فواتيح سورة الصافات!

على الرغم من وجود عدد من الملفات على حاسوبي الخاص, بها معالجات جزئية لسور, ذات أطوال مختلفة, تتراوح بين المتوسطة والطويلة, تظهر الوحدة الموضوعية لها, أؤجل إكمال تناولها حتى انتهي من كتاب قصص القرآن,

إلا أنني سأقطع هذا التأجيل لأقدم للقارئ الكريم ما فتح الله به الرب العليم بخصوص فواتيح سورة الصافات, وذلك لأن هذا الفتح من الله جاء في حالة من المرض والحالة المزاجية الغير جيدة, فلّما فتح الله فيها اختلف الحال وانشرح الصدر وتراجع المرض, ونرجو أن يستمر في التراجع.

ولن نظهر الوحدة الموضوعية للسورة وإنما سنكتفي بإبراز المعاني والصورة التي تقدمها فواتيح هذه السورة, ونبدأ باسم الله وعليه الاتكال.

تُعد فواتيح سورة الصافات من المشكلات بالنسبة للمفسرين, لأنهم لم يعتمدوا المنهج الموضوعي في التعامل مع السور, واكتفوا بتناول كل آية بمفردها أو كل مجموعة آيات على أقصى تقدير!
ومن ثم طرحوا في الآيات الثلاث الأول منها عدة أقوال, لم يستطيعوا الجزم بواحدٍ منها, وتظهر حيرة المفسرين بشأنها فيما كتبه الإمام الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب, والذي أطاااااااااااال الكتابة وأخذ يتفسلف بشأنها, ثم اعترف في آخر كتابته بأن ما قاله هو ما خطر بباله والله أعلم بمراده!

ونعرض للقارئ ما كتبه الإمام الرازي ليعرف أقوال المفسرين بشأن الصافات والزاجرات والتاليات ذكرا, بعد أن حذفنا جزءً كبيرا من التفلسف حتى لا يشعر القارئ بالملل والحيرة!!

قال الإمام الرازي في كتابه مفاتيح الغيب:
“في هذه الأشياء الثلاثة المذكورة المقسم بها يحتمل أن يتكون صفات ثلاثة لموصوف واحد ، ويحتمل أن تكون أشياء ثلاثة متباينة ، أما على التقدير الأول ففيه وجوه الأول : أنها صفات الملائكة ، وتقديره أن الملائكة يقفون صفوفاً .
إما في السموات لأداء العبادات كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا : { وَإِنَّا لَنَحْنُ الصافون } [ الصافات : 165 ] وقيل إنهم يصفون أجنحتهم في الهواء يقفون منتظرين وصول أمر الله إليهم ، ويحتمل أيضاً أن يقال معنى كونهم صفوفاً أن لكل واحد منهم مرتبة معينة ودرجة معينة في الشرف والفضيلة أو في الذات والعلية وتلك الدرجة المرتبة باقية غير متغيرة وذلك يشبه الصفوف .

وأما قوله : { فالزجرات زَجْراً } فقال الليث : يقال زجرت البعير فأنا أزجره زجراً إذا حثثته ليمضي ، وزجرت فلاناً عن سوء فانزجر أي نهيته فانتهى ، فعلى هذا الزجر للبعير كالحث وللإنسان كالنهي ،
إذا عرفت هذا فنقول في وصف الملائكة بالزجر وجوه
الأول : قال ابن عباس: يريد الملائكة الذي وكلوا بالسحاب يزجرونها بمعنى أنهم يأتون بها من موضع إلى موضع.

الثاني : المراد منه أن الملائكة لهم تأثيرات في قلوب بني آدم على سبيل الإلهامات فهم يزجرونهم عن المعاصي زجراً 

الثالث: لعل الملائكة أيضاً يزجرون الشياطين عن التعرض لبني آدم بالشر والإيذاء (………………………) قوله تعالى : { والصافات صَفَّا } المراد الصفوف الحاصلة عند أداء الصلوات بالجماعة وقوله: { فالزجرات زَجْراً } إشارة إلى قراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كأنهم بسبب قراءة هذه الكلمة يزجرون الشياطين عن إلقاء الوساوس في قلوبهم في أثناء الصلاة وقوله: { فالتاليات ذِكْراً } إشارة إلى قراءة القرآن في الصلاة وقيل : { فالزجرات زَجْراً } إشارة إلى رفع الصوت بالقراءة كأنه يزجر الشيطان بواسطة رفع الصوت ، روى أنه صلى الله عليه وسلم طاف على بيوت أصحابه في الليالي فسمع أبا بكر يقرأ بصوت منخفض وسمع عمر يقرأ بصوت رفيع فسأل أبا بكر لم تقرأ هكذا؟ فقال : المعبود سميع عليم وسأل عمر : لم تقرأ هكذا؟ فقال : أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان.

الوجه الثاني : في تفسير هذه الألفاظ الثلاث في هذه الآية أن المراد من قوله : { والصافات صَفَّا } الصفوف الحاصلة من العلماء المحقين الذين يدعون إلى دين الله تعالى والمراد من قوله : { فالزجرات زَجْراً } اشتغالهم بالزجر عن الشبهات والشهوات ، والمراد من قوله تعالى : { فالتاليات ذِكْراً } اشتغالهم بالدعوة إلى دين الله والترغيب في العمل بشرائع الله

الوجه الثالث : في تفسير هذه الألفاظ الثلاثة أن نحملها على أحوال الغزاة والمجاهدين في سبيل الله فقوله : { والصافات صَفَّا } المراد منه صفوف القتال لقوله تعالى :{ إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يقاتلون فِى سَبِيلِهِ صَفّاً } [ الصف : 4 ] وأما ( الزاجرات زجراً ) فالزجرة والصيحة سواء ، والمراد منه رفع الصوت بزجر الخيل ، وأما ( التاليات ذكراً ) فالمراد اشتغال الغزاة وقت شروعهم في محاربة العدو بقراءة القرآن وذكر الله تعالى بالتهليل والتقديس

الوجه الرابع : في تفسير هذه الألفاظ الثلاثة أن نجعلها صفات لآيات القرآن فقوله : ( والصافات صفاً ) المراد آيات القرآن فإنها أنواع مختلفة بعضها في دلائل التوحيد وبعضها في دلائل العلم والقدرة والحكمة وبعضها في دلائل النبوة وبعضها في دلائل المعاد وبعضها في بيان التكاليف والأحكام وبعضها في تعليم الأخلاق الفاضلة ،
وهذه الآيات مرتبة ترتيباً لا يتغير ولا يتبدل فهذه الآيات تشبه أشخاصاً واقفين في صفوف معينة قولوه : { فالزجرات زَجْراً } المراد منه الآيات الزاجرة عن الأفعال المنكرة وقوله : { فالتاليات ذِكْراً } المراد منه الآيات الدالة على وجوب الإقدام على أعمال البر والخير وصف الآيات بكونها تالية على قانون ما يقال شعر شاعر وكلام قائل قال تعالى : { إِنَّ هذا القرءان يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ } [ الإسراء : 9 ] وقال : { يس * والقرءان الحكيم } [ يس :
قيل الحكيم بمعنى الحاكم. فهذه جملة الوجوه المحتملة على تقدير أن تجعل هذه الألفاظ الثلاثة صفات لشيء واحد.

وأما الاحتمال الثاني : وهو أن يكون المراد بهذه الثلاثة أشياء متغايرة فقيل المراد بقوله : { والصافات صَفَّا } الطير من قوله تعالى : { والطير صافات } [ النور : 41 ] ( والزاجرات ) كل ما زجر عن معاصي الله ( والتاليات ) كل ما يتلى من كتاب الله (…………..) فهذه احتمالات خطرت بالبال ، والعالم بأسرار كلام الله تعالى ليس إلا الله .” ا.هـ

وكما رأينا فلقد ذكر الإمام الرازي لعبقريته العديد من الاحتمالات التي لم يذكرها غيرها من المفسرين –والتي حذفنا كثيراً منها!- إلا أنها لا تقدم للقارئ أي شفاء ولا غناء ولا تزيده إلا حيرة, ورضا بعدم السؤال عن مدلولات هذه الكلمات أو التفكر فيها!

فإذا نظرنا في هذه الآيات باعتبارها تالية لآيات سابقة –في سورة سابقة- اختلف الحال كثيرا, فإذا نظرنا في آخر سورة يس, وجدنا أن النصف الثاني منها تقريبا يدور كله حول اليوم الآخر وإحياء الموتى والتحذير من عبادة غير الله, فنجد الرب العليم يقول:

“وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (٥٣) (………..) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) (…….) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٦) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(٨٣)”

وكما رأينا فلقد انتهت السورة بالآيات الشهيرة التي تتحدث عن ذلك الذي جادل في إحياء الموتى وكيف رد الله عليه, وخُتمت السورة بقول العلي العليم: “وإليه ترجعون”, فإذا نظرنا في سورة الصافات وجدناها تبدأ بقول المولى الحكيم:
“وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (٥) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (٦) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (٧) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (١٠) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (١١) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (١٨) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤) …..”

وبغض النظر عن الآيات الثلاث الأول فإن الآيات بعد ذلك تتحدث عن أن الله رب السماوات والأرض والمشارق وعن أن السماء مزينة ومحفوظة, ثم يعود الحديث بعد ذلك مرة أخرى إلى الحديث عن خلق الإنسان وعن إمكانية خلقه مرة أخرى وعن اليوم الآخر ويستمر الحديث عن أحداثه إلى ما بعد الآية السبعين من السورة!

إذا فالآيات الثلاثة الأول وقعت بين حديثين عن خلق الإنسان وإحياءه واليوم الآخر (تخللهما الحديث عن الآلهة التي هي دون الله, فلا تنصر, وعن الله الواحد القادر), فما الذي يمكنه أن تكون هذه الصافات؟!

في أثناء بحثنا في القرآن عما له علاقة بالصف, يجب أن يكون الناتج له علاقة باليوم الآخر والبعث والخلق, وليس أي صاف أو صافات, ومن ثم فإن: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ [الصف : 4]”, مستبعدين,
وكذلك: “وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِداً [الكهف : 48]”, مستبعدين, على الرغم من أنهم في اليوم الآخر, لأنهم ليس لهم علاقة بالخلق ولا بالبعث, ثم إنهم مصفوفين وليسوا صافات!
فلا تبقى إلا الملائكة التي قال الرب العليم في حقها:
“وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً [الفجر : 22]
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً [النبأ : 38]”
فالملائكة ستجيء في ذلك اليوم صفا صفا وستقوم صفا! كما أنها هي التي تزجر! فإذا نظرنا في القرآن لم نجد أي إشارة للزجر إلا مع الإحياء, فنجد في السورة نفسها بعد آيات قلائل قول الرب العليم: “فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ [الصافات : 19]”,
وكذلك قال في سورة النازعات في معرض الحديث عن إحياء العظام –كذلك-: “فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ [النازعات : 13-14]”

وقد يستغرب القارئ أن تتلو الملائكة على الناس في ذلك الموقف ذكرا, وذلك لأنه يظن أنها ستتلو عليهم قرآنا أو تسبيحاً أو تهليلاً, وليس الأمر كذلك فلقد استعمل القرآن تلاوة الذكر بمعنى الإخبار بما مضى وفات من الأحداث,

وذلك كما جاء في قول الحكيم الخبير: “وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً [الكهف : 83]”, وكذلك بمعنى التعريف بالشيء كما جاء في نفس السورة: “قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً [الكهف : 70]”

إذا فالصورة المقدمة في أول السورة هي للملائكة التي تصف صفاً عند مجيئها في بدايات اليوم الآخر ثم تزجر زجرا فيصحو الناس ويخرجون من الأجداث إلى أرض المحشر, ثم بعد ذلك تتلو ذكراً فإما أنها تذكر أحداثا وقعت في الأرض تعرف بها, (كما لو كانت تقدم ملخصاً لتاريخ البشرية بشكل عام أو تركز على أحداث بعينها), أو أنها تعرف باليوم الآخر وما الذي سيحدث فيه وما على كل إنسان فعله, فتكون التلاوة كما لو كانت من باب التعليمات.

والناظر في السورة السابقة يجد أن الله يعيب على من يتخذ من دونه آلهة –عاجزة- لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون, فبدء السورة التالية بالحديث عن بعض جنده الأشداء من الملائكة, الذين سيديرون اليوم الآخر كما يشاء ويريد, وهؤلاء الجند الفاعلين خير برهان على وحدانية الإله وأنه بيده ملكوت كل شيء, فكما هو رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق[1] فهو المسيطر المدبر لليوم الآخر الذي سيبعث فيه الناس.

غفر الله لنا ولكم الزلل والخلل وأعاذنا من التقول عليه إنه ولي ذلك والقادر عليه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1]
لأن الحديث في أول السورة يدور حول البعث والإخراج اكتُفي بذكر المشارق, حيث يرى الناس فيها خروج الشمس كل يوم بعد أن اختفاءها في اليوم السابق, بينما المغارب هي التي تختفي فيها الشمس وهي غير مناسبة للسياق

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

في توالد المفردات في البدء كان “الاسم”

في مقالين سابقين تحدثت عن نشأة “التسمية”, أي كيف تم إعطاء دوال للمدلولات, فلم تعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.