نبوءات ما قبل “آخر الزمان”

“الموت”!

هي النهاية التي يعرفها كل فرد منا لنفسه, فمهما طال عمره سيأتي ذلك اليوم الذي تنتهي فيه حياته .. ويموت! ولكن ماذا عن البشرية, كيف ستكون نهايتها؟

 لم يشغل هذا السؤال بال كثير من العوام, لأنهم وجدوا أن “أديانهم” قد قدمت لهم إجابة جاهزة لهذا التساؤل, ففي الهندوسية مثلا يرون أن الزمان يدور في دورات أبدية, ومن ثم فنهاية العالم تأتي كل بضعة ملايين عام, ومع النهاية تأتي بداية جديدة وهكذا, وهكذا فكما تتناسخ الأرواح, فإن العالم لا ينتهي, وإنما يعود العالم كله مجدداً.

فإذا انتقلنا إلى اليهودية نجد أن “آخر الزمان” عندهم يكون بتحقق “العالمية اليهودية”, وقيام مملكة اليهود الكبرى, وفي المسيحية تنتهي البشرية بعودة المسيح ليدين العالم, وتقوم معركة بينه وبين أعداءه “هرمجدون”, ينتصر فيها, ويعم السلام العالم, وتعيش البشرية في ملكوت الله أربعين عاماً –أو ألف عام-, وبعدها تقوم القيامة!

ورغما عن أن القرآن لم يعرض لمسألة آخر الزمان, إلا أن الروايات السنية قدمت تصوراً يكاد يكون متطابقاً مع التصور المسيحي, حيث يظهر المهدي المنتظر, وينزل كذلك المسيح عيسى بن مريم, فيقاتلان المسيح الدجال!! ويعم السلام البشرية حتى يرعى الذئب مع الغنم!! ثم تقوم الساعة! ولا يختلف الحال كثيراً عند الشيعة, إذ يخرج المهدي المنتظر (وهو مهدي آخر غير مهدي السنة, فهو شخص من آل البيت مختبئ في سرداب منذ ما يزيد عن ألف عام!!  بينما مهدي السنة شخص عادي اسمه: محمد), فينتصر على أعدائه وينتقم لآل البيت ويعم السلام العالم!

والملاحظ في هذه التصورات أنها “أسطورية” تدور في فلك تحقيق “أحلام” وأماني أتباع الطائفة, حيث هم دوماً محور الأحداث!! فاليهود الذين فشلوا في أخذ مكانة السيادة على البشر سيتحقق لهم هذا في آخر الزمان! والمسيح الذي “قُتل” وصلب, سيعود في آخر الزمان لينتقم ويصبح “ملكاً” على العالم! وفي الإسلام يعم العدل والخير بدلاً من الجور والظلم الذي كان سائداً في تلك القرون, كذلك يسود الإسلام العالم “أسلمة العالم”, تحت قيادة المهدي والمسيح, فينتصر الإسلام .. بالسيف!

ونلاحظ في هذه التصورات جميعها أن البشرية تنتهي بتدخل “إلهي” حاسم, -من خلال إرساله أفراد خارقين, وكذلك ظهور كائنات غيبية مثل الشياطين- يؤدي إلى سيادة الخير والانتصار المبين على الشر! ووجود “فترة ذهبية” تعيشها البشرية في خير وسلام, -وتحديداً المحظوظون الذين سيكونون موجودين في تلك الحقبة- حيث الخيرات الوفيرة بلا صراعات, ثم تقوم الساعة!!

ولم يقتصر تقديم تصورات نهاية الزمان على الأديان وإنما قام “المنافسون” التقليديون: الفلاسفة, بتقديم تصوراتهم الخاصة لتلك الفترة, والتي اختلفت –لاختلاف المنطلقات- اختلافاً جذرياً عن التصورات الدينية! إلا أنها وافقتها في أن تصور المرحلة الختامية لا يخرج عن كونه تجسيداً لفلسفة الفيلسوف! فنهاية العالم هي حتما “التطور الطبيعي” للعالم في تلك الحقبة, تبعاً لرؤية العالم له في عصره!!

فنهاية التاريخ عند أفلاطون مثلاً هي انتصار الفكرة على المادة (المثال على الشبح) والخير على الشر! بينما أرسطو يرى أن نهاية العالم –قريبة جدا- حيث تتحقق بأنسنة الأمم المتوحشة (الأمم غير الأثينية) –ولهذا قد يكون الرأي القائل بأن أرسطو هو من شجع الإسكندر المقدوني على فتح العالم صحيحا!!- أو “أغرقة” العالم, وبهذا لا تكون محاولة “أمركة” العالم بدعاً من الفعل, فلقد سبق الإغريق إليها!!

ولم يختلف الحال كثيراً في الفلسفة الحديثة, فنجد أن الفيلسوف الألماني “الدولجي!!” الشهير هيجل, يرى أن التاريخ سينتهي “باتحاد الأنا المتفوق بالعقل في أكناف دولة العقل”!!! بينما رأى فوكوياما أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان, وقال في كتابه الشهير: “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” أن الديمقراطية الليبرالية بقيمها مثل: الحرية والمساواة والليبرالية الاقتصادية, تشكل مرحلة نهاية التطور الإيديولوجي للإنسان! وأنه ليس ثمة بديل يمكنه تقديم نتائج أفضل!!

والملاحظ في نهايات الزمان المقدمة المختلفة, سواءً كانت دينية أو فلسفية, أنها تدور في فلك “الفكرة/ العقيدة”, حيث تنتصر العقيدة/ الفكرة وتعم العالم, وينطوي تحت لوائها العالم, حيث يدخل الناس فيها أفواجاً!! طوعاً أو كرها, وتموت باقي الأفكار الأخرى!!

والمثير للدهشة أننا لم نجد حتى الآن تصورات “عالمية طبيعية” لنهاية الزمان, حيث يكون البشر –كل البشر- باختلاف ألسنتهم وألوانهم وأفكارهم وأنظمتهم الاقتصادية والعقدية حاضرين متنافسين .. كما هو الحال في كل العصور! وحيث يكون الإنسان بأحواله الطبيعية هو المنطلق في استشراف حال البشرية في “نهاية الزمان”!

ولأنني أرى العالم وحدة واحدة ونظام واحد مكرر, يتمظهر بظهورات عديدة في الكائنات والكيانات المختلفة, حيث يمكن فهم الكون كله من خلال فهم جرم صغير واحد, أو بعبارة أخرى: فهم النموذج الكبير من خلال النموذج الصغير, فإنني سأبدأ –بإذن الله- في الفترة القادمة في تقديم تصورات لمرحلة “نهاية التاريخ, كتطبيقات عملية على النظرية, وكتصورات جديدة بديلة, حيث الإنسان هو الأساس .. وليس: الفكرة .. انتظرونا!

.

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

ضلال العقيدة

“فلان عقيدته غير سليمة”“لا تسمع ولا تقرأ للشيخ فلان فهو ضال العقيدة”“هذا الكتاب فيه ضلالات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.