كراهة المصاحف المجزئة!!

حديثنا اليوم بإذن الله وعونه لن يكون حديثا مباشرا عن بعض آيات الأحكام, وإنما عن حكم متعلق بكتاب الله تعالى كله, وهو تجزئة المصحف!

فمما آسف له ويجب على كل مسلم أن يأسف له, هو أننا جزئنا القرآن وجعلنه عضينا, على الرغم من ذمه سبحانه وتعالى لمن فعل ذلك, فقال:
كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر : 90-93]

فالقرآن كتاب الله تعالى أنزله هداية للناس وشفاءا لما في الصدور, ولكن المشكلة أن بعض المسلمين قسموا القرآن “المقتسمين”, فجعلوا بعض سوره أفضل من أخواتها, وجعلوا سورة كذا تُقرأ لكذا وسورة كذا تُقرأ لكذا!
وهكذا أصبحت بعض سور القرآن أكثر بركة من سور أخرى, لأنه ورد فيها الأثر الفلاني الذي يقول أن تأثيرها كذا وكذا!

وهكذا بقيت بعض السور بدون أن يشتهر الأثر في حقها أو يصح, ومن ثم أهملها الناس, وأقبلوا على التبرك بقراءة بعض السور وتكرارها وحفظها بدون قرب الباقي!

وأدى هذا إلى ظهور بعض المصاحف الصغيرة, التي تشتمل بعض السور مثل الكهف و يس والرحمن والواقعة والملك وبعض قصار السور. والتي كثيرا ما نرى من يحملها ويقرأ فيها في وسائل المواصلات.

ونحن نفتي ببدعية هذه الأجزاء, لأنها جزأت القرآن وفضلت بعضه على بعض وأدت إلى إهمال أكثر سوره وإعراض الناس عنها!

ونحن لا نعارض أن يقسم المصحف إلى أجزاء, كما نرى فعلا في بعض المصاحف التي تتكون من خمسة أو ستة مجلدات, يحتوي كل مجلد منها عددا من أجزاء القرآن!

فلا حرج في هذه المصاحف, أما أن يصبح بعض القرآن بركة وبعضه أقل بركة! أو لا بركة فيه, فهذا ما نرفضه
نرفض أن يقسم القرآن!

نرفض أن يُهمل الهدف الرئيس للقرآن (الهداية وشفاء الصدور) ويُهمل الدور الرئيس للإنسان قبالته( التدبر والتفكر) ويُتمسك بأهداف عرضية فرعية, فما لهذا أنزل الله القرآن.

ونحن لا نحرم هذه المصاحف, وإنما ندعو إلى عدم استعمالها وإلى عدم قبولها ممن يهديها ويوزعها, -وهي غالبا ما توزع صدقة على متوفى!- وتوعيته إلى أن هذا العمل غير صحيح,
وأنه عليه إذا أراد أن يوزع أن يوزع المصحف كاملا! فهناك الكثير من الطبعات الصغيرة الحجم, التي يستطيع كل إنسان أن يحملها في جيبه.

فإذا تصادف وكان الإنسان في مواصلة (قطار, سيارة) وأراد أن يقرأ ولم يكن حافظا, ولم يجد أمامه إلى بعض هذه الأجزاء وأراد أن يقرأ فيها, فلا حرج! ولكن عليه أن يوعي صاحبها ويعرفه ببدعية هذا العمل, والله أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

حول إنكار العقل الغربي ل “النظام الكبير”!!!

في إحدى اللقاءات المطولة على اليوتيوب عن اللغة وفلسفتها، ذكر المتحدث رأي دو سوسير، القائل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.