الشتات

أكثر ما يعاني منه إنسان العصر الحديث -بما فيهم أنا- هو:
التشتت
على كل المستويات

فعلى المستوى الفكري, هناك الكثير والكثير من الآراء والنظريات الحديثة التي ظهرت -وتظهر- والتي يمكننا القول أنها تشكل تصورا جديدا للعالم وللحياة, وكثيرٌ منها مخالف لما عرف ولما رُبي عليه, ومن ثم فهو مشتت بين القديم والجديد في عالم الأفكار والعلوم!
فبم يتمسك من الماضي وماذا يترك وماذا يأخذ من الحديث وماذا يرفض؟!!

وعلى مستوى الترفيه والتمتع, لم تعد “الرفاهيات” والمتع غائبة أو صامتة, وإنما أصبحت متراقصة ناطقة, تدعوه إليها, وتبدي له محاسنها, والإنسان محتار ماذا يختار!! فالإنسان محتار ماذا يشاهد على الشاشات وماذا يترك
وماذا يأكل وماذا يلعب وماذا يلبس وماذا وماذا ..

وعلى المستوى العملي نراه مشتتا بين الكثير من الأدوار
التي “ألزم” نفسه -أو أُلزم- أن يقوم بها!
ووقته وجهده وتركيزه لا يكفون بأي حال للقيام بهذه الأدوار
طيلة الوقت يجري .. ويعدو .. لاهثا!!!
فيترك بعضها وينسى أخرى ويُقصر في ثالثة
ويقف عاجزا أمام رابعة لا يعرف كيف يتعامل معها
ويتمرد على غيرها رافضا القيام بها!

ومن ثم فهو
كمن يرقص على الحبال, يقفز بين هذا إلى ذاك
ومن ذاك إلى شبيهه
طلبا للاختيار الأمثل .. للوصول إلى القمة!
وهكذا أصبحت كثرة الاختيارات عذاب!

وعلى مستوى المشاركة المجتمعية, تراه مشتتا بين “المشاركة الافتراضية” في مواقع الانترنت وبين المشاركة الفعلية على أرض الواقع بين الأهل والأصدقاء والجيران والمعارف.

إنني أذكر أن من أكبر أسباب رفضي للسفر إلى ألمانيا كان هو:
البساطة
أني أريد أن أحيا حياة بسيطة غير معقدة
والحياة في ألمانيا جد معقدة ولن أسافر إلى هناك لأستريح
وللأسف لم استطع الراحة في قريتي
لأنني قبلت التلبس بأسلوب الحياة -الزفت- العصري
ولا أزال ككثير منكم أعاني:
الشتات

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

الأدب مع الله

سبحانك ربنا المتعالتباركت ربنا الكبيرجلت عظمتك يا عزيزمتفرد أنت بوحدانيتكمتكبر أنت عن كل مثلبةلك الكبرياء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.