نظرات جديدة حول الطير والجبال!

كان الأخ أحمد الغافري قد طرح بعض الأسئلة منذ فترة, وتأخرنا في الرد لانشغالنا, وقد نظرنا فيما سأل, ونرجو أن يجد في الإجابة ما يشفي الصدر:

أول سؤال كان: ما علاقة المٌلك بالطير والجبال، {إنا سخرنا الجبال معه يسبّحن بالعشي والإشراق، والطير محشورة كل له أواب… وشددنا ملكه؟!.

نقول: الجبال والطير المذكورات في الآية هي من باب تعداد نعمة الله تعالى واسع الخزائن على عبده داود, بجانب الملك, ونضع الآية في سياقها لنخرج بصورة صحيحة:

“أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنْ الأَحْزَابِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَالَهَا مِنْ فَوَاقٍ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ ٌاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ “

لاحظ أن الجبال سخرت مع سيدنا داود, ولم تسخر له, فالجبال, والتي هي رمز الصلابة والغلظة والتي هي أوتاد الأرض, والطير كن يسبحن مع سيدنا داود وكذلك كن يأوبن معه, والتأويب هو الرجوع, كما جاء في اللسان:
الأَوْبُ: الرُّجُوعُ. آبَ إِلى الشيءِ: رَجَعَ، …… وفي حديث النبي، صلى اللّه عليه وسلم: أَنه كان إِذا أَقْبَلَ من سَفَر قال: آيِبُونَ تائِبُون، لربنا حامِدُونَ، وهو جمع سلامة لآيب. وفي التنزيل العزيز: وإِنّ له عندنا لَزُلْفَى وحُسْنَ مآب أَي حُسْنَ الـمَرجِعِ الذي يَصِيرُ إِليه في الآخرة. قال شمر: كُلُّ شيء رجَعَ إِلى مَكانِه فقد آبَ يَؤُوبُ إِياباً إِذا رَجَع. أَبو عُبَيْدةَ: هو سريع الأَوْبَةِ أي الرُّجُوعِ”

اه فلقد كان سيدنا داود كثير الرجوع إلى الله عزوجل, وكثير الذكر له لتعلقه به, فكلما انشغل عنه بأي شغل, يقطع نفسه عنه ويهرع إلى العبادة. ولقد قال السادة المفسرون أن تأويب الجبال والطير كان بالتسبيح مع سيدنا داود الأواب, وكذلك كل جبل وطير كان أواب لسيدنا داود عليه السلام! فكيف يكون هذا التأويب, والذي هو رجوع وليس ترجيع؟!

قد يتصور القارئ حدوث التأويب, أي الرجوع, من الطير, فهي تسبح في السماء ثم تأوب إليه, عندما يُأوب فتُحشر له, أما كيف تأوب الجبال وهي لا تتحرك؟

الذي نعرفه أن الجبال ليست ثابتة وإنما راسية, والرسو هو ما نعرفه للسفن من ثبات على سائل, مع وجود حركة بسيطة! وهذا ما كانت الجبال تفعله, فلقد كانت تتفاعل مع تسبيح سيدنا داود عليه السلام حتى أنها كانت تتحرك هذه الحركات البسيطة, وبذلك كانت الجبال مثل الطير أوابة, ولكن في حدود ضيقة!

أما فائدة حشر الطير لسيدنا داود عليه السلام, فهي أنها بمثابة سلاح لم يتوفر لغيره أو لأحد قبله, وهو السلاح الجوي, وتصور أن جيشا كاملا من الطيور يهجم مع جيش على آخر, فلقد كان هذا السلاح نقطة تفوق كبيرة لسيدنا داود عليه السلام, وابنه سليمان من بعده, والذي أُمد بأسلحة أخرى!

وأعتقد أنه كان هناك فيلم لمخرج الرعب الشهير ألفريد هتشكوك اسمه الطيور, والذي كان يحكي هجوم طيور على مدينة, على ما أعتقد فأنا لم أشاهد الفيلم!, وكيف تحولت حياة سكان هذه المدينة إلى جحيم لا يطاق! إذا فلقد فهمنا ما علاقة الطير بشد الملك, ولك أن تستنتج من خلال ما قلنا علاقة الجبال بشد الملك!

ثانيا: ما علاقة “الطير” بالمنطق والكلام عُلّمنا “منطق الطير”.. وأوتينا من كل شيء, فلم يقدمها الملك النبي على كل شيء؟! ولِمَ يخلق “كلمة” الله ابن مريم كهيئة “الطير”…. من الطين، والطين “جبْل” الماء والتراب؟.

المشتهر في تفسير “منطق الطير” بأنها بمعنى لغة أو لسان الطير, وأن سيدنا سليمان كان يستطيع أن يتحدث بجميع ألسنة الحيوانات!
ولكن لنا أن نتوقف لنعرف, إذا كان هذا ما يقوله القرآن, أم أنها إضافات من عند أنفسنا: الناظر في حديث الله تعالى عن نعمه على عبده سليمان, والتي امتاز بها, يجد أنه يذكر نعمتين فقط, وهما الرياح والشياطين (الجن):

فإذا نحن نظرنا في سورة ص, وجدناها تقول: “قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ” 
فكما رأينا فموطن تميز سيدنا سليمان, والذي أوتي به ما لا ينبغي لأحد من بعده هو الريح والشياطين, ويتكرر هذا المعنى في سورة الأنبياء, فنجدها تقول:
“وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماًوَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ.”

فالريح ما سخرت إلا لسيدنا سليمان عليه السلام, لوجود التقديم الذي يفيد الحصر! ويتكرر نفس المعنى في سورة سبأ, فنجدها تقول:
” أَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنْ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌوَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنْ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ”

ونلحظ الدقة في التحديد القرآني, فعندما تحدث عما يختص به قدّم فقال: ولسليمان الريح, وعند الحديث على ما لا يختص به أتى بالجملة في ترتيبها المألوف, فقال: وأسلنا له عين القطر, ولم يقل: وله أسلنا عين القطر!

إذا وكما رأينا فإن الله تعالى يذكر ما اختص به سليمان عليه السلام وهو الريح والشياطين, ولم يذكر أبدا أي مزية أخرى اختص بها!

وعلى هذا فيجب أن نفهم أن النعمة الواردة في سورة النمل, والتي هي تعلم منطق الطير, نعمة أوتيها سيدنا سليمان وأبوه من قبله, وأوتيها وسيؤتاها من بعده البشر, وليست خاصة به, وننظر في السياق,
فنجد أن الله تعالى يقول: “وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ”

فالآية تقول أن سيدنا سليمان يقول: علمنا منطق الطير, ولم يقل: علمت منطق الطير, أو علمنا منطق الدواب! وإنما قال الطير فقط, وذلك لأنه ورث هذه المسألة عن أبيه, والذي حُشرت الطير له! فكذلك حشرت لابنه من بعده لتعلمه منطق الطير!

وهذا المنطق ليس هو النطق أو الكلام بحال! والآفة في تعامل السادة المفسرين مع النصوص هي الأخذ بالشبه! ف: منطق مشتقة من نطق, إذا فهي مصدر بنفس المعنى! ونتوقف مع هذه الكلمة لنحدد معناها: منطق على وزن مفعِل من نطق! ووزن مفعل يُصاغ منه اسم الزمان أو المكان ولا يكون أبدا بمعنى المصدر, وتتبع الكلمات على هذا الوزن فلن تجدها أبدا مصدر! لذا فمن المنطقي ألا نفهمها على المصدرية!

وننظر في معنى نطق لنحدد منه المعنى المراد من “منطق”, فإذا نظرنا في مقاييس اللغة وجدنا ابن فارس يقول:
“النون والطاء والقاف أصلانِ صحيحان: أحدهما كلام أو ما أشبهه، والآخَر جنسٌ من اللِّباس.الأوَّل المَنْطِق، ونَطَق يَنطِق نُطْقَاً. ويكون هذا لما لا نفهمه نحن. قال الله تعالى في قِصّة سليمان: عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْر [النمل 16].

والآخَر النِّطاق: إزارٌ فيه تِكَّة. وتسمَّى الخاصرة: الناطقة، لأنَّها بموضع النِّطاق. ويقال للشَّاة التي يُعْلَمُ عليها في موضِع النِّطاق بحُمْرَة: منَطَّقة. وذات النِّطاق: أكَمَةٌ لهم. والمِنْطَق كلُّ ما شَدَدتَ به وَسَطك. والمِنْطَقة اسمٌ لشيء بعينه. وجاء فلانٌ منتطِقاً فرسَه، إذا جانَبَه ولم يركبْه، كأنَّه عِندَ النِّطاق منه، إذْ كان بجَنْبه. ……” اهـ

إذا فال: نطق يكون بمعنى إخراج الصوت, بشكل مفهوم أو غير مفهوم, بخلاف الكلام أو القول والذي لا يكون إلا مفهوما, وهذا ما نجده في القرآن: “قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُون َفَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَاهَؤُلاءِ يَنطِقُونَ“, وكذلك في قوله: “وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ”,

وفي قوله: “حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ”

ولكنها أساسا بمعنى أشمل من ذلك, بدليل الأصل الثاني الذي ذكره ابن فارس, ولم يكن دقيقا فيه! فال نطق–كما نرى- أصل يدل على التحريك والاطلاق!
–لاحظ الشبه بينها وبين نتق, والتي سنعرض لها بعد سطور-
وتوصلنا إلى هذا المعنى من خلال النظر في معنى الأصل الثنائي: نط, وما يلحقه من حروف, ومن خلال تقليبات الكلمة المختلفة, ومن أفضلها في التحديد معكوس الكلمة: “قطن”, والتي هي بمعنى السكون والاستقرار, كما جاء في المقاييس: “القاف والطاء والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على استقرارٍ بمكان وسكون. يقال: قَطَن بالمكان: أقام به. وسَكَنُ الدّارِ: قطينُهُ. ومن الباب قَطِينُ المَلِك، يقال هم تُبّاعه، وذلك أنّهم يسكنون حيثُ يسكن” ـ فيكون معنى النطق: هو التحريك والانطلاق!


وعندما تكلم سيدنا سليمان عن تعلمهم منطق الطير, فهو يتكلم عن معرفتهم بنقطة انطلاق الطير وتحريكه, من أين يأتون الطائر فيجعلونه يتحرك ويفعل ما يريدون, أي أنهم عرفوا كيف يروضون الطيور! فيسخرونها في خدمتهم كما يشاءون, من حمام زاجل إلى هجوم على الأعداء, … إلخ.

وليست هذه المسألة كما قلنا من اختصاصات سيدنا سليمان, لذا لم تُذكر إلا مرة واحدة, بخلاف الريح والشياطين, أما لماذا ذكرها سيدنا سليمان قبل كل شيء, فالله أعلم, فلربما قالها ليبين لقومه أنه سيسير على نفس النهج الذي صار عليه أبوه, وأن لديه ما كان عند أبيه!

وهنا يُطرح سؤال: إذا كان المنطق ليس بمعنى الكلام, فكيف فهم سيدنا سليمان النملة؟ ونجيب بسؤال مماثل: وإذا كان سليمان يفهم كل لغات الحيوانات, فلم قال: علمنا منطق الطير ولم يقل: علمنا منطق الدواب, فهذا أكثر في المهابة؟!
أما لماذا يخلق كلمة الله ابن مريم من الطين كهيئة الطير,
كما جاء في قوله: “وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”
فنقول: الله أعلم, ولكن من الممكن أن يكون هذا إشارة منه لبني إسرائيل أن الله تعالى يخلق بالكلمة, وأنه –عيسى عليه الصلاة والسلام- مخلوق بنفس الطريقة, فلم يأت من أب بشري وإنما بكلمة الله وبالنفخ: “وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ” .

ولم تذكر الأناجيل الأربعة هذه الواقعة, وذكرت على ما أعتقد في إنجيل متى المنحول أن المسيح فعلها وهو طفل صغير فأتى بإثني عشر طيرا! .
أما لماذا خلق طيرا تحديدا ولم يخلق أي صنف آخر فالله أعلم بذلك! ولكن ربما لبعد وجود التلاعب في الطير, بخلاف الحيوان الذي يمشي على الأرض, كما أنه من الصعب الإمساك به والاحتفاظ به, ومن ثم تقديسه فيما بعد! ونلاحظ أنه خلق من الطين كهيئة الطير, ولم يقم بأكثر من ذلك, ثم نفخ فيه فصار طيرا بإذن الله, كما أنه أحيى الموتى بإذن الله, فكان عيسى عليه السلام هو الأداة لا الفاعل!

ثالثا: لم يوحي الله لإبراهيم {فخذ أربعة من{الطير)…. ثم اجعل على كل (جبل) منهن جزءا} عندما سأل عن (سرّ) الحياة!؟.
أعتقد أنك قرأت قولنا في هذه المسألة على الموقع, وأننا قلنا أن الخليل لم يقطع الطيور وإنما آلفها ومرنها على الاستجابة له, بحيث إذا دعاها لبّت وأجابت, ووضحنا كيف أن هذا مماثل لعملية إحياء الموتى, وهو أن الله يدعوهم فيستجيبون بحمده!

فإذا كانت الطيور الغير مسخرة للإنسان, -والتي من الطبيعي أنها تنطلق في الهواء أو تسعى على الأرض, إذا فك أسرها- تعود لإبراهيم بالدعاء, أفلا يعود البشر إذا دعاهم الله, ومن الأفضل الاطلاع على الموضوع المخصص للمسألة. أما لماذا يضعها على الجبل, فلربما هذا لزيادة الصعوبة على الطائر, والذي سيأتي سعيا وليس طيرا!, فهو في الجبل بعيد عن سيدنا إبراهيم, وقد لا يراه, إلا أنه يستجيب عندما يدعوه سيدنا إبراهيم ويأتي سعيا, والله أعلم!

رابعا: {وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطيرفهم يوزعون} فأين جنوده من السباع والحيوان؟ ولم يُقرن “الطير” مع جنود الجن والإنس؟

كما قلنا فلقد عُلم سيدنا سليمان وأبوه تسخير الطيور والتحكم فيها, فكانوا يستخدمونها في معاركهم, أما السباع والدواب فلم يذكر لنا القرآن أنه عرف منطقها, أو أنه زللها, لذا فهي لم تكن موجودة في الجيش ابتداءا! أما لماذا تذكر مع الإنس والجن, فلكل دوره, فهؤلاء يقاتلون وأولئك يوسوسون والطير تمثل السلاح الجوي!

ولأن سؤالك الخامس والسادس متشابهان, نذكرهما جملة واحدة:
خامسا: هل أصبنا حقا عندما “فسرنا” آية سورة الملك” {أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن} بأنها تبسط أجنحتها وتقبضها؟ فيما سياق السورة كله يأبى هذا القول جملة وتفصيلا؟! سادسا: ما هو “الصفّ” أصلا؟.

أعتقد أن هذا التفسير غير صحيح, فالصف معروف وهو لا يعني بحال أن تبسط الطيور أجنحتها, فالصف هو الصف! ولا يحتاج إلى تعريف, لذلك قال ابن منظور في اللسان: “الصَّفُّ: السَّطْرُ المُسْتَوي من كل شيء معروفٌ، وجمعه صُفُوفٌ. وصَفَفْتُ القوم فاصْطَفُّوا إذا أَقمتهم في الحرب صَفّاً.” اهـ

ولا يكون الصف إلا بضم أفراد إلى أخرى, أما مجرد البسط فلا يكون صفا.
والناظر في القرآن يجد أنه يأتي دوما بهذا المعنى, ومما جاء فيه كذلك: ” وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا, فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى, إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ, يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لّا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا , ” وَالصَّافَّاتِ صَفّاً”,

وأعتقد أن المعنى واضح, فكيف يكون هنا بمعنى باسطات أجنحتهن؟!
وننظر في السياق لنحدد المعنى المراد: “أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُأَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِوَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِأَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌأَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنْ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ”

الناظر في السياق يجد أن الله تعالى يُذكر الإنسان بنعمه عليه, وأنه لا ينبغي له أن يأمن مكره, فالله تعالى يمنع “يمسك” عن الإنسان الكثير من المضار والأخطار, والتي يمكن أن تحيق به فلا يجد لها صارف, فمن الممكن أن يخسف الله بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصبا أي ريح شديدة تحصبهم بالحجارة وبما تحمله,
وبذلك يعلم البشر كم هو صادق نذير الله, ولقد كذب الذين من قبلهم فأنكر الله عليهم وأتاهم العذاب. أولم يرى هؤلاء إلى الطير فوقهم تطير صفوفا ويقبضن, والقبض معروف وهو بمعنى الأخذ والضم

“مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” “الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوااللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” , “ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً”
فهذه الطيور المسخرة الصافات في جو السماء, والتي تهجم على بعض الحيوانات الصغيرة أو النباتات أو الأسماك, فتأخذ رزقها منها, من الممكن أن تهجم على الإنسان, إلا أن الله تعالى يمنعها ويحبسها عن هذا الهجوم والضرر, وإمساك الرحمن ليس بمعنى أن الله تعالى هو الذي يحملها عندما تضم أجنحتها! وإنما بمعنى الحبس عن الهجوم,

ويدل على هذا قوله الوارد بعدها بآية واحدة: ” أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ” أي من هذا الذي يرزقكم إن منع الله رزقه لا أنه حمله إليكم أو تكفل بحفظه!
ويؤكد هذا المعنى الآية التالية, وفيها الحديث عن الجنود من دون الرحمن, فكل ما في الكون جنود الرحمن وما يعلم جنود ربك إلا هو! لذا لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه! إذا فالمراد من الصف والقبض هو المعنى المعروف لا بسط وضم الأجنحة!

ونصل إلى السؤال الأخير: سابعا: ما علاقة “الطور” بالطير، وهل هو الجبل والطير؟ ولماذا يرفع هذا “الجبل” (فوقهم) كأنه ظلة، ألم يروا إلى (الطير فوقهم)؟

أرى أنه لا علاقة بين الطور والطير, فهذا أصل في اللغة وهذا أصل آخر, وكل منهما بمعنى مغاير, فال: طور كما جاء في المقاييس: ” الطاء والواو والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معنىً واحد، وهو الامتداد في شيءٍ من مكانٍ أو زمان. من ذلك طَوَار الدَّار، وهو الذي يمتدُّ معها من فِنائِها.

ولذلك [يقال] عدا طَوْره، أي جاز الحدَّ الذي هو له من دارِهِ. ثم استعير ذلك في كل شيء يُتعدَّى.والطُّور جبلٌ، فيجوز أن يكون اسماً عَلَمَاً موضوعاً، ويجوز أن يكون سمِّي بذلك لما فيه من امتدادٍ طولاً وعَرضاً.” اهـ

وكما رأينا فابن فارس يحتار من تسمية الجبل بالطور, ويرى أنه من الممكن أن يكون علما, لما فيه من الامتداد!
والجبل –كما جاء في المقاييس: “الجيم والباء واللام أصلٌ يطَّرد ويُقاس، وهو تجمُّع الشيء في ارتفاعٍ” اهـ
أما مسألة رفع الجبل فوقهم, والتي أتت في بعض آيات, مثل قوله: “وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا”, فمبينة في آية أخرى, أظهرت أن هذا الرفع كان نتقا!
 كما قال الله تعالى:
” وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”

والنتق لا يعني الخلع والارتفاع في الهواء, فهو كما جاء في اللسان: ” النَّتْقُ: الزعزعة والهز والجَذْب والنَّفْض. ونَتَقَ الشيءَ يَنْتِقُه ويَنْتُقُه، بالضم، نَتْقاً: جذبه واقتلعه. وفي التنزيل: وإذ نَتقْنا الجبل فوقهم؛ أي زَعْزَعْناه ورفعناه، وجاء في الخبر: أَنه اقْتُلع من مكانه؛ …. ونَتَقْتُ الشيء إذا حركته حتى يُسْفَكَ ما فيه، قال: وكان نَتْق الجبل أَنه قُطِع منه شيء على قدر عسكر موسى فأَظَلَّ عليهم، قال لهم موسى: إما أَن تقبلوا التوراة، وإما أن يسقط عليكم” اهـ

فالنتق هو بمعنى الزعزعة والتحريك –تذكر الشبه بين نتق ونطق!- ولا يكون بمعنى الرفع, وليس في كتب بني إسرائيل ولا في الأحاديث الصحيحة ما يدل على أن الله قلع الطور من موضعه ورفعه فوقهم. وكل ما ورد كلام عن التحريك ليس أكثر!


والعجيب أنه وردت بعض الروايات, التي لا تصح, فتُرك نص القرآن, والعزاء أنه ترك ما تقوله التوراة كذلك هذه المرة!, وأتبعت هذه الروايات الواهية, والتي منها:
 قال بن جرير:’ قال بن عباس رضي الله عنه: أمرهم موسى بالذي أمره الله أن يبلغهم إياه من الوظائف والشرائع ثقلت عليهم، وأبوا أن يقروا بها، حتى نتق الله الجبل فوقهم كأنه ظله، قال: رفعته الملائكة فوق رءوسهم’ .”

ولست أدري حقا من أين أتوا بمسألة أن بني إسرائيل استثقلوا الشرائع وأبوا أن يقروا بها, فرفع الله عزوجل الطور فوقهم, فاستجابوا, ولست أدري أي إلزام هذا القائم على التهديد والجبر! فالناظر في التوراة يجد أنها تقول أنهم استجابوا في هذا الموقف تمام الاستجابة:

“19: 3 و اما موسى فصعد الى الله فناداه الرب من الجبل قائلا هكذا تقول لبيت يعقوب و تخبر بني اسرائيل 19: 4 انتم رايتم ما صنعت بالمصريين و انا حملتكم على اجنحة النسور و جئت بكم الي 19: 5 فالان ان سمعتم لصوتي و حفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب فان لي كل الارض 19: 6 و انتم تكونون لي مملكة كهنة و امة مقدسة هذه هي الكلمات التي تكلم بها بني اسرائيل 19: 7 فجاء موسى و دعا شيوخ الشعب و وضع قدامهم كل هذه الكلمات التي اوصاه بها الرب 19: 8 فاجاب جميع الشعب معا و قالوا كل ما تكلم به الرب نفعل فرد موسى كلام الشعب الى الرب 19: 9 فقال الرب لموسى ها انا ات اليك في ظلام السحاب لكي يسمع الشعب حينما اتكلم معك فيؤمنوا بك ايضا الى الابد و اخبر موسى الرب بكلام الشعب 19: 10 فقال الرب لموسى اذهب الى الشعب و قدسهم اليوم و غدا و ليغسلوا ثيابهم 19: 11 و يكونوا مستعدين لليوم الثالث لانه في اليوم الثالث ينزل الرب امام عيون جميع الشعب على جبل سيناء

19: 12 و تقيم للشعب حدودا من كل ناحية قائلا احترزوا من ان تصعدوا الى الجبل او تمسوا طرفه كل من يمس الجبل يقتل قتلا 19: 13 لا تمسه يد بل يرجم رجما او يرمى رميا بهيمة كان ام انسانا لا يعيش اما عند صوت البوق فهم يصعدون الى الجبل 19: 14 فانحدر موسى من الجبل الى الشعب و قدس الشعب و غسلوا ثيابهم 19: 15 و قال للشعب كونوا مستعدين لليوم الثالث لا تقربوا امراة 19: 16 و حدث في اليوم الثالث لما كان الصباح انه صارت رعود و بروق و سحاب ثقيل على الجبل و صوت بوق شديد جدا فارتعد كل الشعب الذي في المحلة 19: 17 و اخرج موسى الشعب من المحلة لملاقاة الله فوقفوا في اسفل الجبل 19: 18 و كان جبل سيناء كله يدخن من اجل ان الرب نزل عليه بالنار و صعد دخانه كدخان الاتون و ارتجف كل الجبل جدا 19: 19 فكان صوت البوق يزداد اشتدادا جدا و موسى يتكلم و الله يجيبه بصوت ” اهـ

فكما رأينا ليس هناك أي إشارة في التوراة للاستثقال هذه, ولربما قيل هذا القول كتبرير لنتق الجبل!

والناظر في القرآن يجد أنه يذكر هذه الواقعة كنعمة على بني إسرائيل, لا أنها كانت عنصر تهديد, وإنما تذكير بالميثاق الذي أخذ عليهم, وحث على التمسك به, وكان من بينه أن يؤمنوا بالرسول الخاتم إذا جاء!:
“يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى”

فلقد كانوا في جانب الطور الأيمن, والذي تزلزل وارتجف وأحيطت به السحب, حتى ظنوا أنه واقع بهم ومبيدهم, ولكن لم يحدث شيء من هذا!

إذا فليس في القرآن أي إشارة إلى طيران الجبل؟
لا, هناك ذكر لجبال تطير:
“أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ”

ولكن هذه نوعية مخصوصة, أما الجبل فراس يتحرك حركات محدودة بأمر الله تعالى! ورفعه فوق بني إسرائيل ليس مثل فوقية الطير.

ونرجو أن نكون قد أزلنا بعض ما يحيك في الصدر, والله أعلى وأعلم.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

نقد رفض التعقل

من الأقوال المستفزة والمنتشرة بين العدميين –وأشباههم وأنصافهم- مقولة:“لا يوجد معنى في الطبيعة … نحن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.