نقاط الإلتقاء بين التراثيين التقلديين والإستشراق

قد يتعجب البعض من الربط بين الإستشراق و المشايخ التقليديين لكن القاسم المشترك بينهما الإنطلاق من التراث التاريخي لا من الوحى و عدم الربط و المعايرة بين التراث الفقهي و التاريخي و بين القرآن كنص معياري حتى مقاربة القرآن و أستثني هنا الإستشراق المتخصص في دراسة القرآن لكنهم لا يتعاملون مع النص و المحتوى لكن التركيز أكثر على تاريخ تشكل النص و جذوره التاريخية كنص من العصر القديم المتأخر. كلا الفريقين لا يقارب النص بشكل مباشرا الا من خلال أعمال التفسير التي لها مثالب كثيرة.
ومن جانب أخر التركيز على علماء المسلمين القدماء من كبار الفقهاء و المفسرين والأصوليين دون الاعتبار بالمعاصريين أو شعور الأساتذة المشايخ المعاصرين أنهم ليسوا على مستوى أعلام العلم و اساطير الفقه و الحديث. أظن لو عقد دراسة عن المراجع التي يستشهد بها الباحث الغربي في الدراسات الاسلامية من علماء من القرن ال20 أو ال21 تكون قليلة أو نادرة الا اذا كان باحثا عربيا مسلما في جامعة غربية!
إعجاب الطرفين بمنهج الرواية فبعض المستشرقين في دراسة القرآن و تاريخه يعتمد على كتب أسباب النزول و القراءات و السير و المغازي على الرغم أنه يعرف وفقا لمنهج النقد التاريخي بها عوار في ثبوتها لكنه تصادف هوى في نفس الباحث فيسعد جدا بالروايات المتضاربة عن متى بدأ تدوين القرأن أو أن الشاة أكلت بعض آيات القرآن دون أن يتحقق من الرواية و كذا الأمر عن مصحف بن مسعود و مصحف ابي ابن كعب رضى الله عنهما و أن هناك اختلاف بالزيادة و النقصان فتروق تلك الروايات الغثة التي كتبت بعد الأحداث بقرنين و اغلبها لم يخضع حتى لقواعد المحدثين فيكتب المستشرق الأمريكي شيان أنتوني أن المصحف العثماني حل وسط بين مصحفي ابي بن كعب الذي به سورتي الحفد و الخلع ( وهى دعاء القنوت) او مصحف ابن مسعود المحذوف منه الفاتحة و المعوذتين رغم أن قراءة حفص عن عاصم في سندها ابن مسعود!
و اخواننا من أهل التراث يتشبثون بتلك الروايات التي تطعن في دينهم و عصمة كتابهم بكل سعادة و حماقة و اذا قلت لهم كيف تقبلون بهذا الكلام يقول لك هذا البرهان للزركشي تقول له هذا رجل من القرن الخامس الهجري او الاتقان للسيوطي و هو متاخر جدا و صولا للزرقاني في القرن العشرين. فأتي باحث لبناني مستشرق مثل شادي ناصر ليعلق على ثغرات هذا التراث و بثبت من الروايات المضطربة عن تواتر قراءات الكريم و يبن الاختلافات و يقول الخلاف واضح في الروايات المقبولة عند المسلمين بل قامت القراءات السبع و العشر بل الاثنين و خمسين و يخرج بإستناج عظيم أن هناك مصحف قبل مصحف عثمان و يتشهد بالخلاف الذي دار بين أبناء بعض الصحابة من حرق سيدنا عثمان ابن عفان مصاحفهم فالظن هنا ليس في صالح المتهم بل في صالح الباحث الأكاديمي الغربي فقبول التراثيون منهج الرواية على علاته دون نقد و احتافئهم و دفاعهم المستميت يصب في خانة المستشرق الطاعن في دينهم. و هم سيقومون برفع عقيرتهم ضد الاستشراق و لكنهم يحتفون معه بتلك المروريات.
أذكر كنا في ويبينار اول ندوة نظمتها مؤسسة البيت العربي و كانت هناك مستشرقة اسبانية تدعى ديلفنا سيرانو أستاذة في قسم الدراسات العربية و الاسلامية تتحدث عن الرجم فتدخلت سائلا هناك علماء رفضوا الرجم مثل طه جابر العلواني فردت بأن هذا اجماع الفقهاء و هذا نفس هجوم التقليديين على العلواني بسبب أنه نقد أحاديث الرجم من حيث السند و المتن بل علق أن الرجم شريعة يهودية و ان نص الشيخ و الشيخه الريك الذي يزعم أنه منسوخ تلاوة و بقى حكما أن اصله في التوراة! مع ان المستشرقين صدعونا من زمن ابراهام جايرجر الألماني اليهودي الأصل بان محمد اقتبس من اليهود و ابتدع نحلة الاسلام هذة و هناك الأخر الاهوتي المسيحي أرثر جيفري من صدعنا بالجذور المسيحية للقرآن و أكادميين من شاكلة جبرييل سعيد رينولدز الماروني الأصل أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة نوتردام الكاثوليكية الأمريكية.
حادثة أخرى تتعلق بالشيخ العلواني رحمه الله حيث كنت أشارك بكلمه في جامعة لوزان السويسرية عن مشروعه الاصلاحي و ذكرت اما جمع من المستشرقين و طلبة الماجستير و الدكتوراة فذكرت لهم أن الرجل أثبت أنه لا يوجد حد للردة و أنه فحص إسناد الحدث من 230 طريقا و أن كل مدارات الرواة مدلسين لم يصرحوا بالسماع وفقا لقواعد المحدثين.
فكانت الدهشة علة وجوه الحضور و بعد أن انتهيت طالبت كبيرة الباحثين في الدراسات الاسلامية في اسبانيا ماريبيل فييرو بيو قالت أنا لا أعرف هذا العلواني يذكرني بابن حزم و لكن ألم تشك بأن العلواني لفق منهجه لرد تلك الأحاديث لأنها غير أخلاقية! دائما يشكو الغرب من عنف الاسلام و يضرب الرجم و الردة كأمثلة عن الوحشية و أنه لا بد من تأويل النصوص و حين جاء عالم مجدد أصولي أزهري مسلم محقق و نقد تلك الروايات لم يعجبوا بهذا، بل هناك أحد الطلبة سأل ما أذا كان مشروع العلواني مشروعا علمانيا و هى نفس اتهامات بعض السلفيين (الذين ثارت حفيظتهم بعد كتابة العلواني رحمه الله لكتابه المثير للجدل اشكالية التعامل مع السنة النبوية)والتراثيين الجامدين المستعدين لضياع الدنيا و الدين في مقابل الحفاظ على مقولات تراثية غثة حتى لا يقال أن الامام العلامة الفاهم الفهامة فلان الفلاني أخطأ.
خلاصة القول التراث الذي دار حول القران الكريم من الحديث، تفسير، كلام، علوم قرآن، به ثغرات منهجية هائلة بل كارثية تحتاج الى بحث علمي نقدي جاد لكن العجب العجاب نجد أن التراثيين و المستشرقين متمسكين بالروايات المسيئة التي تطعن في الاسلام بحجة الاجماع و أن هكذا كان التطبيق التاريخي و من قال أن فهم هؤلاء كان صحيحا و هو يتصادم مع ثوابت القرآن المجيد.
و الله أعلم
بقلم أحمد أمير

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

حول الزمان المركب

هل يمكن السفر إلى المستقبل أو العودة إلى الماضي؟!اختلفت الإجابات لهذا السؤال بين مثبت ونافٍ، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.