هذا الموضوع ليس لي ولكنه أعجبني كثيرا فرأيت أن أضعه هنا للنفع!
وجود الله رأي فلسفي أم حقيقة فلسفية ؟
أعلن مركز ثقافي في دمشق عن وجود محاضرة لدكتور فلسفة مرموق حول قصيدة (لا أدري ) لإيليا أبو ماضي .
فذهبت إلى المحاضرة ، واستمعت كغيري لشرح الدكتور للقصيدة ،
وبغض النظر عن مستوى العرض الذي قدمه حول فلسفة أبو ماضي ، انتهت المحاضرة وبدأت الأسئلة والمداخلات تُعرض على الدكتور للإجابة والتعليق عليها .
وأحد الأسئلة التي عُرضت على الدكتور كان مضمونها هو : هل وجود الله حقيقة فلسفية أم رأي فلسفي ؟
فضحك الدكتور، وقال : سؤال هام جداً وهو حساس ذو أبعاد ثقافية وفلسفية. وتابع حديثه قائلاً :
إن المنطق الذي يستخدمه من يؤمن بوجود الله ، هو ذاته يصح لنفيه ! وإليكم البيان :
يقول المؤمنون بالله :
إن كل موجود لا بد له من موجد ……مقدمة أولى
الكون موجود …………………..مقدمة ثانية
إذاً لا بد للكون من موجد ………….نتيجة
بينما يقول النافون لوجود الله:
إن كل موجود لا بد له من موجد ……..مقدمة أولى
الله موجود ………………………..مقدمة ثانية
إذاً لا بد لله من موجد ……………….نتيجة
وضحك !! وقال : أرأيتم كيف أن المسألة غير محسومة! فمسألة الإثبات والنفي لوجود الله متساوية فلسفياً ، وبالتالي فالإيمان بالله ليس حقيقة فلسفية ، وإنما رأي فلسفي !.
فتذمر معظم الحضور وجرى بينهم همساً ! ما هذا الهراء الذي يقوله الدكتور !!
فطلبت من المسؤول عن المحاضرة القيام بمداخلة للرد على كلام الدكتور . فأذن لي . واتجهت إلى مكان الكلام، وألقيت السلام وشكرت الدكتور على المحاضرة، والحضور على حسن الاستماع والمشاركة ،ووجهت حديثي إلى الدكتور قائلاً :
كنت أتمنى من الأستاذ المحاضر أن يبدي رأيه الشخصي في هذه المسألة بصراحة ، ولا يترك الحضور يستنبطون رأيه ؛ وعلى كل أنا سوف أناقش الأفكار فقط .
إن المنطق الأرسطي منطق عقيم ، فهو لا يفيد الذكي ولا يفهمه الغبي ، وليس هو إلا إقرار للواقع في حال أصاب الحقيقة ، ولا يمكن أن ينشأ منه علم جديد ، وأي خطأ في استخدام المنطق يوصل إلى خطأ في النتيجة ، وهذا ما حصل مع السيد المحاضر، إذ استخدم المنطق بصورة خاطئة فوصل إلى نتيجتين متناقضتين وظن أنهما صواب منطقياً . والخطأ هو في استخدام كلمة ( موجود ) بقياس النفي المتعلق بالله وليس بالإثبات .
لأن دلالة كلمة ( موجود ) تدل على الشيء الذي وُجِدَ بعد أن لم يكن موجوداً ، مع إمكانية ذهابه .
فعندما نقول : كل موجود لا بد له من موجد . بمعنى أن كل ما يتصف بصفة الإمكان في ظهوره أو غيابه فلا بد له من موجد لا يتصف بصفته وهو مغاير له .
لذا لا يصح وصف الله عز وجل بصفة ( الموجود ) لمحدوديتها وإمكانيتها في الحضور أو الذهاب ، وإنما يتصف الله عز وجل بصفة الوجود اللازم الذي يعبر عنه علماء الكلام بقولهم : واجب الوجود . وهذه الصفة لله عز وجل ثبتت من خلال قاعدة: لا بد لكل فعل من فاعل ضرورة .
وبذلك يظهر لنا خطأ من استخدم المنطق لنفي وجود الله عز وجل ، وذلك حينما دسَّ تحت المقدمة الأولى (لا بد لكل موجود من موجد ) . مقدمة ثانية غير مستغرقة في الأولى ، لأن الله لا يتصف بصفة الموجود ، وبالتالي لم تستغرقه المقدمة الأولى الصواب ، فوصل إلى نتيجة باطلة كما سمعتم .
فوجود الله حقيقة فلسفية وليس رأياً فلسفياً ، وإذا أردنا أن نستخدم المنطق للاستدلال فينبغي أن ننتبه إلى أن تكون المقدمة الأولى صواباً، وأن تكون المقدمة الثانية مستغرقة فيها لنصل إلى نتيجة منطقية . وذلك على الشكل التالي :
– لا بد لكل فعل من فاعل …………مقدمة أولى .
(صواب في الواقع ).
– الكون فعل ……………………مقدمة ثانية.
(مستغرقة في الأولى لأن الكون محدود رغم اتساعه).
– لا بد للكون من فاعل ضرورة……. نتيجة .
(نتيجة منطقية صحيحة موافقة للواقع) .
فصفق الحضور بشدة ، ولم ينتظروا تعليق الدكتور على المداخلة !! وقاموا وانصرفوا !!.
شاهد أيضاً
نقد رفض التعقل
من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …