سورة الرعد .. الكتاب والرسول والآيات!

اختلف العلماء في زمن نزول سورة الرعد, فقيل أنها مكية, وروي ذلك عن ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة, وقيل أنها مدنية وروي ذلك عن ابن عباس أيضا وقال به جابر بن زيد (استناداً إلى بعض الآيات فيها). وقيل أنها نزلت بعد محمد, وقيل أنها نزلت في بدايات العهد المدني, وقيل أنها مكية ونزلت بعض الآيات في المدينة وألحقت بها!

أما أنا فأقول أنها مدنية, وأنها الحادية عشر نزولاً في المدينة بعد السجدة, وهناك عند تناولنا لسبب نزول سورة السجدة بعد الجاثية: “ولما نزلت الجاثية اعترض المعترضون بأن ما تعد به يا محمد لا يتحقق وها نحن كما نحن لم يصبنا شيء! وقالوا أن من يوضع في الأرض ويتفرق لا يُجمع مرة أخرى فيُخلق من جديد!”, فنزلت السجدة لترد على اعتراضهم هذا!

وبعد السجدة لم تنقطع اعتراضات المشركين, وإنما ظهرت اعتراضات جديدة مع استمرار القديمة, فبالإضافة لاستبعاد إنزال العذاب والبعث بعد الموت والتشكيك في الكتاب ورفضه, طالبوا بإنزال آية/ معجزة على الرسول, كما اعترضوا على الرسول بحجة أنه متزوج وله ذرية

فكيف يكون رسولاً من عند الله؟! ولم يقتصر الأمر على الاعتراضات وإنما حدث أن آمن بعض علماء أهل الكتاب وغيرهم من العوام.

وفي هذه الأجواء نزلت السورة لترد على اعتراضات الكافرين على لقاء الله, لتقول للرسول أن ما أنزل إليه آيات وهي الحق وأن لها نفس حجية “المعجزة”, فالله لن ينزل كتابا خارقاً يقطع الأرض أو يسير الجبال, ولكن أكثر الناس لا يؤمنون وأن ما أنزل إلى الرسول هو الحق, وأنك يا رسول نفسك حق, فلا راد لقضاء الله فسيأتي ولكن بأجل.


ونقدم بعضاً من أوجه التشابه في المشاهد والتعبيرات بين السجدة والرعد, والتي دفعتنا للقول بأن الرعد بعد السجدة:
كما بدأت السجدة بالحديث عن الكتاب وأنه الحق وخلق السماوات تبدأ الرعد بمشهد مشابه, ونلاحظ أن الحديث عن الكتاب هو استمرار للحديث عن كتاب موسى في آخر السجدة, والأهم من تشابه مشهد البداية هو الغاية من ذكره

وهو: لعلكم بلقاء ربكم توقنون (وهو استمرار للحديث عن الكفر بلقاء الله واليوم الآخر في السجدة والجاثية)

ورداً على مطالبة الكافرين الرسول بآية يقال له: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد, وهو تأكيد لما جاء في السجدة: لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ.

وكما خُتمت السجدة بالحديث عن سوق الماء إلى الأرض الجرز تستكمل السورة هنا الاستدلال بقطع الأرض والماء الواحد الذي يسقيها. وكما قالوا هناك: أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد, يقال هنا أن العجب هو قولهم: أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ, فهم الكافرون بربهم.

ولما قيل أنه جُعل من بني إسرائيل أئمة لما صبروا, بدء المسلمون بالتصبر, فمدح الله هذا في أكثر من موطن في السورة متحدثاً عن صبرهم: وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ …. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ.

وكما قيل للرسول هناك: فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون … يقال له هنا: وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك, وهناك تسائل بعضهم عن الفتح, وهنا استعجل بعضهم العذاب, فقيل لهم: أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون! وتعقيبا على قوله في السجدة: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين, فصلت السورة هنا في الحديث عن: دار المتقين.

ونبدأ في تقديم تناول سريع للسورة يبين وجهتها ووحدتها:
تبدأ السورة بالحديث عن آيات الكتاب وعن الحق المنزل من رب الرسول وعلى الرغم من ذلك فلا يؤمن أكثر الناس بالله والآخرة, ورب محمد هو الله الذي رفع السماوات وسخر الشمس والقمر وكل لأجل لعلكم تؤمنون بلقاء ربكم, وهو الذي هيأ لكم دار الدنيا فمد الأرض وجعل الرواسي والأنهار والثمار يغشي الليل النهار وفي هذا آيات للمتفكرين, وفي الماء والأكل المختلف الذي يُخرج به آيات. ولهذا فإذا كان ثمة عجب فليس أن يحيى الناس بعد موتهم, وإنما في أن لا يُحيى الناس بعد كونهم ترابا.

ثم تأتي آيات اعتراضية تعلق على كونهم من أصحاب النار فتقول أنهم يطالبون بالعذاب قبل أن يستعجلوا بالثواب وبدار النعيم, وقد خلت العبرات والنماذج من الأمم السابقة, والله غفور وذو عذاب شديد, وكذلك يعلقون إيمانهم على الآيات,

وليس هذا بيدك وليس هذا الذي سيكون سببا لهدايتهم, ثم تكمل الآيات حديثها عن قدرة الله وعن البعث فتقول أن الله يعلم ما تحمل كل أنثى … وأنه عالم الغيب والشهادة وأن سواء من أسر القول ومن جهر به, والذي يعلم هذا لن يعجزه أن يبعث الناس ليحاسبهم على ما قدمته أيديهم وما أكنته صدورهم.

وإذا كان الرسول لم تُنزل عليه آية فله ملائكة تحفظه, أما هم فلن يغير الله ما بهم حتى يغيروا ما بأنفسهم وليس لهم وال يدفع عنهم عذاب الله, فهو الذي يريكم البرق الذي تخافون منه وتطمعون معه في نزول الماء وينشئ السحب ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء, فكيف تأمنون أن تأتيكم غاشية من عذاب ربكم؟!

وله سبحانه دعوة الحق بينما الآلهة الأخرى التي يدعون لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء … فدعاء الكافرين باطل, فلله وحده يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم, ثم يؤمر النبي بسؤالهم: من رب السماوات والأرض وأن يرد عليهم أم أنهم نسبوا بعض الخلق إلى شركاء الله فاختلط الأمر عليهم فلم يعرفوا من خلق هذا ومن خلق ذاك, وهذا لم يحدث بداهة فالله خالق كل شيء, وهو أنزل من السماء ماء

(الماء الواحد استجابة النباتات له مختلفة .. هو الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون, فلا تيأس ولا تشك! وإذا كان من استجاب لك قليل فللذين استجابوا لربهم الحسنى ونعم عقبى الدار, وليست العبرة بالكم وإنما بالكيف (أفمن يعلم …كمن هو أعمى, كما أن كل من في السماوات والأرض يسجد لله طوعا وكرها,) وهناك دوما حق وباطل, فلا يضايقك كون الباطل سائدا فالله يضرب الحق والباطل وما ينفع الناس هو ما يمكث في الأرض. وليس لك أنت تأتي بالآيات إنما أنت منذر:

المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1) اللَّـهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)


وهنا يضرب الله للناس بالماء النازل من السماء مثلاً للقرآن وأن القرآن مثل الماء, فكما أن الماء حياة الأجسام فالقرآن حياة القلوب *

ثم يبين الله أن لمن استجاب له وهم الذين يوفون بعهده ويصلون ما أمر الله به أن يوصل وصبروا … فلهم الحسنى والآخرون لهم سوء الحساب

(لأنه لا يمكن أن يستوي البصير الذي يعلم أنما أنزل إلى الرسول هو الحق بالأعمى), وهذه الحسنى هي عقبى الدار وهي جنات عدن وسيجدون فيها الأحبة الصالحين من الآباء والأزواج والذرية فلن تكون دار غربة

أما الناقضون القاطعون فلهم سوء الدار, وليست العبرة بالدنيا فالله يبسط لمن يشاء, ولا يمكن مقارنة الدنيا بالآخرة, وبين لهم أن الهداية ليست بالآية وإنما بالإنابة, وهي ما فعلها المؤمنون وهؤلاء لهم طوبى وحسن مآب, وأنه كما أُنزل الماء أرسل الرسول ليتلو القرآن لا ليصنع آيات!

ومن ثم فلن يكون هناك قرآن تُسير به الجبال … فلو شاء الله لهدى الناس جميعا, ولا يزال الذين كفروا تنزل بهم النوازل حتى يأتي وعد الله, ولقد استهزئ بالرسل فأملى الله للكافرين ثم أخذهم أخذا شديدا, فالرحمن وحده الذي تكفرون به هو القائم على كل نفس بما كسبت, ومكركم زُين لكم ومن ثم فلن ينفعكم أي هاد, فحتى لو أتت الآيات فلن تؤمنوا ولذا فلكم عذاب شديد في الدنيا والآخرة, بينما المتقون لهم مستقر آخر

لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)

وكما بدأت السورة بالحديث عن “الذي أُنزل إليك” وموقف الناس منه وكيف أن أكثرهم لم يؤمن به تُختم بالحديث عنه كذلك, فتبين أن الذين آتيناهم الكتاب يفرحون به وهناك من ينكر بعضه فأعلن ثباتك على ما أنت عليه ولا تتبع أهواءهم, وأنت لست بدعاً من الرسل, فلا يعني كون المسيح مثلاً بدون زوج وذرية أن يكون الكل هكذا, والآيات تأتي بإذن الله, ولكل أجل كتاب (وليس: كل أجل في الكتاب)

فإذا محا الله الكتاب لم يكن الأجل ولا الآية (المعجزة أو العذاب) وإذا أثبته كان الأجل والآية**. وسواء رأيت ما نعدهم أو توفاك الله فدورك البلاغ وليس الحساب, وهم لن يعجزوا الله, أفلم يروا أن الله ينقص الأرض من أطرافها بالماء, (نبوءة تآكل أراض الشرك بالفتوحات على يد النبي, كما يأكل الماء الأرض, ونفض يدك من ما يقوله أرباب الإعجاز العلمي في الآية فليس له علاقة بها, فهي تتحدث عن شيء يراه الكافرون بأعينهم!), ومقابل تكذيبهم بإرسالك أعلن أن الله شهيد بينك وبينهم وكذلك من عنده علم الكتاب:

وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)

وكالعادة نطلب إلى القارئ أن يفتح سورة السجدة ليقرأها ثم يتبعها بسورة الرعد ليبصر بنفسه الاتصال والانسجام والارتباط بين المحتوى والمفردات والصور والمشاهد المقدمة في السورتين.

غفر الله لنا الزلل والخلل وتقبل منا صالح العمل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
______________
* الناظر في السورة يجد أنها تتخذ من الماء مثلا للقرآن, فكما أن الله يحيي بالماء فكذلك فهو يحيي القلوب بالقرآن:
ففي أول السورة حديث عن ماء واحد واستجابة مختلفة فيُفضل أكل بعض القطع والجنات على أخرى,

كما أن القرآن واحد وتختلف استجابة الناس له, كما يشبه استجابة أولياء المشركين لهم بإنسان باسط كفيه إلى الماء وينتظر أن يأتي الماء إلى فمه وهو ما لن يحدث, ثم يضرب المثل بالماء وكيف أن الشرك زبد سيذهب جفاء, ثم يقول الله للرسول بعد آيات معدودات أنه أرسله كذلك –أي كما أنزل الماء- ليتلو عليهم ما أوحي إليه: “ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ “, فالرسول والقرآن ماء الهداية.


وعلى الرغم من الحديث الذي مثّل فيه الرسول القرآن الذي بُعث به بالماء: « مثَل ما بعثني الله به من الهُدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقيّة قبلتْ الماء فأنبتت الكلأ والعُشْبَ الكثير 

وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناسَ فشربوا وسقَوا وزرعوا …… وهو ما قالت به الآية وجدنا المفسرين يقولون أن المقصود من: كذلك أي أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء من قبلك! ولست أدري من أين أتوا بهذه المماثلة من الآيات السابقة في السورة؟!!

إن الذي وجدناه هو الحديث عن إنزال الماء وهو ما نحمل عليه: كذلك! كما أن الله اتخذ الماء دليلاً على نصر محمد: “أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا .. [الرعد : 41]” فكما أن الماء ينقص أطراف الأرض فكذلك فإن الوحي والمؤمنون سيأكلون أراضيكم ولن تستطيعوا أن تصمدوا أمامهم.

** الذي يظهر من الآية أن المقصود بالكتاب فيها ليس “السجل” وإنما مجموعة السنن والأحكام التي كتبها الله, فإذا وجدت كان, وإن محيت لم يكن: “وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً …. [آل عمران : 145]”, فالموت كتاب مؤجل على الخلائق لا يمكن لأحد الفرار منه, بينما هناك كتب أخرى يمكن أن تُمحى ويمكن أن تُثبت

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

توحيد الروايات

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله ربنا وخالقنا ومالك أمرنا، بيده الخلق والتدبير والتصريف، يهدي من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.