فلعلهم عندما يقرعون بالرد الحاسم باستحالتها يرعوون عن غيهم ويتراجعون عن جرأتهم ، خصوصا عندما يقترن الرد بآية بينة تزجرهم عن مثل هذا التعنت.

واعترض بأن أولئك القوم إن كانوا مؤمنين فبحسبهم جواب موسى لهم باستحالتها ، فإنه الرسول الأمين المقرونة دعوته بآيات بينات لا تدع مجالا للشك في صدق قوله وصحة دعوته ، وإن كانوا كفارا فلن يجديهم جوابهم باستحالتها في هذا الموقف شيئا.


ورُد هذا الاعتراض بأن القوم لم يكونوا على شيء من الإيمان ، وكيف ينطبق وصف الإيمان على الذين قالوا : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)
وإنما أراد عليه السلام أن يقطع دابر شقاقهم ويستأصل شبهة عنادهم بجواب حاسم ، يأتيهم من قبل الله العزيز الحكيم مخالف لوصف خطابه عليه السلام لهم ، يتجلى فيه من الآيات ما يحسم كل شبهة ، ويقضي على كل طمع في مطلبهم المستحيل . ومما يؤكد أن موسى عليه السلام لم يسألها لنفسه وإنما سألها لقومه ، ما تكرر في القرآن من توبيخ الله لهم على هذا السؤال وعدّه من أعظم جرائرهم وأبلغ كفرهم ، كما في قوله سبحانه : ( فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) ، وقوله : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) ، واعتذار موسى إلى ربه بعد الرجفة مما حصل ، عازياً إياه إلى السفهاء حيث قال عليه السلام : (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فأغفر لنا وارحمنا وأنت خـير الغافرين).

واعترض على ذلك بأمرين:
1- أنه عليه السلام لو لم يسألها لنفسه لما تاب من سؤاله
2- أنه لو سألها لغيره لم يضفها إلى نفسه ، ولقال رب أرهم ينظروا إليك ولم يقل رب أرني أنظر إليك !
وجواب الأول أنه عليه السلام سارع إلى التوبة لشعوره بالتورط بما سأل ، وإن كانت له نية حسنة يعلمها الله تعالى ، وإنما المقام يقتضي الاستئذان من الله قبل الإقدام على مثل هذا السؤال.

وعن الثاني بأن إضافتها إلى نفسه دونهم أبلغ في اقتناعهم باستحالتها عندما يعلمون أنه – مع علو مرتبته وصفاء سريرته مما يعلمون أنهم متلوثون به – لا تمكن له الرؤية التي هم ملحون في طلبها ، وإذا تعذرت عليه فهي عليهم أشد تعذرا.

والخلاصة أن موسى عليه السلام ما سأل الرؤية طامعا في حصولها ، وإنما سألها ليكون سؤاله وسيلة من وسائل الإقناع الذي يحرص عليه ، وأسلوبا من أساليب الدعوة التي يقوم بها ، ومثله في ذلك مثل إبراهيم عليه السلام الذي قال عندما رأى الكوكب والقمر والشمس (هذا ربي) ، فإنه بالقطع لم يرد تأليهها ،
فإن العقل السليم لا يستسيغ بحال تأليه المخلوقات ، فكيف بعقول النبيين الذين صنعوا على عين الله ، واصطفاهم الله عز وجل لأن يكونوا وعاءً لهدايته وتجسيدا للحق الذي أرسلهم به “

ونتوقف بعد هذا النموذج للعرض العقدي في كتب العقائد , أخذ ورد وأقوال واستدلالات , وإذا نحن نظرنا إلى منبت كل هذه الاستدلالات لوجدنا أن منبعها هو أن القائلون بجواز الرؤية استدلوا بالآية بشكل معين , فسلم لهم النافون ! ثم أخذ النافون يجادلون في الآية ليخرجوها عن ظاهرها !
ولكن مهما فعلوا فالآية واضحة فيما ذهب إليه النافون لأن أقوال النافين اجتهادات في تفسير ! الآية وليس من منطوق الآية ! ولكن نتوقف لنسأل : هل وجه استدلال المثبتين بالآية من الأساس سليم ؟ السادة العلماء المثبتون انطلقوا من زواية استحالة أن يكون موسى جاهلا باستحالة رؤية الله أو أنه كان عالما وعلى الرغم من ذلك طلب الرؤية ! فهل منطلقهم هذا سليم ؟

هنا نسأل السادة العلماء :
متى كان هذا السؤال ؟ قبل أم بعد التوراة ؟ كان قبلها , بدليل أن الله أعطاه الألواح بعد هذا الموقف . فنسأل مرة أخرى : هل رؤية الله تعالى من المستحيلات العقلية البدهية ؟ بداهة : لا , بدليل أننا رأينا من العلماء! من جوزها ! فما المانع من أن سيدنا موسى قبل أن يؤتيه الله التوراة كان غير عارف بهذه الحقيقة ؟

لا أرى أن هذا يقل من قدر الأنبياء , فقد يغيب عن عقل أي إنسان بعض الحقائق حتى ولو كان نبيا ! هذا من ناحية الاستدلال العقلي مقابل استدلالاتهم , فإذا نحن انتقلنا إلى الآية وجدنا أنها لم تقل أن موسى عليه السلام طلب الرؤية ! ولكنه طلب رفع الحجب حتى يرى الله عزوجل !

فإذا كان العقل البشري يقول باستحالة رؤية الله عزوجل والأنبياء حتما عالمون بهذه الحقيقة , فإنه يقر أيضا أن الله لا يغيب عن خلقه – ليتذكر القارئ قصة سيدنا إبراهيم مع النجوم !- 
فإذا كان الله لا يغيب عن خلقه وهو ظاهر فوق كل ظهور , فلا بد من وجود حجب تمنع الإنسان من أن يرى الله عزوجل , لذلك طلب موسى من الله عزوجل أن يريه لينظر إليه وليس أن يدعه ينظر إليه ! فلو قالت الآية : دعني أنظر إليك , لكانت الآية حجة فيما يقولون , ولكنها قالت : أرني = أعطني القوة والمقدرة لأرى ( أي أنها حالة خاصة أو استثنائية )

فانظر إليك ! فموسى الكليم يعلم أن الله لا يرى في الحالات العادية ولكن ما خطر بباله هو أنه من الممكن أن يُرى في حالات استثنائية , لذلك قال : أرني أنظر إليك !

فهو يطلب مقدرة خاصة لينظر إلى الله تعالى وليس الرؤية مباشرة فعلمه الله تعالى أن الرؤية غير ممكنة حتى ولو أتته الإمكانية لأن المسألة متعلقة بطبيعته هو وبطبيعة الخلق, فعلق له الأمر على مسألة وهي النظر إلى الجبل ليعلمه ما معنى التجل الإلهي , وأن المستحيل يحدث فقط عندما يحدث المستحيل ! فلما كان الجبل لن يستقر بل سيندك حتما فكذلك لن تحصل الرؤية أبدا.

فلما أفاق أعلن موسى عليه السلام أنه تاب من الخاطر الذي جال بخاطره وهو أن الله من الممكن أن يريه نفسه كحالة استثنائية ! – وعلمائنا الأفاضل قالوا أن الله سيرى كحالة استثنائية يوم القيامة ليتغلبوا على معضلة كيف يُرى الله يوم القيامة , ونسوا أو غفلوا أن هذه الآية تنهي وتلغي الطبيعي والاستثنائي .

فانظر عزيزي القارئ كيف أن ترك التدقيق في كتاب الله يدخل المرء في نقاشات لا أول فيها ولا آخر , حيث يرى كل طرف فيها أنه هو الغالب .

ونواصل عرض أقوال الشيخ الخليلي في هذه المسألة , لنر كيف يرد على أدلة أهل السنة في هذه المسألة :
” قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) ، وهو أقوى ما استندوا إليه في هذا الباب ، واعتُرِضوا بأن النظر أعم من الرؤية ، فإنه يكون بمعنى محاولتها ولو لم تتحقق ، لجواز أن يقول قائل : نظرت إلى كذا فلم أره ، مع عدم جواز أن يقول : رأيته فلم أره 

ففي القاموس ما نصَّه : ( نظره كنصره وسمعه ، وإليه نظرا ومنظراً ونظراناً ومنظرة ، وتَنْظَاراً تأمله بعينه ) وفي شرحه للإمام الزبيدي نقلاً عن البصائر ، والنظر أيضاً تقليب البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته ، وقد يراد به التأمل والفحص ، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص ، ثم قال الشارح : ويقال نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أو لم تره…..


وقد شاع النظر بمعنى الانتظار ، كقوله تعالى : (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) ، وقوله : (ما ينظرون إلا صيحة واحدة) وقوله : (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم) ، وعليه يتعين حمل النظر في هذه الآية لوجوه :
1- إبعاد تأويل القرآن عن تعارض بعضه مع بعض ، فإن حمل النظر في الآية على الرؤية يتعارض مع أدلة نفيها القطعية ، وستأتي إن شاء الله .
2- الانسجام المعهود في آي القرآن وارتباط بعضها مع بعض ، وهو لا يكون إلا بتفسير النظر بالانتظار ، فإن الآيات قسّمت الناس يومئذ إلى طائفتين ، إحداهما وجوهها ناضرة ـ أي مبتهجة مشرقة بما ترجوه من ثواب الله ـ إلى ربها ناظرة : أي منتظرة لرحمته ودخول جنته  
والأخرى مباينة لها في أحوالها ، فوجوهها باسرة – أي كالحة مكفهرّة لما تتوقعه من العذاب – تظن أن بفعل بها فاقرة أي تتوقع أن ينزل بها ما يقطع فقار ظهورها ، فَنَضَارَة هذه الوجوه مقَابَل ببسور تلك ، وانتظاره هذه لرحمة الله ودخول جنته مقابَل بتوقع تلك للعذاب 
ولو فسر النظر هنا بالرؤية لتقطع هذا الوصل بين الآيات ، وتفكك رباطها ، وذهب انسجامها ، إذ لا تقابل بين الرؤية وما وصفت به تلك من ظنها أمراً يقطع فقارها ، ومثل هذه النكت البلاغية لا تفوت البلغاء في كلامهم ، منثوره ومنظومه 
فما بالكم بكلام الله تعالى الذي هو أدق في التعبير ، وأبلغ في التصوير ، وأكثر انسجاماً ، وأشد ترابطاً من كل كلام ( وكيف لا وهو كلام الله عزوجل ؟ ) .


3- أن هذا التأويل هو الذي يتفق مع ما في خاتمة عبس ، وهو قوله سبحانه : (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غـبرة ترهقها قترة) ، إذ لا فارق بين ما وصفت به وجوه المؤمنين هنا من الاستبشار ، ووصفت به في آي القيامة من النظر بمعنى الانتظار ، فإن المنتظر للرحمة مستبشر بها والمستبشر منتظر لما استبشر به .

4- أن تقديم المعمول على عامله يؤذن بقصره عليه ، فتقديم ( إلى ربها ) على ( ناظرة ) يؤذن أنها لا تنظر إلا إليه , وهو لا يتفق إلا مع تفسير النظر بالانتظار ، فلو كان المراد به الرؤية لاقتضى أنهم لا يرون شيئاً غيره تعالى مع ما هو معروف عقلاً ونقلاً من رؤية بعضهم لبعض ، ورؤيتهـم لما أعد الله لهم من النعيم .

_____________________________
وردت عند الشيعة الإمامية بعض الروايات عن أئمتهم تحمل هذا المعنى , وبهذا يكون هذا القول هو الفصل عندهم لتعاضد أدلة العقل والنقل عليه
ومما ورد عند الشيعة في هذه المسألة :: قال علي بن محمد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى ( عليهما السلام ) فقال له المأمون : يا ابن رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون ؟ قال : بلى . فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله أن قال له : فما معنى قول الله عز وجل ( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ) كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران ( عليه السلام ) لا يعلم أن الله – تعالى ذكره – لا تجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال ؟
فقال الرضا ( عليه السلام ) : إن كليم الله موسى بن عمران ( عليه السلام ) علم أن الله تعالى عن أن يرى بالأبصار ، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا ، رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمائة ألف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفا ، ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعمائة ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه ، فخرج بهم إلى طور سينا ، فأقامهم في سفح الجبل ، وصعد موسى ( عليه السلام ) إلى الطور وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه ، فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة ، ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة ، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا ، فقال موسى : يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا : إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله إياك ، فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنك لو سألت الله أن يريك أن تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته ، فقال موسى ( عليه السلام ) : يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له ، وإنما يعرف بآياته ويعلم بإعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى ( عليه السلام ) : يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جل جلاله إليه : يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى ( عليه السلام ) : ( وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ( بآية من آياته ) جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ( يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي ) وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ منهم بأنك لا ترى . فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن ، ……..

وأنكر المثبتون تفسير النظر بالانتظار من ثلاثة أوجه:
أولها : أن في الانتظار تنغيصاً يتنافى مع إكرام الله لعباده الأوفياء يوم القيامة
ثانيها : أن انتظار رحمة الله من قبل عباده المؤمنين أمر حاصل في الدنيا ، فكيف يوعدون به في الآخرة .
ثالثها : أن تعدية النظر ” بإلى ” تمنع من حمله على الانتظار ، خصوصاً إذا أسند إلى الوجوه. ” . وبعد أن أنهى الشيخ الخليلي ذكر الأدلة والاعتراضات , أخذ يذكر الأدلة من اللغة على أن ” النظر ” قد يتعدى ب ” إلى ” ويكون بمعنى الانتظار , فقال :
“.فلثبوت مجيء النظر بمعنى الانتظار حال تعديته بإلى النقول الثابتة والشواهد البينة ولا عبرة بمن أنكر ذلك : قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم

فمن النقول المصححة له قول صاحب اللسان : ( ويقول القائل للمؤّمل يرجوه : إنما ننظر إلى الله ثم إليك ، أي إنما أتوقع فضل الله ثم فضلك )

ومن شواهده ما رواه الإمام الربيع رحمه الله عن سفيان بن عيينة عن الأعمش عن أبي راشد أن مولاة لعتبة بن عمير قالت : إنما أنظر إلى الله وإليك ، فقال لها : لا تقولي كذلك ، ولكن قولي : إنما أنظر إلى الله ثم إليك .

وقول جميل بن معمر: وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما

وقول آخر : إني إليك لما وعدت لناظر نظر الفقير إلى الغني الموسر

وقول غيره : كل الخلائق ينظرون سجاله نظر الحجيج إلى طلوع هلال

ولا وجه للتفرقة بين كونه مسنداً إلى الوجوه أو إلى غيرها ، فإنه تحكم لا دليل عليه ، على أنه جاء بهذا المعنى مع إسناده إلى الوجوه في كلام العرب ، ومنه قول حسان :
وجوه يوم بدرٍ ناظرات إلى الرحمن يأتي بالفلاح
وقول البُعيث : وجوه بَهَالِيلِ الحجاز على الهوى إلى مَلِكٍ كهف الخلائق ناظرة . “
وبعد أن أنهينا عرض الشيخ الخليلي للأدلة والرد عليها , نتوقف نحن لنرى ماذا تقول الآية التي تنازعها الطرفان , الآية تقول : ” وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ” 
وأول ملاحظة نخرج بها هي أن الله عزوجل لم يقل ” أناس أو عيون ” وإنما قال ” وجوه ” , والله عزوجل لا يستخدم كلمة مكان كلمة عبثا أو من أجل الناحية الجمالية فقط , وإنما لكل كلمة معنى مراد يوجب مجيئها في هذا السياق , فهنا استعمل كلمة وجوه .
والناظر في آيات كتاب الله تعالى يجد أن الله عزوجل يذكر أحوالا كثيرة للوجوه يوم القيامة , مثل قوله تعالى :, {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ }الغاشية2, {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ }عبس40, {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً }طه111, {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ }آل عمران106.

وسيلاحظ القارئ أننا لم نذكر كأمثلة إلا الآيات التي ذكر فيه الوجه بدون إضافة , فلم نذكر آية فيها وجوههم أو وجوهكم , و إنما كل الآيات تذكر الوجوه بدون إضافة , وكلها في اليوم الآخر . فإذا أردنا أن نفهم لفظة الوجوه في آية منها , لا بد أن تفهم في باقي الآيات بنفس المعنى .

ولقد كنت أرى أن المقصود من الوجوه هم القادة من القوم , كما يقال : هو وجه في قومه , أي كبير وعظيم في قومه ! ولكن استقراء الآيات أظهر أن المقصود حتما هو الوجه , فكما فهمنا أن الوجوه في سورة الغاشية وعبس وآل عمران هي الوجوه المعروفة كاملة , فلا يمكن أن تفهم الوجوه الواردة في القيامة إلا على أنها كل الوجوه وليس العيون فقط . إذا لو كان المقصود العيون لقال ذلك !

فإذا فهمنا أن المقصود من الوجوه هو الوجوه كاملة , تظهر مشكلة وهي أن الوجوه لا ترى ! فنخرج بأن الاستدلال بهذه الآية على مسألة الرؤية استدلال في غير محله , وعلينا أن نبحث عن معنى يناسب الوجه ! فنجد أن الانتظار يناسب الوجوه , فكما أن النضرة والغبرة والقترة والخشوع كلها علامات وآثار تظهر على الوجوه , فكذلك الانتظار يظهر على الوجوه .
ويكون معنى الآية : أن الإنسان المؤمن الطائع , والذي هو حتما وجه !– كبير وعظيم – يوم القيامة , يشعر أنه من الفائزين الناجين يوم القيامة , فيرفع رأسه منتظرا حساب الله عزوجل له حتى يدخل الجنة , فهو في أمن يوم الموقف 
أما الوجوه الباسرة فتظن أن يفعل بها فاقرة , لأنها ترى أن أعمالها ستقودها حتما إلى النار .
فالآية توضح موقف الناس يوم القيامة , بين مشتاق إلى الله وناظر حسابه وبين متوقع لعذاب الله ! ولست أدري ما علاقة الآية بالنظر .

سيقول القارئ: ولكن السادة المفسرين كلهم أخذوا هذه الآية كدليل , والمعترضون أنفسهم لم يطعنوا في كون الآية دليل , ولكنهم أولوها بشكل معين , فكيف تقول ذلك ؟
نقول : أرجوا أن تتذكر عزيزي القارئ التمهيد الطويل الذي ذكرناه في الباب الأول حول الفوضى اللغوية المنهجية التي استعملت مع كتاب الله عزوجل . فليس استعمال أحد من البشر كلمة بمعنى خاطئ حجة على الله , وإنما قول الله هو الحجة على كل إنسان , والذي يجب على كل مسلم أن يجتهد أن يفهمه ويتدبره كما هو , لا أن يلوي النص ويفهمه كما لم يقل الله عزوجل , ثم يوقعه فهمه في إشكاليات عدة , فيضطر من أجل التوفيق بينها أن يأول إلى مالانهاية , وهكذا يقع مبضع التأويل على كتاب الله فلا يرفع!

ونواصل الرحلة مع أدلة الشيخ الخليلي في جداله مع المثبتين :
” (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) ، فقد فسروا الحسنى بالجنة والزيادة بالرؤية ، مستدلين بحديث صهيب عند الشيخين مرفوعاً : ( إذا دخل أهل الجنةِ الجنـةَ نادى منادٍ إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه ، قالوا : ألم تبيضْ وجوهنا ، وتنجنا من النار ، وتدخلنا الجنة ، قال : فيكشف الحجاب ، قال : فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ) .
وأنتم ترون أن لفظة الزيادة مبهمة غير دالة على الرؤية وضعاً ولا استعمالاً ؛ من قريب ولا من بعيد ؛ أما الحديث الذي عوَّلوا عليه في تفسيرها فدلالته على ما قالوه ضعيفة جداً .

أولا : فلأن النظر لا يلزم أن يكون بمعنى الرؤية كما سبق بيانه في آية القيامة ، وكشف الحجاب يجوز أن يكون كناية عن مزيد الإكرام ورفع الدرجات ، وفتح أبواب العطاء غير المحدود ، وهذا الذي يتعين أن يحمل عليه كشف الحجاب والنظر إلى الله في الحديث ؛ لدفع التعارض بين آيات الله وأحاديث رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام .

ثانيا: فلأن حمل الزيادة على هذا المفهوم يتعارض مع ما استندوا إليه من المفهوم الذي عولوا عليه في تفسير آية القيامة ، التي استندوا إليها في إثبات الرؤية ، فإنه يلزمهم بموجب ذلك المفهوم أن تكون الرؤية حاصلة في الموقف قبل دخول الجنة ، مع أنها حسب تفسيرهم لآية يونس وحديث صهيب لا تكون إلا بعد دخول الجنة .فلأن ذلك يتعارض مع حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما الذي استندوا إليه في إثبات الرؤية في الموقف . (!!) ” . اهـ .

ثم يبدأ الشيخ الخليلي في ذكر بعض أقوال للسلف فسروا فيها الزيادة بغير رؤية الله عزوجل , فيقول :
” فقد روي عن السلف تفسيرهم الزيادة في الآية بغير الرؤية ، فلو كان الحديث نصاً صريحاً صحيحاً على تفسيرها بالرؤية لما كان لهم أن يعدلوا عنه إلى غيره ، ومن أمثلة ذلك ما رواه الإمامان الربيع وابن جرير ( روى ذلك ابن جرير عنه بثلاثة أسانيد ) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسَّرها بغرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب ، وروى الإمام الربيع عن ابن عباس مرفوعاً :
( إن أهل الجنة لا يزالون متعجبين مما هم فيه حتى يفتح الله لهم باب المزيد فإذا فتح لهم كان لا يأتيهم منه شيء إلا وهو أفضل مما في جنتهم ) ،
وروى ابن جرير عنه وعن علقمة بن قيس أن الزيادة مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها ، وهذا رواه الإمام الربيع عنه وعن الحسن. وروى الإمام الربيع بإسناده إلى الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه فسر الزيادة بغرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب – كما سبق عن ابن عباس – وروى ابن جرير عن الحسن أنه فسرها بمغفرة من الله ورضوان ، وهو مروي عن مجاهد عند الربيع ، وروى الربيع عـن أبي حازم ، وابن جرير عن ابن زيد أنها عدم محاسبتهم على ما أعطاهم في الدنيا . وروى الربيع عن الشعبي أن الزيادة دخول الجنة ، وعن محمد بن كعب ما يزيدهم الله من الكرامة والثواب . ” اهـ

فإذا نحن نظرنا إلى الآية نفسها وإلى الأقوال الواردة في تفسيرها ! وجدنا أن بعضها قرب من الفهم الصحيح لها , ولننظر إلى الآية لنر ما تقول :
الله عزوجل يقول : ” للذين أحسنوا الحسنى ” , فهل الحسنى هي الجنة ؟ لا 
بداهة هذا كلام لاصواب فيه فالحسنى ليست الجنة قطعا الله تعالى يقول: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }يونس26,
والحسنى معروفة وهي ليست الجنة , فالمعنى أن من يحسن يُحسن إليه بزيادة على أعماله عامة سواء في الدنيا والآخرة , أما في الآخرة فلا يرهق وجهه قتر ولاذلة ثم يكون من أصحاب الجنة .
أما على تفسيرهم العجيب فيكون المعنى : للذين أحسنوا الجنة وزيادة وفي موقف الحشر لا يرهق وجوههم قتر ولاذلة – علم هذا بداهة من كونهم في الجنة- , و هم أصحاب الجنة ! هل هذا تفسير مقبول معقول؟!!
ولو افترضنا جدلا أن الحسنى هي الجنة, لم لا نقول أن الزيادة هي كلام الله أو الملائكة وليست رؤيته؟! فهناك آية تقول : {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً }الكهف88 فتكون الزيادة من باب القول كما في الآية هنا وليست من باب الرؤية؟!

إذا فالآية لا مستند فيها لمن يثبت أو ينفي ولا علاقة لها بالباب بتاتا وإنما هي تتحدث عن فضل الله في معاملة عبادة في الدنيا والآخرة وأنه يعاملهم بالفضل مع العدل ! .

ونواصل الرحلة مع الشيخ الخليلي في مناقشته لأدلة القائلين بالرؤية : ” قوله تعالى : (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) ، ووجه استدلالهم به : أنه كما دل منطوقه على حجب الكفار عن ربهم ، فمفهومه دال على أن المؤمنين يرونه . لأن حجب الكفار عقاب توعدوا به فلا يليق بالمؤمنين إلا خلافه.

وهو استدلال ساقط من عدة أوجه :
: أن الحجاب في الآية كناية عن الحرمان من رحمته ، والإبعاد عن دار كرامته ، كما أن التقرب منه سبحانه لا يكون حسياً وإنما يفسر بامتثال ما أمر به من الطاعات ، واجتناب ما نهى عنه من المعاصي ، وكذلك تقرب الله من العبد لا يعني إلا إحاطته برعايته الرحمانية ، وغمره بألطافه الربانية.
ثانيهما : أنه استدلال بمفهوم المخالفة ، وهو حجة ظنية اختلف العلماء في الأخذ بها في الأمور العملية الفرعية ، فكيف بالقضايا الإعتقادية الأصلية مع أن الاعتقاد ثمرة القين ، على أن المفهوم هنـا أقرب أن يكون مفهوم لقب ، وهو أضعف المفاهيـم بإجماع الأصولييـن والفقهاء ، وسائـر أصحاب فنـون العلم ، حتى أنهم عدوا من أخذ به من الفقهـاء في الفروع شـاذا .ً
ثالثهما : أنه لو جاز الإستناد إلى هذا المفهوم في إثبات رؤية المؤمنين لله يوم القيامة ، لكان أحرى أن يستند إلى مفهوم يفيده التقيد بـ ( يومئذ ) في إثبات رؤية الكفار له تعالى قبل ذلك اليوم .” اهـ
________________________________________
عندما رد الكتور علي بن محمد ناصر الفقيهي على أدلة الشيخ الخليلي في كتابه المسمى : الرد القويم البالغ
على كتاب الخليلي المسمى بالحق الدامغ 
ذكر أدلة الشيخ الخليلي العقلية , ثم قال : ” جـ- إن هذا التأويل هو الذي يتفق مع مافي خاتمة عبس، وهو قوله سبحانه: {وجوهٌ يومئذ مُسفرةٌ . ضاحكة مستبشرة . ووجوه يومئذ عليها غبرة . ترهقها قترة}. [عبس:38-41].
قال: إذ لافارق بين ماوُصفت به وجوه المؤمنين هنا من الاستبشار، ووصفت به في آية القيامة من النظر بمعنى الانتظار، فإن المنتظر للرحمة مستبشر بها والمستبشر منتظر لما استبشر به… )إلخ.

فهذا خلاصة ماعند المؤلف الخليلي الإباضي، من محاولة لرد دلالة الآية على النظر إلى ربها بالأبصار، وإنما المقصود به الانتظار،كما يقول، ومعلوم أن هذا هو ردّ المعتزلة للآية،
ويظهر للقارئ أن الذي عند المؤلف هو رد الآيات بالدلالة اللغوية، وأن معنى النظر هنا هو الانتظار، ورد دلالة الآيات ثم دعواه أنه فسر الآية بذلك، حتى لا تتعارض مع أدلة نفي الرؤية القطعية كما يقول (ص:42-44). ” اهـ

ولست أدري لم لم يذكر الدكتور علي الأدلة التي ذكرها الشيخ من اللغة , هل يرى أنها غير صحيحة فلم يكلف نفسه عناء الرد عليها , أم أنه أراد أن يؤسس للرد المعتمد على مخالفة هذا القول للغة؟!

فإذا كان لهذا الرأي كل هذا الأدلة اللغوية فهو مقبول لغة لا محالة , ولكن يبدو أنه كان لا بد من عدم ذكر هذه الأدلة , لأن الدكتور سيقول بعد ذلك : ” وإليك دحض تلك الشبه والرد عليها بما يبين زيفها ومغالطة مدعيها وذلك بما يأتي:

أولاً: بيان معاني النظر، فإن له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعدّيه بنفسه، وليس محصوراً في معنى الانتظار، وإليك تلك المعاني:
فإن عدّي بنفسه فمعناه: التوقف والانتظار كقوله تعالى:{انظرونا نقتبس من نوركم} [الحديد:13 ].
وإن عدّي بفي فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله تعالى: {أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض..} [الأعراف:185].
وإن عدّي، بإلى فمعناه: المعاينة بالأبصار، كقوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر} [الأنعام:99].
قال أبو منصور الأزهريx في كتابه تهذيب اللغة (14/371)
ومن قال: إن معنى قوله: {إلى ربها ناظرة}: بمعنى منتظرة فقد أخطأ، لأن العرب لاتقول: نظرت إلى الشيء بمعنى انتظرته، وإنما تقول: نظرت فلاناً، أي انتظرته …….. فإذا قلت: نظرت إليه لم يكن إلا بالعين، وإذا قلت: نظرت في الأمر احتمل أن يكون تفكراً وتدبراً بالقلب)ا هـ.. ولكن كل هذه الأدلة منقوضة بذكر الشيخ الخليلي لأدلة من اللغة على ما يقول !!

لست أدري لم لم يقل القائلون بالمجاز أن المقصود من ” نظر إلى ” هو اهتم بالشيء وأعاره انتباهه , فيكون المقصود من الآية أن كل اهتمام الوجوه وانتباههم هو الله عزوجل وليس رؤيته ,
ولذلك القول دليل في كتاب الله تعالى وهو قوله عزوجل : “ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة “,
فلا يمكن القول أن الله ينظر إلى فلان ولا ينظر إلى آخر , فالله محيط بكل شيئ سمعا وبصرا وعلما , وإنما المقصود أن الله لا يهتم بهم ولا يعيرهم انتباهه ,- ولا يعني ذلك أنه غافل – , ولكن الأمر كمن يخاطبك وأنت لا تسمع باهتمام لما يقول , على الرغم من أنك تسمع كل كلمة منه وتراه أمامك ., ولكنك لا تعيره هو أو كلامه أي اهتمام . ففهم النظر إلى ب ” الاهتمام والانتباه ” فهم مقبول لست أدري كيف غفلوا عنه !

ونلاحظ أن الشيخ الخليلي يورد اعتراضات سلبية على الآية , من باب ” إذا كان هذا لا يجوز , فذلك كذلك !” , والآية واضحة في بيانها ودليل الخطاب حجة بدهية لا يجادل فيها إلا الفقهاء !!! فالشيخ غفر الله له ولنا حام حول الآية ثم فسرها بالكناية !

ونتوقف مع هذه الآية لنر ما تقول : نلاحظ أن الآية تتحدث عن حجب للكفار عن ” ربهم ” وليس عن رؤية ربهم يوم القيامة! . ونسأل: لم يقل الله عزوجل : عن الله أو عن الإله؟

بداهة : لأن الكافر لا يعترف بالله أو بألوهيته, ولكنه شاء أو أبى سيظل عبدا لله ويظل الله له ربا. والرب هو الذي يرعى و يرزق ويخلق ويعطي ويمنع, أما الإله فهو الذي يأمر وينهي . ثم تخصص الآية الحجب بقوله : يومئذ , فيعني هذا أنهم لم يكونوا محجوبين عنه قبل ذلك , ولكن يكونوا محجوبين عنه بعد ذلك , أي أنهم بعد ذلك حين يصلوا الجحيم سيرفع الحجب !

فالآية تتحدث عن حجب في موقف مخصوص سيحدث للكفار المنكرين ليوم القيامة فلا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم !, أما بعد ذلك فسيرفع الحجب ويتساوى في ذلك الكفار والمؤمنون في عدم الحجب ولكن المؤمنون في الجنة والكفار في الجحيم . فيكون معنى الآية أن الكفار حجبوا عن ربهم فلا يصل إليهم منه شيء من فضله ونعمه , – ثم يحاسبون – ثم يدخلون النار فيصل إليهم عقاب الله وسخطه وعذابه !

والملاحظ أن الله عزوجل يقول أن الكفار يحجبون عن ربهم ثم يستدل بها السادة الفقهاء على أن الله هو الذي يحتجب عن بعض من خلقه ويظهر لآخرين . ويحق لي ولك عزيزي القارئ أن تضع من علامات التعجب ما يحلو لك !
إذا يظهر أن الآية لا علاقة لها بمسألة الرؤية . وتبقى بعض الآيات التي يستدل بها على رؤية الله عزوجل يوم القيامة ولكنها أضعف في الاستدلال من هذه 

فإذا سقط الاستدلال بهذه سقط الاستدلال بالأخريات من باب أولى . فإذا نحن أثبتنا أنه لو وجود لهذه العقيدة في القرآن ثبت بداهة أنه لا وجود لها في السنة الصحيحة ! ولكنا نجد أنه وردت بعض الروايات تقول برؤية الله عزوجل يوم القيامة , وهذه هي عمدة القائلين بالرؤية , فنعرض لها لنر ما هي أدلتهم في السنة , وهل هي خالية من التناقض الداخلي أما مليئة بالتناقضات ؟!! – بغض النظر عن تعارضها مع كتاب الله عزوجل – .

أدلة المثبتين للرؤية من السنة :
استدل المثبتين للرؤية من السنة بأدلة كثيرة , نورد نحن أهمها وهو حديث الرؤية الوارد في البخاري وكذلك حديث الشفاعة الوارد في البخاري كذلك والتي ذكرت فيه الرؤية عرضا , لنر هل هذه الأدلة – بغض النظر عن ظنيتها ! – صالحة أن تنهض كأدلة على عقيدة ؟ ونعرض للقارئ نص الحديثين أولا ثم نعلق بعد ذلك عليهما :

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ثُمَّ قَالَ يُنَادِي مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ وَأَصْحَابُ الْأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فَيَقُولُونَ كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلَا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ فَيَقُولُونَ نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا قَالَ فَيَأْتِيهِمْ الْجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ فَيَقُولُ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ فَيَقُولُونَ السَّاقُ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجَسْرُ قَالَ مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِي إِخْوَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي فَاقْرَءُوا { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } . فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدْ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ اللُّؤْلُؤُ فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمْ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ فَيُقَالُ لَهُمْ لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ “

الحديث الثاني :
حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُحْبَسُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُهِمُّوا بِذَلِكَ فَيَقُولُونَ لَوْ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ آدَمُ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ لِتَشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا قَالَ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ قَالَ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ أَكْلَهُ مِنْ الشَّجَرَةِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا وَلَكِنْ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَكِنْ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ قَالَ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ ثَلَاثَ كَلِمَاتٍ كَذَبَهُنَّ وَلَكِنْ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا قَالَ فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ قَتْلَهُ النَّفْسَ وَلَكِنْ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَرُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ قَالَ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَلَكِنْ ائْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَيَأْتُونِي فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي فَيَقُولُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ قَالَ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ قَالَ قَتَادَةُ وَسَمِعْتُهُ أَيْضًا يَقُولُ فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنْ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَعُودُ الثَّانِيَةَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يَقُولُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ قَالَ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ قَالَ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ قَالَ قَتَادَةُ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنْ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ثُمَّ يَقُولُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهْ قَالَ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ قَالَ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ قَالَ قَتَادَةُ وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنْ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ حَتَّى مَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ قَالَ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا } قَالَ وَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

والحديث الأول هو أشهر ما في الباب والذي يستدل به على الرؤية , فإذا نحن قرأنا الحديث قراءة متأنية وجدنا التالي:
أول شيء يلاحظ هو التشبيه الحسي لرؤية الله عزوجل برؤية الشمس والقمر والضرر الذي قد يحدث من رؤيتهما , ولو أراد النبي أن يعبر عن ذلك بدون تشبيه أو تجسيم لقال : سترون ربكم بدون حجاب أو سفاحا أو مباشرة أو أي تعبير يفيد الرؤية بدون تشبيه بخلق من خلقه .

ثاني نقطة تلفت الانتباه هي طلبهم السقيا , كأن الناس لا يشغل بالهم في هذا الموقف إلا الشرب ! ثم ما العلاقة بين الشرب والسقوط في النار؟!! ثم كيف يسقطون في النار بدون أن يحاسبوا ؟ الله عزوجل يقول : ” يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ” , فأين جادلوا ومتى حوسبوا ؟ لقد ألقوا في النار مباشرة !

أما مسألة الصورة فلها تعليق منفرد نذكره لاحقا , ثم ما هذا التصور الساذج عن وجود آية بين الله وخلقه ؟! هل يحتاج الأمر إلى وجود علامة يعرفوا بها ربهم ؟!

ثم ما هذا الجسر الذي بين ظهراني جهنم ؟ هل نسى الناس كم هي مساحة جهنم ؟ لقد جاء في بعض الروايات أنها ستُجر يوم القيامة من سبعين ألف زمام يجر كل زمام سبعون ألف ملك !

وبغض النظر عن صحة الرواية فجهنم لا محالة مترامية الأطراف و شاسعة المساحة حتى أنها ستضم بداخلها مليارات من البشر ! فكم يحتاج المرء من الوقت ليعبرها ؟! وبغض النظر عن السرعة المكوكية التي سيعبر بها العابرون – نلاحظ أن البعض سيعبر حبوا , فقد يصل بعد ثلاثة ملايين سنة فقط !!

, هذا تصور بدائي عن نار موضوعة على الأرض وبعده تأتي الجنة ! هذا التصور أقرب ما يكون إلى الخندق الذي يفصل المحاسبين في أرض المحشر عن دخول الجنة 
فإذا عبروا هذا الخندق الضيق فازوا , وإن لم يفلحوا سقطوا في النار! هذا بغض النظر عن أن هذه الرواية تناقض أن الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف , فهذا جسر ! و الجسر حتما ليس حبلا ! ثم ما أن يجد المؤمنون أنفسهم في الجنة حتى يناجون ربهم فيمن في النار , بحجة أنهم كانوا يصومون ويصلون , فلماذا دخلوا النار إذا ؟ فيمنحهم الله القدرة على دخول النار بدون أن تؤثر فيهم – فليس الأمر للخليل فقط إذا !-
فيخرجون أناسا , ويبدو أن أبا سعيد أو الراوي الذي ألصق به الرواية شعر أن هذه المقولة (واسعة) بعض الشيء , فأراد أن يدلل على قوله بكتاب الله . ثم نقابل مفاجأة كبرى وهي أن الأنبياء والملائكة لم يكونوا قد شفعوا بعد ! فيشفعون ! – وما الذي كان يحدث قبل هذا إذن ؟ – ثم يشفع الرحمن فيدخل أناسا الجنة بغير عمل أو خير قدموه ! وهنا نسأل: لماذا أخرج بعضا وترك بعضا ؟

هذه كانت بعض الملاحظات السريعة حول هذا الحديث , ولنر ماذا يقول الحديث الآخر ؟
أول ملاحظة أن المؤمنين محبوسون , فمتى كان هذا الحبس ؟ قبل مجيء الله أم بعده ؟ فإذا كان قبله فمعنى ذلك أن الرسول سيشفع قبل أن يأتي الله , فلا حاجة لهذا الاختبار ؟ وإذا كان بعده فالمؤمنون قد دخلوا الجنة !

ثم نجد الحديث يصف الخليل إبراهيم عليه السلام الذي وصفه الله عزوجل بأنه كان صديقا بأنه كذب ثلاث كذبات – تأثرا بما ورد في التوراة !- , وموسى الذي تاب فغفر الله له بنص سورة الإسراء يتكلم عن خطيئته , أما عيسى فلم يصدر منه شيء – ربما ينبع هذا التصور من التصور المسيحي الذي يرى أن المسيح هو البشري ! الوحيد الذي بدون خطيئة – ولكنه على الرغم من ذلك يرفض ! فيأتون إلى الرسول فيستأذن على الله تعالى في داره ! وهنا يقف المرء ويضع سبعين ألف علامة اعتراض , أي دار هذه الذي يسكن فيه ملك الملوك ؟
هي دار حسية مثل أي دار لأي ملك أرضي , حيث يستأذن النبي فيدخل فيرى الله عزوجل ! يعني أن الدار هي التي تمنع رؤية الله ! وهذه الجملة لوحدها كافية لنسف الحديث نسفا ولكن علماء الحديث لم يشغلوا بالهم بمثل هذه الجمل التي من الممكن أن تغتفر ويغض المرء عنها الطرف! ولكن نواصل لنر التعارض الداخلي والغيري ! يخرج النبي (ص) من دار ربه ! حيث حد الله تعالى له حدا فيدخل النار فيخرجهم ويدخلهم الجنة – وبداهة حرم الله جسده على النار مثل ما حرم أجساد المؤمنين السابقين – .

وهنا يظهر نفس الإشكال : الناس دخلوا النار بدون أن يحاسبوا ! ثم يدخل الرسول ليخرجهم , ونسأل: يفترض من الحديث السابق أن المؤمنين سيدخلون ليخرجوا المؤمنين , ثم بعد ذلك يأتي الأنبياء والملائكة ليشفعون و هنا يدخل النبي فيخُرج الناس قبل أي أحد آخر , فهل أُدخل المؤمنون أولا ليخرجوا المؤمنين , أم يدخل الرسول أولا ليخرج الناس الذين دخلوا النار بلا حساب ؟! وهكذا تتواصل رحلات الرسول المكوكية بين دار الله عزوجل وبين النار و حيث يحد كل مرة له حدا فيخرجهم ! حتى لا يبقى إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود !
وهذا يناقض الحديث الفائت في أن الله يخرج أقواما لم يعملوا خيرا أو فعلا حسنا ! فإذا كان هذا لم يحبسه القرآن , فمن يحبسه إذا ؟ وماذا نفعل بقول الله تعالى , الذي يقول فيه : {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة81 ؟ . ونظرا لأن هذا القول قد يبدو مخالفا للقرآن استدل عليه بقول الله تعالى : ” عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ” !

كانت هذه بعض التناقضات الواردة في الحديث الكافية لرده تماما , بغض النظر عن ظنيته التي تجعله غير كافيا لتأصيل عقيدة حتى ولو كان خاليا من التناقض , لأنه لا أصل له في القرآن . ونحن كنا قد تجاوزنا عن مسألة الصورة التي يقول بها مثبتو الرؤية , فنعود لنعرض الإشكالية الرهيبة للقول بصورة لله عزوجل . قد تكون الكلمة قد مرت على القارئ العادي , ولكنها تعني لا محالة أن الله جسم وأنه مثل أشياء كثيرة وليس ” ليس كمثله شيء “!

ويعرض الأستاذ علي الحجري تناقضات تبريرات القائلين بالصورة في هذا الحديث, فيقول:
“والذين أثبتوا رؤية الله سبحانه وتعالى في الموقف تضاربت أفكارهم حول المرئي؛ فمنهم من قال برؤية مَلَك، ومنهم من صرح برؤية صورة لبعض مخلوقات الله تعالى، ومنهم من قال برؤية الله ولكن رؤية تختلف عن رؤية الذات والعياذ بالله.
صورة : قال ابن حجر: ” (فيأتيهم الله في صورة) … قال ابن بطال تمسك به المجسمة فأثبتوا لله صورة، ولا حجة لهم فيه لاحتمال أن يكون بمعنى العلامة وضعها الله لهم دليلاً على معرفته”! .


ونقل ابن حجر أيضاً: ” … ثم يتبدى لنا الله في صورة غير صورته التي رأيناه فيها أول مرة “. ( متى رأيناه أول مرة , الله أعلم ! )

مَلَك : قال ابن بطال عن المهلب إن الله يبعث لهم ملكا ليختبرهم في اعتقاد صفات ربهم “

ذات الله سبحانه وتعالى : حسب تصورهم تنطبع على ذات الله آثار الرضى والغضب، والعياذ بالله: ” قال شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري رحمه الله لمحجوبون عن رؤية الرضى فإن الشقي يراه غضبان حين يتجلى في المحشر قبل دخول الناس الجنة”!!

له صورتان: صورة الرضى وصورة الغضب في وقت واحد !!!!. أين ذهبت العقول المقدِسة؟
رؤية عامة ولكن ليست حقيقية للذات المقدسة : قال الدكتور آل حمد: ” ثم إنه تعالى يرى يوم القيامة رؤية عامة بأعين الرؤوس يراه أهل الموقف وليست رؤية حقيقية للذات المقدسة التي رؤيتها أعلى نعيم أهل الجنة، فلا يقال إن غير المؤمنين يرى ذات الباري تعالى وتقدس. إذ الرؤية الحقيقية التي فيها النعيم خاصة بالمؤمنين بعد دخولهم الجنة ” !

وقال الدكتور آل حمد في موضع آخر:
” وما ورد في حديث أبي سعيد الخدري من ذكر للرؤية العامة ليست رؤية حقيقية، حيث إنه رآه من يعبده بعد ذلك في صورة غيرها، ثم هذه الصورة الأخيرة، هل هي الحقيقية التي يراه عليها أهل الجنة أو غيرها، الصحيح أنها غيرها، إذ إن الرؤية الكاملة هي المعبر عنها بالمزيد في آية سورة (ق) وهو (مَزِيدٌ) على نعيم الجنة، وهم لم يدخلوا الجنة حال الرؤية المذكورة حتى يحصل لهم المزيد، يتبين هذا من الأحاديث التي ذكر فيها المزيد”.


وقال الألوسي: ” وكأني بك بعد الإحاطة وتدقيق النظر تميل إلى أنه سبحانه وتعالى يرى لكن لا من حيث ذاته سبحانه البحت ولا من حيث كل تجل حتى تجليه بنوره الشعشعاني الذي لا يطاق “.


ونقل ابن حجر: ” وقال الخطابي: هذه الرؤية غير التي تقع في الجنة إكراماً لهم، فإن هذه للامتحان وتلك لزيادة الإكرام كما فسرت فيه (الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)”.

رؤية للصورة التي تعرف بالصفة : “وأما قوله: فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون: فالمراد: التي يعلمونها ويعرفونه بها، وإنما عرفوه بصفته وإن لم تكن تقدمت لهم رؤية له سبحانه، لأنهم يرونه لا يشبه شيئاً من مخلوقاته، فيعلمون أنه ربهم”.

تحول الذات من صورة إلى صورة : قال النووي: ” قوله صلى الله عليه وسلم: (يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته) … ومعناه، وقد أزال المانع لهم من رؤيته وتجلى لهم “.


الذات العلية تطلع وتتوارى – والعياذ بالله- : قال ابن خزيمة: ” ويبقى المسلمون فيطلع عليهم رب العالمين، فيقول: ألا تتبعون الناس، فيقولون: نعوذ بالله منك. الله ربنا وهذا مكاننا حتى نرى ربنا. وهو يأمرهم ويثبتهم، ثم يتوارى ثم يطلع فيقول: ألا تتبعون الناس فيقولون: نعوذ بالله منك، الله ربنا. هذا مكاننا حتى نرى ربنا، وهو يأمرهم ويثبتهم .”


فانظر عزيزي القارئ كيف أن السادة العلماء يحاولون بكل الطرق إثبات وتمرير هذا القول بالصورة مع تسليمهم بأنه مستحيل عقلا , لذلك أخذوا يحاولون أن يمرروها بأي شكل استثنائي ! ولكن أنى لهم ذلك !

نخرج من نقد هذه الأحاديث المتعلقة بمسألة الرؤية أنها مليئة بالتناقضات ولا أصل لها في القرآن , فلا تصلح لتأسيس عقيدة يُكفّر أو يُفسّث منكرها , بل يلام العاقل على اعتقادها . فإذا ثبت عدم حجية الأدلة المستدل بها , وجب القول بصحة الرأي الآخر بغض النظر عن أدلته , ولكن سنعرض أدلته من الكتاب والسنة في هذه المسألة من أجل تأكيدها لدى القارئ! وليعلم أي الفريقين خير سبيلا وأحسن مقالا !

أدلة النافين للرؤية من كتاب الله:

بعد أن ناقشنا أدلة المثبتين للرؤية ووجدنا أنه لا ينهض دليل واحد منها للاستدلال به على ما يذهبون , ننتقل إلى أدلة النافين للرؤية , ونبدأ بأدلة النفي من القرآن :
1- أهم وأشهر دليل يستدلون به في هذه المسألة هو قوله تعالى : {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الأنعام103, وهذه الآية تنهي – لمن تدبرها مسألة إمكانية الرؤية , ولكن على الرغم من ذلك وجدنا من يجادل في الآية فيقول : الآية نفت الإدراك ولم تنف الرؤية ! بل وهناك من قال – من أئمة التابعين !- : إننا لن ندرك الله كله كما أننا لا ندرك السماء كلها !
وهذا يعني أننا سندرك بعض الله – حاشا لله ! – , وأخذ المثبتون للرؤية يجادلون في الآية بمجادلات عجيبة , مثل قولهم : ” إن الآية ليس فيها أكثر من نفي كون جميع الأبصار تراه – ما يعرف بسلب العموم- وليست نافية أن يكون كل فرد من أفراد جنس الأبصار رائيا له – ما يعرف بعموم السلب – والاتفاق على أنه تعالى لا تراه جميع الأبصار وإنما يراه بعضها ، وأقل ما يقال بأن الآية محتملة لهذا المعنى ،
والدليل إذا طرقه الإحتمال سقط به الإستدلال .!! ولو طبقنا كلامهم هذا على آي القرآن لتركناه واتخذناه ظهريا ولما بقى لأي خبر أو أمر في القرآن أي قيمة !


ولندقق النظر في الآية لنر ماذا تقول: الآية تبدأ بقوله تعالى ” لا تدركه ” , فما هو الإدراك ؟
درك كما جاء في مقاييس اللغة : ” الدال والراء والكاف أصلٌ واحد، وهو لُحوق الشَّيء بالشّيء ووُصوله إليه. يقال أدْرَكْتُ الشّيءَ أُدْرِكُه إدراكاً. ويقال فرس دَرَكُ الطريدةِ،
إذا كانت لا تَفوتُه طريدة. ويقال أدرك الغلامُ والجارية، إذا بلَغَا. وتدارَكَ القومُ: لَحِق آخرُهم أوّلَهم. وتدارَكَ الثَّرَيَانِ، إذا أدرك الثَّرَى الثاني المَطَرَ الأوّل. فأمَّا قوله تعالى: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَة [النمل 66]، فهو من هذا؛ لأنَّ عِلْمَهم أدركَهم في الآخرة حين لم ينفَعْهم …. “

إذا فالإدراك في اللغة يدور حول الوصول واللحوق , ومن ينظر في معاجم اللغة كاللسان وتاج العروس سيجد أن المعاني الكثيرة الواردة في هذا الباب تدور كلها حول هذا الأصل الواحد . فإذا كان هذا هو معنى الإدراك فما معنى الأبصار ؟


جاء في المقاييس : الباء والصاد والراء أصلان: احدهما العِلْمُ بالشيء؛ يقال هو بَصِيرٌ به. اهـ . هذا هو المعنى العام للبصر , فما هو معنى الأبصار؟ هل يعني الرؤية؟

الناظر في القرآن يجد أنه استعملها استعمالا واحدا , ولم يكن هذا الاستعمال بمعنى الرؤية أبدا ! وإنما كان بمعنى آخر وهو القدرة على التمييز إما القدرة على تمييز المَشاهِد بالعين ” وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون”, فهم ينظرون إلى الرسول ويرونه ولكنهم لا يفهمون ولا يميزون! وإما التمييز بالعقل ” {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }الحج 46 
فالله يقرر في هذه الآية أن القدرة على تمييز الحق من الباطل والخطأ من الصوب لا ترتفع أبدا من الإنسان , ولكن القلوب التي تحرك الإنسان إلى قبول الحق أو رفضه هي التي تعمى فتجعل الإنسان يرفض الحق الجلي. ومن السياق يمكن تحديد مراد الله عزوجل من كلمة ” الأبصار ” 

فإذا كانت في مثل الآية الأولى فيكون التركيز على الجزء العيني من عملية التمييز , وإذا كان في مثل الثانية فيكون التركيز على الجانب العقلي . فإذا رجعنا إلى آيتنا وهي قوله تعالى ” لا تدركه الأبصار ” وجدناها نفيا عاما يقرر أن الأبصار البشرية غير قادرة على الوصول إلى كنه الله عزوجل , فلا العقول ولا العيون قادرة على إدراك الله عزوجل . أما الله عزوجل فيدرك 
ولاحظ أنه عزوجل لم يقل :يرى – الأبصار , فهو واصل إلى عمليات التمييز التي تجري في داخل الإنسان , على الرغم من كونها بالنسبة لنا من المجردات أو من الإشارات التي تجري في الإنسان , فأي فكر يجول في بالك فالله مدركه لا محالة .

فنخرج من هذا أن الأبصار بمعنييها العيني والعقلي لا تدرك الله , لأن الله لا يمكن تمييزه عن غيره وإلا وقعت المشابهة أو المقارنة فتأمل! وصدق الله الذي يقول : ” ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ” .

2- قوله تعالى لسيدنا موسى بعدما طلب رؤيته : ” قال لن تراني , ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني “ فالله عزوجل يقرر لنبي من أولي العزم أنه لن يراه , والنفي هنا نفي مطلق , لم يحدد بزمان أو مكان , فلو وقع في الآخرة لكان الخبر كاذبا !
ولما أراد الله عزوجل أن ينهي هذه المسألة عند سيدنا موسى وغيره , بين له أن المستحيل يحدث فقط عندما يحدث المستحيل ! فإن استقر الجبل عند تجلي الله عزوجل , – وهو مستحيل – فسيحدث المستحيل الثاني وهو أن يرى موسى الرب القدير !
ولما كان المستحيل لا يحدث , لذلك لا يحدث المستحيل !!
ونلاحظ أن الله عزوجل ينكر أشد الإنكار على من يطلب رؤيته , ويعتبرها فعلة كبيرة تستحق عقاب الله عزوجل , فإذا كان الله عزوجل سيُرى في الآخرة, فلم لم يقل لبني اسرائيل الذين طلبوا الرؤية أنكم لن تروني في الدنيا وإنما في الآخرة فقط ؟!
و حتى لا يقول أحد أن الأمر من باب الاستنتاجات , فالله يقول ويفعل ما يشاء , نقول للمعترض : إقرأ قول الله تعالى القادم الذي يثبت رأينا : {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً }الفرقان21, 22.

فالمتكبرين يريدون إنزال الملائكة أو رؤية الله فيخبرهم الله أنهم سيرون الملائكة في الآخرة ولكن حين يرون الملائكة
لا بشرى , فبدليل الخطاب الآية نص على أن الناس لم ولن يرونهم في الدنيا , أما رؤية الله فهي بعيدة كل البعد لذا لم يذكرها ولم يعقب على قولهم واكتفى بالاستنكار.

3- قوله تعالى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }الشورى51 ,
وهذه الآية جلية في الدلالة , فإذا كان الإنسان لا يطيق كلام الله عزوجل ولا بد من وجود الوسيط أو الحاجب , فكيف يرى الله عزوجل , ويلاحظ أن السيدة عائشة استدلت بهذه الآية على نفي الرؤية !
والعجيب أن لقد الإمام البخاري أورد في صحيحه رواية عن عدي بن حاتم تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه ” 

وهذاالحديث مردود بداهة بغض النظر عن سنده فهو مناقض للآية السابقة . فالحديث أبطل الآية تماما فجعل كل البشر يكلمهم الله بدون حجاب ! فالآية تنفي أن يكلم الله أي أحد من البشر إلا بطُرق من بينها من وراء حجاب , أما الحديث فجعل الله سيكلم كل الناس بدون حجاب !!وعلى الرغم من ذلك نجد من يتمحك لقبول الحديث, إذا لم يكن هذا الحديث مخالفا لكتاب الله فكيف يكون الخلاف؟!!

4-ونختم الأدلة بدليل قد يكون جديدا بالنسبة للقارئ , وهو قوله تعالى : {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }غافر7,

فنجد أن الآية تقول أن الملائكة يؤمنون بالله عزوجل ! أي أن حملة العرش أنفسهم وهم من هم في المنزلة وعظم الخلقة والاستطاعة لم يروا الله عزوجل , بدليل أنهم يؤمنون به , والإنسان لا يؤمن إلا بما لم يره , فإن رآه لم يعد إيمانا ! فإذا كان حملة العرش لا ترى رب العرش العظيم , فهل تقدر وتستطيع أن تراه أنت أيها الإنسان الضئيل ؟!!

وبعد هذا العرض الموجز لأدلة النافين للرؤية من القرآن ننتقل لعرض أدلتهم من السنة حول نفي رؤية الله عزوجل , فلديهم أيضا أدلة على ذلك ولكنها غير مشتهرة , ومن الممكن أن تكون معلومة لبعض القراء ولكن لأنه قرأها ودرسها بتأويلها منذ صغره فسيفاجأ بأنها ليست كما فُسر له بل هي على ظاهرها !

الأدلة من السنة على نفي الرؤية :
أخرج الإمام ابن جرير عن مجاهد في رواية منصور عنه أنه قال : لا يراه من خلقه شيء . وفي رواية أخرى مـن طريقه كذلكً قال : كان الناس يقولون في حديث ( فيرون ربهم ) فقلت لمجاهد : إن أناساً يقولون إنه يُرى، فقال : يَرى ولا يراه شيء .

روى الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن) ، ووجه الاستدلال به صراحته في عدم رؤيتهم لله لحيلولة رداء الكبرياء بينهم وبين ذلك .

ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال عندما سئل عن رؤيته لربه : (نور أنَّى أراه) . ووجه الاستدلال به أن الرسول استبعد فيه حصول الرؤية بقوله : (أنَّى أراه) فإن أنَّى بمعنى كيف ، وهو شاهد على استحالة رؤيته تعالى .

ونكتفي بهذا القدر من الأدلة على نفي الرؤية والآيات القرآنية بمفردها كافية لإثبات نفي رؤية الله! وبهذا يرى القارئ العزيز أن نفي الرؤية هو الثابت من كتاب الله وسنة رسوله , وأن القائل بالرؤية هو المخالف للعقل وللنقل وهو المتأول .
وبذلك يظهر أن دعوى التكفير التي يتشدق بها المتشدقون في هذه المسألة وما شابهها من المسائل لا أصل لها , وأن أدلة القوم في مجملها على قولهم ظنية ! وعجبت لمن يكفر الناس بدليل ظني !!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
__________________________
رحم الله ابن فارس وإخوانه من اللغويين الذين جعلوا البصر أساسا بمعنى العلم ولكن الأدق ما قلنا.

الإنسان لا يمكنه تمييز الشيء إلا إذا كان مختلفا عن غيره في الحجم أو المساحة أو اللون , ولكن لو توافقت هذه الأوصاف فلن يستطيع الإنسان تمييزها وسيحسبها شيئا واحدا .

نلاحظ أن الله عزوجل قال : ” تجلى ” ولم يقل : ” ظهر ” , فالله لا يمكن أن يظهر لأنه ظاهر أساسا , فهو أظهر ظاهر ” هو الأول والآخر والظاهر والباطن ” , ولكن الله تعالى تجلى فقط , وشتان بين الإثنين .

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

الإنسان ليس مجبرا

جاءني سؤال يقول:هل الانسان مجبر عن البحث عن حقيقة الكون والغاية من الحياة، فقد يقول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.