أمة اقرأ .. وأزمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب الأرباب مجري السحاب هازم الأحزاب منزل الكتاب! وسلام على خير الأنام, الأنبياء الكرام ومن سار على نهجهم واقتدى هديهم إلى يوم الحساب, ثم أما بعد:
أكتب اليوم عن موضوع أثر ويؤثر في بشدة, وهو حال الكتاب في أمة المسلمين, التي تفتخر بأنها أمة اقرأ!
فهل هذا الفخر والافتخار في حاله أم أنه قد قيل: اقرأ, فقالت: سمعنا وعرفنا … وتركنا! إننا كعرب نعشق الافتخار بما لدينا وما ليس لدينا ولكنه ينسب إلينا! ونحب أن نحمد بما لم نفعل!!

إنني أشعر بالمرارة إذا ما قارنت انتاج هذه الدول الكبيرة الممتدة الأطراف بإنتاج دولة مثل ألمانيا, دولة تنتج بمفردها عُشر انتاج الكتب في العالم!! أي أنه بين كل عشر كتب في العالم هناك كتاب ألماني!
وهي ثالث لغة في العالم يُترجم منها إلى لغات أخرى بعد اللغة الإنجليزية والفرنسية! (والفارق كبير بين المناطق والدول والأفراد الناطقة بالإنجليزية والفرنسية, والممتدة فيما يزيد عن ثلاث قارات, وبين مثيلتها الألمانية, والمحصورة في منطقة في قلب أوروبا, مما يجعل الألمانية هي الأولى كذلك لو حسبنا الدول الأصلية فقط!!)
وهي أكثر لغة تترجم من اللغات الأخرى, للاستفادة بما عند الآخرين والتعرف عليهم! وهذا يوضح شغف الألمان الشديد بالقراءة والمعرفة!!

فإذا انتقلنا إلى العالم العربي والذي يمتد في قارتين, ويقارب سكانه الأربعمائة مليونا وجدنا وضعاً مأساويا, فهم لا ينتجون إلا حوالي 1% من الإنتاج العالمي للكتب! وهي نسبة يندى لها الجبين! ونغض الطرف عن أن نسبة لا بأس بها من هذه الكتب هي إعادة معالجة لما كتبه السابقون, أو أنها تقدم محتوى هابط لا فائدة منه!!
ولو قارنا عدد الكتب الصادرة بعدد السكان في العالم العربي لوجدنا أن هناك كتاب لكل 12000 فرد, بينما هناك كتاب لكل 900 ألماني!!

وهذه الأرقام متعقلة بما يصدر وليس بما يُقرأ, فإذا تحدثنا عن واقع القراءة نفسها وجدنا أن هناك بعض الإحصائيات تقول أن الأوروبي في المتوسط يقرأ 35 كتابا في العام, بينما يقرأ كل 80 عربي كتابا واحدا في العام!!
ولا يعني هذا أنه ليس هناك الملايين من الأوروبيين لا يستطيعون أن يقرأوا أصلا, ناهيك عن من لا يقرأ فعلا, ولا يعني أنه ليس هناك الملايين من العرب الذين يصنفون ك “عثة كتب”, ولكن الحديث عن أرقام عامة ونسبة وتناسب إلى المجتمع ككل!!


فإذا نظرنا في حال الترجمة وجدنا أن ترجمتنا من وإلى العربية عفوية, ليس لها أي تخطيط أو تنظيم مستقبلي ينظم هذه الحركة, باختصار ليس هناك ما يسمى ب “حركة الترجمة” لأنها قد تسرع وقد توشك أن تتوقف, بسبب عدم –وليس سوء-التخطيط!! ناهيك عن أن كثير من هذه الكتب أدبي أو يروج لأفكار لا تتفق مع منظومتنا الثقافية!! وليس علميا نافعا!! فإذا نظرنا في كم الكتب المترجمة في العالم العربي بأكمله وجدنا أنه يساوي تقريبا خمس ما تنتجه اليونان وحدها!! وهي دولة صغيرة ليست بالثرية, فإذا نظرنا في دولة غنية مثل اليابان وجدنا أنها تترجم سنويا قرابة الثلاثين مليون ورقة!!

فإذا التفتنا إلى الأرقام المتعلقة ببيع وشراء الكتاب وجدنا أنها تدور حول خمس ملايين دولار أمريكي في العام (لنجعلها: عشر ملايين) فإذا نظرنا في دول الاتحاد الأوربي وجدنا أن الرقم يصل إلى 12 مليار! أي أن النسبة بيننا وبينهم لا تكاد تصل إلى 1 إلى الألف!!!

ونحن إذ نتحدث عن القراءة فإننا نتحدث عن الكتاب وليس عن القراءة بشكل عام, فهناك الكثير من الشباب تحديدا يقرءون كثيرا على الانترنت, فنشأت لديهم ما يمكن تسميته بالثقافة الإنترنتية!! وأعلم أن هناك الكثيرون الذين يودون شراء الكتب إلا أن الأسعار المرتفعة للكتب والحالة الاقتصادية تمنعهم ذلك! ولكن هذا ليس بالعذر الكافي فلقد انتشرت الكتب المصورة في كل المجالات على الانترنت انتشارا كبيرا, بحيث لا يبقى إلا أقل القليل الذي لا يجده الإنسان مصورا!


كما أن الإخوة الخليجيين الذين نسمعهم يشكون نفس الشكوى ينفقون المبالغة الطائلة في وسائل الترفيه وفي شهوات البطون! ألا يستحق الأمر أن يُقتطع مبلغ لمعارض الكتب, يوضع في الميزانية!!!
أتذكر أنني في صغري لا أنفق أي مال يأتيني وأجمعه حتى استطيع أن اشتري الروايات والكتب, فإذا حدث مرة واشتريت صنفا من الطعام تاقت إليه نفسي, ندمت بعد أكله وشعرت أني لم استفد منه, وودت لو أني اشتريت مكانه كتابا!!

ونحن لا نريد أن نظهر العرب بمظهر “الجهلة” فهناك الكثير من العوام الذين يقبلون على قراءة الجرائد!! يكونون بها ثقافتهم!! وهناك من قنعوا بالثقافة السمعية أو المرئية, ولكن هذه المصادر لا تغني بحال عن الكتاب!
ونحن نقر أن الأرقام المذكورة في المقال قديمة نوعاً ما, ولكنها على أي حال تشير إلى الحال البئيس الذي نحن عليه!! والذي لا أمل تقريبا في تغييره والخروج منه إلا بترقية الشعوب وتوعيتها, وهذا لن يكون إلا بالقراءة والقراءة الكثيرة الكثيفة في كل المجالات!! فبهذا نستطيع أن نخلق إنساناً مختلفاً يستحق أن يكون من أمة: اقرأ!


أتذكر أنني كنت في دورة تدريبية يتلقاها الأئمة الجدد في الأوقاف, وساعتها بان للحاضرين الفارق الشاسع بيني وبين كل الموجودين في الدورة! وكان بعضهم يسألني ماذا أقرأ, من أين يمكنني الحصول على مثل هذه المعلومات؟! ولم أكن أجد إجابة إلا أن أنصحهم بالقراءة الكثيرة الكثيرة, فهذا هو ما سيغير حال الإنسان وينمي عقله! أما الاعتماد على مقتطفات, فلن يسمن أو يغني من جوع!!

إن العرب يعانون من أنيميا ثقافية فكرية راجعة إلى المجاعة الكتابية التي نعيشها, وعلى الرغم من ذلك لا يهتمون بها ولا يشتكون, فالشكوى كل الشكوى من غلاء الطماطم!!!والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

ضلال العقيدة

“فلان عقيدته غير سليمة”“لا تسمع ولا تقرأ للشيخ فلان فهو ضال العقيدة”“هذا الكتاب فيه ضلالات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.