الصراط المستقيم

سأل الأخ عبدو عن الصراط المستقيم, فقال:
“هل يمكن ان يكون الصراط المستقيم المذكور في سورة الفاتحة هو التالي ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (152) وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (153) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام” ا.هـ

فنقول: للإجابة على هذا السؤال كان لزاماً علينا أن نحدد أولاً معنى الصراط في اللسان, فلا يقنعنا أن يقال أن الصراط هو الطريق! ولو كان هو الطريق لقيل الطريق! فما الاختلاف بين الطريق والصراط؟!

وردت كلمة “صراط” في القرآن 45 مرة معرفة ومنكرة, فلما نظرنا في معاجم اللغة مثل لسان العرب ومقاييس اللغة لنتخذها منطلقاً في فهم الكلمة, ألفيناهما يقولان أن كلمة “صراط” من المقلوب وأن أصلها “سراط”, فلما بحثنا عن “سرط” وجدنا ابن منظور يقول في اللسان:

“سَرِطَ الطعامَ والشيءَ، بالكسر، سَرَطاً وسَرَطاناً: بَلِعَه، واسْتَرَطَه وازْدَرَدَه: ابْتَلَعَه، ولا يجوز سرَط؛ وانْسَرَطَ الشيء في حَلْقِه: سارَ فيه سيْراً سهْلاً.

والمِسْرَطُ والمَسْرَطُ: البُلْعُوم. الصاد لغة. …….. والسِّراطُ: السبيل الواضح، والصِّراط لغة في السراط، والصاد أَعلى لمكان المُضارَعة، وإِن كانت السين هي الأَصل ….. قال: وهي بالصاد لغة قريش الأَوّلين التي جاء بها الكتاب، قال: وعامة العرب تجعلها سيناً، وقيل: إِنما قيل للطريق الواضح سراط لأَنه كأَنه يَسْتَرِطُ المادّة لكثرة سلوكهم لاحِبَه” اهـ

وكما رأينا فابن منظور يقول أن الصراط هو الطريق الواضح, وقال بقوله بعض الكتاب في زماننا هذا, فقال:
“الصراط هو على وزن *فعال بكسر الفاء* وهو من الأوزان الدالة على الاشتمال كالحزام والشداد والسداد والخمار والغطاء والفراش، هذه الصيغة تدل على الاشتمال بخلاف كلمة الطريق التي لا تدل على نفس المعنى.

الصراط يدل على انه واسع رحب يتسع لكل السالكين, وقال الزمخشري في كتابه الكشاف : الصراط من صرط كأنه يبتلع السبل كلما سلك فيه السالكون وكأنه يبتلعهم من سعته ” اهـ

وهو قول فيه كبير نظر, فلو كان الصراط هو الطريق الواضح, لما كان ثمة حاجة للدعاء أن يهدينا الله إياه! فمن المفترض أنه يُرى قبل غيره, فإذا لم يُدرك الطريق الواضح فهل يدرك الطريق الصغير الغير واضح؟! ثم ما المزية في إدراك الطريق الواضح وما فضله على غيره من الطرق؟!

(والعجيب أن من يقولون بهذا القول يقولون أن هناك “صراط” في الآخر يُضرب على ظهر جهنم أحد من السيف وأدق من شعر الرأس! ولست أدري كيف تستقيم السعة والوضوح مع هذا الشيء الدقيق؟!!!)

وفرّق الإمام أبو هلال العسكري رحمه الله في كتابه الفروق اللغوية، ص 334
بين “الصراط والطريق والسبيل”, فقال:
“الصراط هو الطريق السهل قال الشاعر:
حشونا أرضهم بالخيل حتى تركناهم أذل من الصراط
والذل خلاف الصعوبة ليس من الذل خلاف العز، والطريق لا يقتضي السهولة
والسبيل: اسم يقع علاما يقع عليه الطريق، وعلى ما لا يقع عليه الطريق،
تقول سبيل الله وطريق الله، وتقول سبيلك أن تفعل كذا، ولا تقول: طريقك أن تفعل كذا، ويراد به سبيل ما يقصده فيضاف إلى القاصد، ويراد به القصد، وهو كالمحبة في بابه والطريق كالإرادة” أهـ

ونحن نتفق مع الإمام العسكري في مسألة السهولة هذه (فهي ملحوظة كذلك في لسان العرب), إلا أننا لمّا نظرنا في كتاب الله لم نجدها هي النقطة الرئيسة, وإنما وجدنا أن الصراط هو: الطريق الموصل إلى غاية.

فقد يسير الإنسان في طرق كثيرة, واسعة وضيقة, واضحة وخفية, ولكنها لا تؤدي به إلى مراده! ولا يعني كونه على أحدها أنه سيصل إلى مبتغاه, فقد يسير ويسير ويسير ولا يصل إلى شيء.

أما مجرد كون الإنسان على الصراط فهذا يعني أنه واصل لا محالة فهو على الطريق السليم, (ولهذا لم يرد “الصراط” إلا مفرداً في القرآن فلم يأت جمعاً) كما أن هذا الصراط مستقيم, لا عوج فيه, ومن ثم فهو أقرب طريق بين نقطتين, وأسرع الطرق للوصول إلى الغاية.

(لاحظ أن البلعوم “مسرط” لأنه ينقل الطعام إلى غايته, وهو ليس طريقاً واضحا ولا واسعاً, وإنما موصل إلى الغاية, ومن كلمة سرط جاءت كلمة “زلط” العامية المصرية, التي نستعملها إشارة إلى سرعة ابتلاع الطعام.
كما ندعو القارئ إلى أن يقارن بين معنى: صرط وضرط)

واستخرجنا هذا المعنى من خلال نظرنا في الآيات التي ورد فيها الصراط, وأهم هذه الآيات التي أشارت إلى هذا المعنى قوله تعالى:
” وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [النحل : 76]”

فهنا مقارنة بين رجل لا ينطق وأينما يُوجه لا يأت بخير, وآخر يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم, ولو كان المراد مجرد الطريق المستقيم فلا معنى للاختلاف, بينما يظهر التباين إذا كان هذا يأمر بالعدل وعلى الطريق المؤدي إلى الغاية المرادة, كما أنه قرن بالضلال كنقيض له:

وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الأنعام : 39]
كما أن النبي يؤمر بالتمسك بما أوحي إليه لأنه على الطريق الموصل, وليس على مجرد طريق مستقيم:
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الزخرف : 43]

فإذا كان الصراط هو الطريق الموصل إلى الغاية, فما المراد منه في القرآن؟
ننظر في الأقوال القديمة والحديثة في القرآن (غير تلك التي تقول أنه جسر على ظهر جهنم) لننظر هل تتفق مع القرآن:
نجد أن الحاكم يروي في المستدرك ج 2 ص 258 : –
عن أبي وائل عن عبد الله في قوله عز وجل: الصراط المستقيم قال: هو كتاب الله.
وكذلك: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: الصراط المستقيم هو الإسلام وهو أوسع ما بين السماء والأرض .
وكذلك: عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (الصراط المستقيم) قال : هو رسول الله صلى الله عليه وآله وصاحباه . قال فذكرنا ذلك للحسن فقال صدق والله ونصح والله هو رسول الله صلى الله عليه وآله وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

ونتوقف مع هذه الأقوال, فهل كتاب الله هو الصراط المستقيم (كما هو مشهور في الأدبيات الإسلامية)؟
نجد أن الله يقول في كتابه:
قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [المائدة : 16]

فالكتاب يهدي إلى صراط مستقيم, ومن ثم فالكتاب غير الصراط, وكذلك يقول:
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [سبأ : 6]
فالكتاب هو الحق ويهدي إلى صراط ومن ثم فهو ليس الصراط, ناهيك عن أنه من غير المعقول أن ندعو الله أن يهدينا القرآن! فكيف نُهدى القرآن؟!

كما أنه يقول عن النبي (ص):
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الشورى : 52]
ويقول: وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [المؤمنون : 73]
فالنبي يدعو إلى صراط مستقيم, ومن ثم فهو غير الصراط المستقيم, كما أنه نفسه هُدي إلى صراط مستقيم:
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام : 161]
(وسنتوقف لاحقاً مع القول بأن الإسلام هو الصراط المستقيم)

والنبي والكتاب يخرجان الناس من الظلمات إلى النور وإلى صراط الله:
الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم : 1]
ومن ثم فهما غير الصراط المستقيم (ولا مجال للحديث هنا عن أبي بكر وعمر), وهناك من قال أن الصراط هو إتباع النبي, وهو قول بعيد لأن الله تعالى ” وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ …[الأنعام : 153]”, ومن غير الممكن أن نؤمر بإتباع الإتباع, ناهيك عن أن نُهدى إليه, ولا يعني هذا أن الاتباع ليس “صراط مستقيم”:

وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [الزخرف : 61].
فإذا نظرنا في الآيات التي ورد فيها الصراط المستقيم لنستخرج منها تصوره, وجدنا الرب يقول:
“سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [البقرة : 142]”
فاعتبرت الآية التوجه إلى القبلة الجديدة هداية إلى صراط مستقيم.
وكذلك:
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [البقرة : 213]
فاعتبرت الآية الاهتداء إلى الحق المختلف فيه هداية إلى صراط مستقيم.
كما أن آيات اعتبرت عبادة الله “صراطا مستقيما”:
إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [آل عمران : 51]
ثم تأتي آية آل عمران والتي تعلن صراحة أن فعلاً بعينه يعني الهداية إلى صراط مستقيم, وهو: الاعتصام بالله:
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [آل عمران : 101]
وتؤكد آية أخرى نفس المعنى:
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً [النساء : 175]
والتوكل على الله كذلك:
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [هود : 56]
ولقد قدم الإمام جعفر الصادق تصوراَ جيداً ل “صراط مستقيم” فقال -كما جاء في عيون أخبار الرضا ( ع ) – الشيخ الصدوق ج 2 ص 273- :
قال جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام في قول الله عز وجل : ( اهدنا الصراط المستقيم ) قال : يقول : أرشدنا إلى الطريق المستقيم أي أرشدنا للزوم الطريق المؤدى إلى محبتك والمبلغ دينك والمانع من أن نتبع أهوائنا فنعطب أو نأخذ بآرائنا فنهلك .” اهـ

كما أن فعل المأمور به يؤدي إلى الاهتداء إلى الصراط:
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً…… وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً [النساء : 68]
كما أن صراط الله قرين للنور:
” الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم : 1]”

فالناس ستُخرج من الظلمات إلى النور وإلى الطريق الموصل إلى العزيز الحميد بالكتاب, وآية المائدة تقول بنفس المعنى:
” يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [المائدة : 16]”

والسؤال المهم الذي يجب أن نسأله:
هل “صراط مستقيم” هو نفسه “الصراط المستقيم”؟!
نقول: الناظر في كتاب الله يجد أنهما مختلفان فالمعرف أعم من المنكر, ف: “صراط مستقيم” هو صراط الله:
” وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ [الشورى : 53]”

وإذا كان “صراط المستقيم” هو الطريق الموصل إلى الله, فإن السير تبعاً لأوامر الله والتوكل عليه وعبادته هي أفضل الطرق التي توصل الإنسان إلى هدفه, لأن ناصية الإنسان تعتبر في يد الله يوجهها إلى الخير ” إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [هود : 56]”

ومن ثم فإن هناك أكثر من شيء يمكن أن يكون “صراطاً مستقيما” إلى الله, وليس شيئاً واحداً.

أما “الصراط المستقيم” (والذي لم يأت معرفا إلا في موضعين اثنين) فنلاحظ أن الله تعالى لم ينسبه إلى نفسه, وإنما نسبه إلى “الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين”, وأتى في الموضع الثاني مع سيدنا موسى وهارون غير منسوب إلى شيء: ” وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الصافات : 118]

ومن ثم يمكننا القول أن الصراط المستقيم في سورة الفاتحة هو صراط المنعم عليهم من قبلنا, أي أننا ندعو الله العليم أن يهدينا الطريق الذي سار عليه السابقون فوصلوا بإنعام الله, أي أن نكون امتداداً للمؤمنين أتباع الرسالات السابقة, فنسير على ما ساروا عليه وينعم علينا كما أنعم عليهم فنصل إلى ما وصلوا إليه, ويجنبنا الله أن نكون من الضالين.
وبهذا نرى أن تعريف الشيخ محمد أمين شيخو للصراط المستقيم:

“فملخّص القول: أن الصراط المستقيم هو طريق الإنسانية، حيث أن النفس المستشفعة بنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، تستأنس بالله وتشتق منه تعالى صفات الكمال ويستأنس بهذه النفس كل إنسان ومخلوق لما نالت من صفات الرحمة والعطف والحنان والحب الإلهي وفاضت بها على من حولها. إذن الصراط المستقيم: هو طريق الإنسانية الحقيقية بأسمى معانيها الذي لا ريب فيه ولا انحراف عن الكمال والخير العميم.” اهـ

كلام إنشائي لا محل له من الإعراب, لا يستند إلى كتاب الله وإنما إلى تصورات في ذهنه, فنحن لا نطلب اتباع الرسول وإنما السير على خطى المهتدين من الأمم السابقة.
والله أعلى وأعلم.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

حول إنكار العقل الغربي ل “النظام الكبير”!!!

في إحدى اللقاءات المطولة على اليوتيوب عن اللغة وفلسفتها، ذكر المتحدث رأي دو سوسير، القائل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.