قديما كنا إذا سألنا إنسانا:
هل أنت “مستعمل”؟!
فإن الإجابة قد تكون: نعم أو: لا.
ولكن يقينا إذا سألنا أي إنسان بالغ:
هل تود أن “تُستعمل”؟
فستكون الإجابة: نعم.
ومن لا يود أن يُستعمل!
بينما إذا سألنا أي إنسان معاصر فإنه سيرفض ويستنكر هذا السؤال!
ويرى أنه إساءة أدب في خطابه!
وهنا سأتوقف لحظة لأبين اختلاف دلالة المفردة بين العصورة والثقافات
(وكذلك أهمية “حسن” اختيار الألفاظ للتعبير عن المعاني المرادة) بما يتناسب مع ثقافة المخاطَب:
المألوف أن “المستعمل” هو القديم المستخدم مقابل المنتج الجديد.
والإنسان يشعر بالإهانة إذا قيل إنه “مستعمل”! وذلك لأن التعبير يُشعره بالتسليع/ التشييء
(وهناك بعض المناطق في مصر تستخدم المفردة مع: المرأة, بمعنى أنها ليست بكراً!!!)
فإذا نظرنا في العربية غير الحديثة وجدنا أن مفردة “الاستعمال” تعني “طلب العمل”, وكان الناس يطلبون من الأمراء أن يستعملونهم أي أن يُسندوا إليهم عملاً يمارسونه!
وقرأنا في التراث تعبير: عمال عمر الفاروق على الولايات المختلفة.
وكان المقصود بهم: الحكام أو الولاة.
وأي عمل في الدنيا هو نوع من الاستعمال, فالشاب بعد أن يُنهي دراسته -وقديما بعد أن يصل لسن معينة- يكون تطلعه أن يُسند إليه الكبار عملاً يستطيع أن يتكسب منه ويبرز فيه مهارته.
(فالشباب لا يخترعون الأعمال, وإنما هم يتطلعون في مراحلهم الأولى أن يُسند إليهم العمل, وفيما بعد قد يفكرون في الاستقلال أو لا يرون في عملهم التابع لآخر أي حرج)
وفي عصرنا هذا أصبح مألوفا أن يُعرف الشاب بمهاراته وإمكاناته في السيرة الذاتية (السي في) وهو يتقدم لطلب العمل (الاستعمال) بل ويقبل أن يعمل بلا مقابل لفترة لكي يُستعمل بأجر فيما بعد.
ولا يقتصر الأمر على الشباب, بل الإنسان -ذكرا كان أو أنثى- منذ الطفولة, يريد أن يُسند إليه دورٌ يقوم به, حتى يشعر بأهميته وأنه ليس هملاً أو عطلا!
وليست مشكلة الناس أبداً في “استعاملهم”, وإنما مشكلتهم دوما في شروط هذا “الاستعمال”:
ساعات العمل, الأجر المقابل, درجة الاحترام, المنظور الاجتماعي للعمل!
والمشكلة الحقيقة عندي هي فيمن “يستعمل” الناس تبعا للمعنى المعاصر وليس القديم, أي ذلك الذي يتعامل معهم باعتبارهم أشياء أو آلات!
ولا يقتصر الأمر على أصحاب العمل بل يتعداه أحيانا إلى بعض الأزواج الذي ينظرن إلى زوجاتهم على أنهن “أشياء”!
فدورها أن تخدمه وتلبي احتياجاته، بينما يغفل تماما عن احتياجاتها.