نواصل اليوم بفضل الله العظيم تناولنا لسور القرآن العزيز لنبين وحدتها الموضوعية والأجواء التي نزلت فيها, ونعرض اليوم بفضل الله الفتاح العليم لسورة الشورى, فنقول:
تبعا لكتب أسباب النزول فإن سورة الشورى سورة مكية إلا بضع آيات نزلت في المدينة, والعجيب أن هذه الآيات التي قالوا بمدنيتها لا يحتم مضمونها أن تكون مما نزل في المدينة, إلا أنه لورود روايات عن ابن عباس تقول بأنها مما نزل في المدينة قالوا بهذا!
بينما هناك آيات أخرى يشير مضمونها إلى مدنية السورة, إلا أن المفسرين –استنادا إلى الروايات القائلة بمكية السورة- تجاوزوها وفهموها على غير مدلولها المباشر.
أما نحن فتبعا لمضمون السورة –وتبعا لتأصيلنا القائل بأن السور كانت تنزل كاملة في مرة واحدة- فإننا نقول أن سورة الشورى سورة مدنية حتما.
وهي مما تأخر نزوله إلى بعد الإذن بالقتال وبعدما قويت شوكة المسلمين, وفي تلك الفترة كان أهل الكتاب يجادلون في الكتاب الذي أنزل على محمد استناداً إلى أن الله تعالى لم يكلم الرسول, وحاج بعضهم في الله نفسه وفي أفعاله. كما كان هناك من يجادل في الساعة ويستعجل إتيانها.
وحدث في تلك الفترة أن وقع اعتداء على المسلمين من بعض طوائف أهل الكتاب المنحرفة (فزُين للرسول –من بعض أهل الكتاب!!-) أن يقاتل المعتدين وكذلك من هم على شاكلتهم (عقابا لهم على انحرافهم وكفرهم).
فأنزل الله سبحانه وتعالى سورة الشورى ليقول للرسول أنه ليس وكيلاً على غير المسلمين وأن الحساب والحكم لله (وهو المحور الذي تدور السورة في فلكه), فليس لك يا محمد أن تحاسب الناس على شركهم وإنما عليك البلاغ والإنذار (وإذا انتصرت فإن الانتصار يكون على قدر البغي النازل ولا يزيد فيتحول إلى بغي)
بينما الحساب والجزاء في الآخرة, وعطاء الدنيا والمنع هو لله وحده يؤتيه كيف يشاء (وهو ليس دليلاً على صحة المعتقد ولا دافع للإيمان, فكم يدفع الرزقُ الإنسانَ إلى الشرك!), كما أنه سبحانه يوحي لمن يشاء كيف يشاء ولكن بما يتفق مع جلاله سبحانه وتعالى.
والاتصال بين السورة والسورة الماضية جلي, فالسورة الماضية كانت تتكلم عن جزاء المعرضين عن كتاب الله والقائمين بمؤامرة ضده داعين إلى عدم سماعه
وهنا تتناول السورة عارض من عوارض هذا الموضوع وهو حساب المعرضين فتقول له أن ليس وكيلاً عليهم وأن حسابهم إلى ربهم. كما تذكر اعتراضا جديداً على القرآن وهو الاعتراض على طريقة الوحي, كما يتواصل التأكيد على عربية القرآن, ويمكن القول أن الشورى تفصيل لخواتيم فصلت:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
وليس الاتصال اتصال موضوع فقط, فلقد ختمت سورة فصلت بالحديث عن الساعة ولقاء الرب, وافتتحت سورة الشورى عن احتمالية قرب الساعة وكيف أن الرسول عليه أن ينذر يوم الجمع لا ريب فيه.
ونبدأ في تناول السورة لنبين كيف قدمت هذا التصور:
تبدأ السورة بعد الحروف المقطعة (والتي ربما تشير هنا إلى: حق وميزان عل الساعة قريب) بمخاطبة الرسول الكريم والقول له أن الذي يوحي إليه وإلى سابقيه هو الله العزيز الحكيم وأنه له وحده ما في السماوات والأرض يتصرف فيهما كيف يشاء
وأن السماوات تكاد يتفطرن من شرك هؤلاء ومريتهم من لقاء ربهم, إلا أن هناك ملائكة تسبح بحمد ربها وتستغفر لمن في الأرض والله غفور رحيم, وهو حفيظ على الذين اتخذوا من دونه أولياء وأنت لست وكيلا عليهم (فليس لك أن تعاقب أو تحاسب أو تحمل على الإيمان) فلقد أوحي إليك لتنذر يوم الجمع (فهناك الثواب والعقاب) فريق في الجنة وفريق في السعير
|ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة (في الجنة) ولكن الهداية تكون للمنيبين أما الظالمون فليس لهم ولي ولا نصير يدفع عنهم العذاب, فالله هو الولي وهو يحيي الموتى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
(ثم يقال على لسان الرسول مخاطباً أهل الكتاب) وما اختلفتم في الدين من شيء فحكمه إلى الله (وهو من سيحاسب عليه) عليه أتوكل وإليه أنيب, فهو الخلاق المقدر يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وهو عليم بكل شيء. وإن كان أصلا قد شرع لكم ما أوصى به كبار الأنبياء -والذي أوحي كذلك إلى الرسول- إقامة الدين وعدم التفرق فيه
(وهذا الأمر) كبير على المشركين, وهو سبحانه يهدي المنيب, وتفرق هؤلاء لم يكن عن نقص علم وإنما بعدما جاءهم العلم بغيا, ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخر نزول العذاب إلى الآخرة لقضي بينهم,
وإن الذين أورثوا الكتاب بعدهم لفي شك منه, لذا (فدورك أن) تدعوا وتستقم فلا تتبع أهواءهم (في القتال بغيا) وأن تعلن إيمانك بكل ما أنزل الله من كتاب وأنك أمرت لتعدل بينهم وأن ربكم واحد ولكل منا أعماله ولا محاجة بيننا وبينكم والله يجمع بيننا في الآخرة وإليه المصير:
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)
والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له (وقويت شوكة الإسلام وظهر) حجتهم داحضة ولهم عذاب, من الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب (والذين لا يؤمنون بها هم من يستعجلونها بينما المؤمنون مشفقون منها) والذين يمارون فيها في ضلال, وإن كان ضلالهم لا يمنعهم الرزق الدنيوي فالله لطيف بعباده
فهو يعطي حرث الدنيا لمن يريده وليس له في الآخرة نصيب بينما يزاد حرث الآخرة لمن يريده. أم لهم شركاء (غير الذي أنزل الكتاب) شرعوا لهم ما لم يأذن به الله (من التفرق) ولولا كلمة الفصل (أنه يكون في الآخرة) لقضي بينهم (ومن ثم فلن تقضي أنت بينهم يا محمد) والظالمون لهم عذاب أليم, وستراهم مشفقون مما كسبوا بينما المؤمنون منعمون, وذلك هو الفضل الذي يبشر الله به عباده,
وقل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (وليس: أولي قربتى) ومن يقترف حسنة يزاد له فيها حسنا فالله غفور شكور. ودعواهم افترائك على الله كذبا دعوة باطلة فلو شاء الله لمحا الباطل وهو عليم بذات الصدور ويقبل التوبة ويعفو ويعلم ما تفعلون ويزيد الله المؤمنين المستجيبين وللكافرين عذاب شديد, ثم يبين الله تعالى أن تصريفه الأمور بحكمة, فيعرف أنه لو بسط الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر فهو أدرى بعباده
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)
وهو الذي ينزل الغيث وينشر رحمته ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث من دابة وهو على جمعهم قدير, وهو سبحانه لا يظلم أحد فما ينزل بالناس من مصائب فبأعمال الناس ويعفو عن كثير فلا يحاسب عليه في الدنيا, ولن تعجزوا الله وما لكم من دونه ولي ولا نصير, ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام والتي تبين قدرة الله على عباده وتمكنه منهم والتي يعلم بها المجادلون أنه ما لهم من محيص:
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)
لذا فعليكم ألا تغتروا بما أوتيتم فهو متاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وتوكلوا ويجتنبون الكبائر ويغفرون واستجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم وينفقون, وينتصرون إذا أصابهم البغي. إلا أن جزاء السيئة سيئة مثلها والأفضل العفو
وإن كان ليس على المظلوم المنتصر سبيل, فالسبيل على البغاة الظلمة, ومن يضلل الله فلا هادي له, وترى الظالمين يتمنون وجود سبيل إلى مرد وتراهم يعرضون على النار خاشعين من الذل ويقول المؤمنون أن الخسران هو خسران يوم القيامة (وليس الدنيا) ولن يجدوا لهم أولياء ومن يضلل الله فليس له سبيل.
لذا فإن الفرصة أمامكم في الدنيا فاستجيبوا لربكم قبل قدوم هذا اليوم, فإن أعرضوا فما أرسلناك يا محمد حفيظا فعليك البلاغ فقط (ومن ثم لا يمكن قتال الناس لأنه عُرض عليهم الإسلام ولم يدخلوا فيه!) فالإنسان يفرح بالرحمة ويكفر بالسيئة التي هي جزاء ما قدمت يداه. إن لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء ويهب الأولاد كما يشاء أو يمنع بعلمه وقدرته:
فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
وكما بدأت السورة بالحديث عن الوحي تُختم السورة كذلك بالحديث عن الوحي وتبيان أن الله لا يكلم البشر هكذا وإنما بواحدة من طرق ثلاثة, وكيف أن الرسول أوحي إليه بالطريقة الثالثة, وهو ما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعله الله نورا يهدي به والرسول يهدي إلى صراط الله الذي له ما في السماوات والأرض, ألا إلى الله تصير الأمور:
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
وبعد أن بيّنا للقارئ الوحدة الموضوعية للسورة والأجواء التي نزلت فيها, وكيف أنها آية في التسامح والمسالمة والحيادية مع المخالفين, ندعوه لقراءتها مرة أخرى على مرة واحدة فسيفتح الله عليه فيها بفضله ما لم نذكر نحن إنه هو الولي الحميد الفتاح العليم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.