سأل الأخو أبو إسلام. عن “المعيار الذي من خلاله نحكم على الذنوب من خلاله هل هو من الصغائر ام من الكبائر”.
لذا نتوقف مع هذا السؤال الهام, فنقول:
مع نزول الآية الكريمة في سورة النساء:
“إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً [النساء : 31]“. والتي قالت أن مجرد اجتناب كبائر المنهيات كفيل بتكفير السيئات.
ومع وجود شبيهتيها في سورة النجم:
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم : 32]
والشورى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى : 37]
واللتان زكيتا مجتنبي كبائر الإثم والفواحش وقالت الأولى منهما أن اللمم مغفور.
ظهر التساؤل بين عامة المسلمين: ما هي هذه الكبائر التي على الإنسان اجتنابها حتى لا يكون الإنسان من أصحاب النار؟ لأن الإنسان بطبعه لا يستطيع الالتزام كلياً بكل ما يؤمر به ولا ما يُنهى عنه, بينما يختلف الأمر إذا كان الالتزام الكلي ببعضها, وإذا حدث وقصر في الأخرى ففي الأمر سعة ومتنفس.
ولم يقتصر التساؤل على عوام المسلمين وإنما تعداه إلى فقهاءهم و”مربيهم” من أهل السلوك, لأن المسألة تتعلق بالتعامل والسلوك والأخلاق وعلاقة الإنسان بربها قبل تعلقها وارتباطها بالأحكام, ولهذا ظهرت في كتب العقائد كذلك.
ومن ثم اجتهدوا في تقديم إجابة لهذا السؤال, وذلك لأن الرب العليم لم يصنف الذنوب ولم يدرج هذه تحت بند الصغائر وتلك تحت بند الكبائر, ولم يحدد بعضا منها لتكون كبائر –وما عداها تكون هي الصغائر-, وإن كان قد سمى فعل منهيين بالحوب أو بالخطأ الكبير:
وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً [النساء : 2]
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً [الإسراء : 31]
ونعرض الاختلاف الوارد في المسألة ثم ندلي بدلونا نحن فيها فنقول:
رفض بعض المثاليين الذين لا يأخذون تصوراتهم من القرآن تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر وقال أن كل معصية كبيرة بالنظر إلى الجرأة على من يُعصى وهو الله!! وهذا قول كفيل بغرس اليأس في قلوب الناس ولا يراعي الضعف البشري الموجود داخل كل إنسان, والذي يدفعه في بعض المواطن إلى التقصير تركاً أو تعديا. وقريب من هذا من قال أن هناك صغائر ولكنها بالإصرار تصبح كبائر.
والرأي المشتهر الموجود منذ زمن الصحابة أن هناك كبائر وصغائر, إلا أن القائلين به انقسموا إلى فريقين, فمنهم من “عدّد”, ومنهم من “حدّد”, ففريق حصرها بعدد, وفريق حدها بحد:
فمما جاء تابعاً للفريق الأول : نجد أنه ورد عن بعض الصحابة أنهم حصروا الكبائر في أفعال معينة, لذلك وجدنا روايات عن ابن عمر تقول أنه قال أنها سبع, وعن ابن عمرو تقول أنها تسع وعن ابن مسعود تقول أنها أربعة!! 4- وكان ابن عباس – – إذا بلغه قول ابن عمر: الكبائر سبع يقول: هن إلى سبعين أقرب منها إلى سبع.
واجتهد بعض المتأخرين في تحديدها مثلما فعل شيخ الصوفية أبو طالب محمد بن علي المكي, فرأى أنها أنها سبع عشرة كبيرة, فقال: ” جمعتها من أقوال الصحابة فوجدتها أربعة في القلب وهي: الإشراك بالله، والإصرار على المعصية، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله.
وأربعة في اللسان، وهي: شهادة الزور، وقذف المحصنات، واليمين الغموس، والسحر[8].
وثلاثة في البطن: شرب الخمر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا.
واثنين في الفرج: الزنا، واللواط.
واثنين في اليدين وهما القتل والسرقة.
وواحداً في الرجلين وهو الفرار من الزحف.
وواحداً يتعلق بجميع الجسد وهو عقوق الوالدين” اهـ
وهؤلاء تأثروا بالأحاديث التي وردت من/عن الرسول بالنهي عن بعض أفعال مثلما جاء في البخاري وغيره: “عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ “, ومنهم من قال تسعة : فزاد : السحر والإلحاد في بيت اللّه أي الظلم فيه ، ومنهم عشرة بزيادة : الربا ، وقيل : اثني عشرة بزيادة : شرب الخمر والسرقة وقيل : عشرون ، بزيادة اللواط والغيبة واليمين الغموس وشهادة الزور واستحلال الكعبة ونكث الصفقة والتعرّب بعد الهجرة واليأس من روح اللّه سبحانه والأمن
من مكر اللّه عزّ وجلّ .
وقيل أنها أربعة وعشرون, أربعة عشر منها ممّـا صرّح فيها بالوعيد بالنار ، وأربعة عشر منها قد صرّح فيها بالعذاب دون النار ، والستّة الباقية ما يستفاد من الكتاب العزيز وعيد النار عليها ضمنا أو لزوما ، كالحكم بغير ما أنزل اللّه تعالى واليأس من روح اللّه وترك الحجّ وعقوق الوالدين والفتنة والسحر .ومنهم من قال أنها سبعة وأربعون.
وظهر في العصر الحديث من يقول أن الكبائر هي المحرمات بالنص في القرآن, وهي التي جاءت في قوله تعالى:
قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام : 152]
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف : 33]
وعلى خلاف هذا التيار فإن فريقا آخر لم يحصرها بعدد وإنما جعلوا لها معياراً (حدوا لها حدا) إذا توفر هذا المعيار كانت الفعلة من الكبائر, وأشهر معيار وضع لتحديد الكبائر, هو:
إذا اقترن المنهي عنه بلعن أو وعيد أو غضب أو عقوبة دنيوية فهو كبيرة, وإن لم يُقرن فهو من الصغائر.
وساوى هذا الفريق بين الوعيد الوارد في القرآن وما ورد في بعض روايات السنة, فاعتمدوا بعض المذمومات في السنة وأدخلوها في الكبائر, مثل:
(( لا يدخل الجنة قاطع)) وقوله:((لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر)) وقوله: (( من غشنا فليس منا))، وقوله: ((من حمل علينا السلاح فليس منا))، وقوله: ((لا يزني الزاني حين يزنى، وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)).
وبعضهم اعتمد على القياس في غير المنصوص عليه, فقال:
“إن أردت الفرق بين الصغيرة والكبيرة فاعرض مفسدة الذنب
على فاسد الكبائر المنصوص عليها ، فإن نقصت عن أقلّ مفاسدها فهي من الصغائر
وإلاّ فمن الكبائر ، كدلالة الكفّار على عورات المسلمين ونحو ذلك ممّـا يفضي إلى
القتل والسبي ، فإنّ مفسدته أعظم من مفسدة الفرار من الزحف” اهـ
وبعد أن عرضنا الرأيين الشهيرين في الفكر الإسلامي ندلي بدلونا نحن في المسألة ونبدأ بالتأصيل اللغوي فنقول:
الناظر في القرآن يجده أنه استعمل “الكبيرة” تبعا لاستعمالها اللغوي, فلم تُستعمل هكذا مطلقة كدالة على كبائر الذنوب! بحيث إذا سُمعت كلمة: كبيرة, فهم منها الذنب العظيم! وإنما قيدها بالمراد منها, فإذا كان المراد المنهيات قرنها بها فقال:
“كبائر ما تنهون عنه, كبائر الإثم والفواحش”
وإن كان المراد منها الأمر العظيم أطلقها, مثل قوله: “وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة : 45]“, وبالتأكيد ليس المراد من: الكبيرة, هنا المعصية أو الذنب وإنما الفعلة الكبيرة, وكذلك قوله: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [البقرة : 143]
ولم ترد كلمة “صغائر” في القرآن, وإنما وردت”صغيرة”, ولم تُذكر مرتبطة بالذنوب وإنما كنعت لمنعوت في قوله:
وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [التوبة : 121]
ومطلقة كدالة على الفعلة الصغيرة, في قوله: “وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف : 49]“
إذا فاستعمال “الكبائر” هكذا كدال على الذنوب استعمال غير صحيح, والصحيح ربطها بالمراد منها مثل “كبائر الذنوب” أو “كبائر الأعمال”.
فإذا تركنا التأصيل اللغوي وانتقلنا إلى المراد من عنصر التساؤل ألفينا الكل متفقا على أن كبائر المنهيات هي من السيئات (الأعمال السيئة) وليست من الحسنات, وكنا قد بيّنا سابقا في تناولنا لموضوع: العذاب, أن الحسنة ليست هي وحدة قياس العمل الصالح! والسيئة ليست وحدة قياس العمل الطالح!
(تتبع كلمة “حسنة” في القرآن كله, وستجد أنها لم تأت في آية واحدة بهذا المعنى) وإنما الحسنة والسيئة هي الأعمال نفسها, وعلى حسب قدر العمل يكون الجزاء, فقد آتي بعمل واحد صالح فيجزيني الله تعالى عليه الجزاء العظيم, (لا أنه سيجزيني عشرة آلاف حسنة!) وكذلك قد آتي بالعمل الواحد السيئ فأعاقب عليه العقاب العظيم. ولاحظ قوله تعالى : مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [الأنعام : 160]
كما رأينا من الآية فالجزاء عشرة أمثال الأعمال الحسنة, فكلما حسن عملك وكبر كان جزاءك أعظم, وكلما قل وصغر كان الجزاء أقل! وفي هذه الآية لفت لأنظار الكثرة, الذين يأتون بأعمال صغيرة جيدة ويتوقعون عليها الثواب العظيم, لورود بعض الروايات التي تقول بهذا! إن العمل يقاس بقدره وبنيه صاحبه, فإذا عظم القدر وخلصت النية جازاه الله الجزاء الأحسن!
إذا فالزنا سيئة ولكنه سيئة كبيرة لا أنه عشرة آلاف سيئة, والتبرع ببناء مستشفى حسنة واحدة ولكنه حسنة كبيرة, وهكذا.
إذا فالعبرة في السيئة والحسنة بمقدار العمل أو الفعلة, وإذا فهمنا الأمر على هذا زال اللبس والإشكال في مسألة معيار تحديد الكبيرة, وقلنا: أن الأفعال عظيمة الضر هي كبائر ذنوب, والأفعال يسيرة الضر هي صغائر ذنوب.
وتبعاً لهذا فثمة أفعال لا تنفك عن كونها كبائر ذنوب, وأخرى تتأرجح بين كونها كبائر ذنوب أو صغائر ذنوب تبعاً لضرها وأثرها. ونفصل فنقول:
الله العليم الحكيم توعد في كتابه بعض الأعمال بالعذاب أو باللعن, وتعتبر من المرتكزات في الجانب الأخلاقي السلوكي للإنسان, ولا بد من الابتعاد عنها, وهي حتماً عظيمة الضرر دوما, من ثم فهي كبائر ذنوب في كل الأحيان, فالزنا في كل الأحيان من أكبر الذنوب وكذلك القتل, مهما كانت الظروف أو الملابسات المحيطة بهما.
وغير تلك الأمور التي توعدها الله وشدد في الأمر والالتزام بها, تكون حسب ضرها, فالكذب مثلاً قد يُعد من صغائر الذنوب إذا كذبت الأم على طفلها بخصوص لعبة أو ما شابه, وقد يعد من كبائر الذنوب إذا كان تضييعا لحقوق بعض الأشخاص أو رمياً لآخرين بإثم لم يرتكبوه. والكذب كذب, ولكن ضر الأول لا يتساوى مع ضر الأخير. ومن ذلك مثلاً معايرة إنسان –قوي الشخصية- بمسلبة أو بنقص لديه, فيختلف ضرها إذا كانت المعايرة لإنسان ضعيف أو مهزوز الشخصية أعلم أنها ستجرحه كثيرا وإثم الفقير المسرف ليس كإثم الغني المسرف, هكذا.
ونفس هذه القاعدة تسري على كبائر الذنوب الثابتة, فليست الكبيرة نفسها بذات القدر من الإثم, فالسرقة مثلاً إثم كبير ولكن إثم سرقة من لا يجد قوت يومه لا يتساوى مع سرقة ثري كبير. وكذلك لا يتساوى إثم من زنى مع امرأة برضاها مع إثم ذلك الذي أجبرها ماديا أو معنويا على الزنا.
إذا فالعبرة بالكبيرة والصغيرة من الذنوب هو بمقدار الضر فيه والنفع, وتبعا لمقدار الضر والأذى يكون الجزاء من الله, والله أعلى وأعلم