يتفاخر المسلمون دوما بأنه لا يوجد في الإسلام “رجال دين”, بمعنى عدم وجود طبقة كهنوتية “اكليروس” ذات مكانة دينية مخصوصة, تصدر أحكاما بإيمان وكفر –وإن كان حدث ويحدث-, وأنه يوجد فقط “علماء دين” يستخرجون الأحكام الشرعية!
إلا أن ليس كل من يعمل في المجال الديني وصل إلى درجة من العلم يمكن معها أن يقال أنه عالم, ومن ثم كان هناك دوما من يُعرفون ب: “شيخ, شيوخ, مشائخ”, وهم الذين يكتفون بحفظ القرآن وتلاوته في الصلاة, ونقل أقوال العلماء, وهناك من واصلوا طلب العلم واكتسابه, حتى استحقوا أن يقال بحقهم أنهم “عالم/ علماء”.
وغالباً ما يتخصص واحد هؤلاء في مجال ما من مجالات العلوم الدينية, ويوصف بها, فالمتخصص في الفقه فقيه, وفي الحديث محدث, وفي التفسير “مفسر”, وفي أصول الفقه أصولي .. وهكذا.
ونفر قليل من أساطين العلماء الذين قدموا نتاجا علمياً وفيرا ثقيلاً استحقوا معه أن يُنعتوا بأنهم “أئمة”, لذا فعندما يُسمع كلمة “إمام” قبل عالمٍ ما, فهذا يعني أنه عالم كبير موسوعي متمكن, وهم قلائل في التاريخ الإسلامي.
وبغض النظر عن هذه الأسماء, فإن الناظر في القرآن لا يجد أي اسم من هذه في القرآن بتاتا! ولا يعني هذا أن القرآن لم يذكر اسم “العامل للدين” المعلم للكتاب, فلقد ذكره, ولكنه غُفل وأُعرض عنه تماما وأصبح الآن في أعراف المسلمين “نعت مدح”, يُشار به إلى إخلاص العامل للدين!
وهذا الاسم الذي ذكره القرآن هو اسم واحد قبل الإسلام في نسخته المحمدية وبعدها, وهو:
“الرباني/ الربانيون”
ونجد هذا في آيات ثلاث, هي قول الله تعالى:
“مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران : 79]”
فالذين يعلمون كتاب الله والذين درسوه قبل ذلك سماهم الرب: ربانيين.
وهذا ما جاء عن ابن عباس فيما رواه البخاري في صحيحه: “وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَوْ وَضَعْتُمْ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لَأَنْفَذْتُهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
{كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ”
وهو ما روي كذلك عن ابن عباس في تفسير ابن أبي حاتم: “عن ابن عباس، في هذه الآية (كونوا ربانيين) قال : هم الفقهاء المعلمون”
وكذلك: ” إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء …. [المائدة : 44]”
وكذلك: “لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة : 63]”
والعجيب أننا نجد في إنجيل يوحنا كلمة نُقلت بلغة المسيح وتمت ترجمتها في الإنجيل, وهذه الكلمة هي: “ربوني”, والتي تعني: مُعلم! فعيسى عليه السلام كذلك كان يقال له: ربوني/ رباني!
“قال لها يسوع: يا مريم فالتفتت تلك وقالت له: ربوني الذي تفسيره: يا معلم”
فالحبر والراهب أسماء بشرية اخترعها أتباع الأديان السابقة, كما اخترعنا نحن “شيخ, وآية وحجة”
بينما الرباني هو ما أقره الله وقال أن النبي يأمر عباد الله المتعلمين أن يكونوه, ولذا بدءً من اليوم سأكف بإذن الله على استخدام مصطلح “شيخ” أو “داعية” وابدأ في استخدام المصطلح القرآني:
الربانيون.
وإن كنت سأضطر لابقاء اسم الموقع كما هو, لأنه قد يؤدي تغييري اسمه إلى:
الموقع الشخصي للباحث الإسلامي الرباني عمرو الشاعر
إلى ظن المتصفحين أني أمدح نفسي وقد لا يحاولون تصفح الموقع وقراءة ما فيه!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شاهد أيضاً
نقد رفض التعقل
من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …
كلام سليم جزاك الله خيرا