سورة النازعات !

المنظور العام للسورة :
سورة النازعات من أولها إلى آخرها تدور في فلك الإنذار بالعذاب الذي ينزل بالكافرين المنكرين المعاندين , فهي تبدأ بمشهد نزول العذاب بالكافرين ثم تصف حال الكافرين عند نزول العذاب ثم تضرب لنا نموذجا معروفا لمن نزل بهم العذاب وهم فرعون وقومه ثم توضح للإنسان مقداره الحقير وفضل الله عليه وقدرة الله على إنزال العذاب به في أي وقت شاء ولكن العذاب لا ينزل هكذا عبثا أو اعتباطا بل هو مرتبط بأسبابه فإذا توفرت استحق الإنسان العذاب والذي لا يعرف الإنسان ميعاده فلا يعرفه إلا الله تعالى .

ونبدأ الآن في تناول هذه السورة التي أشكلت على المفسرين أيما إشكال وتخبطوا فيها أيما خبط ! لأنهم لم يحاولوا أن يقدموا صورة واحدة متكاملة للسورة فاختلفوا في المذكورات الخمس في أول السورة هل لهن كلهن مدلول واحد أم أنهن مختلفات المداليل ؟ فقالوا أنهن كلها في الملائكة وعادوا فقالوا أن الثلاث الأول في الكواكب أو النجوم والإثنتان الأخريتان هما في الملائكة وقيل بالعكس ! وقيل أنها كلها في الكواكب !

وبسبب هذا التخبط الشديد نجد أن أحد الكاتبين المعاصرين عند تعرضه لهذه السورة أقر بهذا الغموض ! فقال :
” هذه السورة نمودج من نمادج هذا الجزء ( جزء عم ) لإشعار القلب البشري حقيقة الآخرة ، بهولها وضخامتها ، وجديتها ، وأصالتها في التقدير الإلهي لنشأة هذا العالم الإنساني ، والتدبير العلوي لمراحل هذة النشأة وخطواتها على ظهر الأرض وفي جوفها ، ثم في الدار الآخرة ، التي تمثل نهاية هذه النشأة وعقباها .

وفي الطريق إلى إشعار القلب البشري حقيقة الآخرة الهائلة الضخمة العظيمة الكبيرة يوقع السباق إيقاعات منوعة على أوتار القلب ، ويلمسه لمسات شتى حول تلك الحقيقة الكبرى . وهي إيقاعات ولمسات تمت إليها بصلة . فتلك الحقيقة تمهد لها في الحس وتهيئه لاستقبالها في يقظة وفي حساسية .
يمهد لها بمطلع غامض لكنه يثير بغموضه شيئاً من الحدس والرهبة والتوجس . يسوقه في إيقاع موسيقي راجف لاهت ، كأنما تنقطع به الأنفاس من الذعر والارتجاف والمفاجأة ةالانهيار : ( والنازعات غرقا ، والناشطات نشطا ، والسابحات سبحا . فالسابقات سبقا . فالمدبرات أمرا ) .. وعقب هذا المطلع الغامض الراجف يجيء المشهد الأول من مشاهد ذلك اليوم . ظله من ظل ذلك المطلع وطابعه من طابعه ، كأنما المطلع له إطار وغلاف يدل عليه : ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة …… “

مطلع أدبي جميل للحديث عن السورة ولكنه لا يقدم لنا شيئا بل يقر بغموضها كما هي , لأن السادة المفسرين ما استطاعوا أن يجزموا في أقوالهم برأي واحد , والمشكلة في أقوال المفسرين في هذه السورة أنهم كعادتهم انشغلوا بكل كلمة على حدة , فلم يحاولوا أن يقدموا لنا رابطا يربط آي هذه السورة ببعض , وإنما جعلوا كل جزء من هذه الأجزاء مستقل بنفسه , وجعلوا الكلام مقطعا فمنه في الدنيا ثم ينتقل مباشرة إلى الآخرة , ثم يعود مرة أخرى إلى الدنيا ثم يأتي الرد من الملائكة , هكذا بدون أي ترابط أو تناسق !

وعلى الرغم من أن المفسرين توصلوا أو كادوا فعلا إلى معان المفردات الواردة في أول السورة إلا أن هذا لم ينفعهم في أن يحددوا لنا أين وكيف ومتى هذه الأحداث في أول السورة بل جعلوها قطعا منفصلات غير مرتبطات , لذا نبدأ بحول الله وعونه في تناول هذه السورة – والتي لا يكاد يغفل القارئ عن معان مفرداتها إلا في في مفردتين إثنتين فقط , أما ما عداهما فمعروف مألوف -موضحين ترابط هذه الآيات ترابطا متينا , حامدين الله على أننا أول من قدم هذه الصورة المتماسكة لأول النازعات :

إذا نظرنا في أول السورة نجد أنها تبدأ بقول الله تعالى ” والنازعات غرقا ” والكلمتان معروفتان , فالنازعات جمع نازعة والنزع معروف , ونزيد في الإيضاح فنقول , النزع كما جاء في المقاييس :
” النون والزاء والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على قَلْع شيء. ونَزَعْت الشيءَ من مكانِه نَزْعاً. والمِنْزَع الشَّديد النَّزْع. والمِنْزعة كالمِلعقة يكون مع مُشْتارِ العَسل. ونَزَع عن الأمر نُزُوعاً: تركَه. ” اهـ
وفي اللسان : ” …. وقولهم فلان في النزْعِ أَي في قَلْعِ الحياةِ. يقال: فلان يَنْزِعُ نَزْعاً إِذا كان في السِّياقِ عند الموْتِ، ” اهـ

إذا فالنزع كما نفهم بداهة هو القلع , إذا فالله تعالى يقول : والنازعات غرقا , فما هو الغرق ؟ الغرق معروف , وهو كما يفهم مجاوزة الأمر للمدى , لذلك جاء في اللسان : أَغْرَقَ في الشيء: جاوز الحد وأَصله من نزع السهم. ….. وفي حديث عليّ: لقد أَغْرَقَ في النَّزْع أَي بالغ في الأَمر ” اهـ

وهو كما جاء في المقاييس : ” الغين والراء والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على انتهاءٍ في شيء يبلغ أقصاه. من ذلك الغَرَق في الماء . والغَرِقة أرضٌ تكون في غاية الرِّيّ. واغْرَوْرَقت العينُ والأرض من ذلك أيضاً، كأنها قد غَرِقت في دمعها.ومن الباب: أغرَقْتُ في القَوس: [مدَدتُها] غايةَ المدّ. واغْتَرَق الفرسُ في الخيل، إذا خالَطَها ثم سَبَقَها. ” اهـ
إذا فهناك في أول السورة نازعات مبالغات في النزع , فما هي هذه النازعات ؟ اختلف المفسرون في هذه النازعات بين النجوم والكواكب والملائكة والخيل الغازية ! والأكثرون على أنها الملائكة التي تنزع أرواح الكافرين ! فما هو المرجح في هذه الأقوال ؟

مما هو معلوم بداهة أنه لكي نحدد مفهوم لفظة في كتاب الله نحتار فيها فعلينا أن نرجع إلى كتاب الله تعالى لنر ما هو المراد منها ! فإذا نحن بحثنا عن النزع في كتاب الله تعالى وعن نازعات وجدناها تتأرجح بين الملائكة والريح ! وذلك كما جاء في قوله تعالى ” وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر : 47] , وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [القصص : 75] “

وكما في قوله تعالى : “ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ َنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ [القمر : 20] “
فهل من الممكن أن تكون الريح هي النازعات ؟ لا , لأن باقي الأوصاف الواردة في الآيات لا تنطبق عليها , فلا يبقى أمامنا إلا القول الآخر وهو أنها الملائكة !
وهذا ما يرجحه أيضا ما جاء في آخر سورة النبأ , حيث خُتمت السورة بقوله تعالى “ إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40) “

فإذا ختمت سورة النبأ بالإنذار بعذاب يوم القيامة فمن المناسب أن تبدأ السورة التالية لها وهي النازعات بأول مواقفها وهي نزع الأنفس ! ولكن ليس الأمر مجرد ساعة قدوم الملائكة من أجل نزع الأنفس , بل الأمر أعم من ذلك , فهو – كما سيظهر للقارئ الكريم من خلال السورة كلها – نزع أنفس الكافرين ونزع الكافرين أنفسهم من الحياة عند نزول العذاب ,

إذا فنحن نرى أن النازعات غرقا هي الملائكة المنزلات للعذاب النازعات للكافرين أنفسا وأجسادا من هذه الدنيا , لذلك نجد الوصف الرحماني لهذا المشهد وصفا يثير الفزع والخوف ” والنازعات غرقا ” فليس في الأمر تهاون أو شفقة , بل هو اجتثاث من الجذور !

فلقد أنذرناكم في النبأ وأتأكم تباشير العذاب في النازعات ! إذا فالسورة تبدأ بمشهد تحاول كل نفس أن تبعد عنه قدر الإمكان وهو مشهد الملائكة النازعات للأنفس المنزلات للعذاب المؤذنات بالموت والتي تنزع الأنفس تمام النزع فلا تبقي منها شيئا !

والسادة المفسرون على أن النازعات غرقا هي الملائكة التي تنزع أرواح الكافرين فتبالغ في نزعهها وأن الناشطات نشطا هي التي تنزع أرواح المؤمنين فتنزعها نزعا هينا لينا , ولكنا نرى رأيا آخر في المسألة , فالسورة كلها تصور وتقدم مشهدا واحدا وهو مشهد إنزال العذاب بالكافرين وقبضهم لذا فليس للمؤمنين أي علاقة بقولهم والناشطات نشطا !
إذا فالنازعات غرقا هي الملائكة التي تنزع الأنفس التي يحيق بها العذاب بجميع أنواعها صالحها وطالحها – لأنه قد يكون في القرية التي ينزل بها العذاب أناس صالحون ولكن عند نزول العذاب يعم – وبعد ذلك يستكمل الرب القدير توصيف هذا المشهد فيقول : ” والناشطات نشطا “
ويأتي هذا الأمر أيضا كوصف للملائكة ولكن هذه الملائكة غير الملائكة التي تنزع فلهذه دور ولتلك دور آخر , فالملائكة تنشط نشطا في مثل هذا الموقف فتتحرك تحركا لا يدري به أحد ولكنه نشط يوافق لطبيعة الملائكة من أجل تنفيذ مهمتها .

ونذّكر القارئ الكريم أن النشط والنشاط والناشط هو معروف للقارئ الكريم فهو كما جاء في المقاييس : ” نشط : النون والشين والطاء: أصلٌ صحيح يدلُّ على اهتزازٍ وحركة. منه النّشاط معروفٌ وهو لما فيه من الحركة والاهتزاز والتَّفتُّح. يقال نَشِطَ ينشَط . وأنْشَطَ القومُ: كانت دوابُّهُم نَشِيطة. ……… ونَشَطْتُ الشَّيءَ: قشرتُه ، كأنَّهُ لما قُشِرَ أُخرِجَ من جِلده . والأُنْشُوطة: العُقدة مثل عُقدة السَّراويل ونَشَطْتُه بأُنشوطة. وأنْشَطتُ العِقال: مَدَدْت أُنشوطتَه فانحلَّت . وقال قوم: الإنشاط : الحَلُّ، والتَّنشيط : العَقْد. ” اهـ

و في اللسان : ” …… ونشَط من المكان يَنْشِطُ: خرج، وكذلك إِذا قطع من بلد إِلى بلد. …….. ونَشَطَتِ الإِبلُ تَنْشِطُ نَشْطاً: مضت على هُدّى أَو غير هدى. ……………….. ونَشَطَ الدَّلْوَ من البئر يَنْشِطُها وينشُطها نشْطاً: نَزَعها ” اهـ
والناظر في معانالنشط في اللغة يجد أنها تدور في فلك الحركة والنشاط والانتقال وهذا ما تقوم به الملائكة فهي تنشط وتتحرك وتنتقل .

إذا فالله تعالى يقول : والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا , فما هي السابحات ؟ بداهة قد يصدق لفظ السابحات على أي سابح , حتى أن بعض المفسرين قالوا أن المراد من السابحات هي السفن ! وقال آخرون أن المراد من السابحات هنا هي الكواكب بدليل قوله تعالى ” َوهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء : 33] , لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس : 40] “ ولكن كما قلنا فإن الكواكب والأجرام لا ينطبق عليها باقي الأوصاف , ومفهوم السبح معروف , وهو كما يعرفه القارئ
وهو كما جاء في المقاييس :
” السين والباء والحاء أصلان : أحدهما جنسٌ من العبادة، والآخر جنسٌ من السَّعي. ” اهـ , فإذا نحن نظرنا في كتاب الله تعالى وجدناه يقول للرسول الكريم : ” إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً [المزّمِّل : 7]
فوردت لفظ السبح في خطاب النبي الكريم , فالله تعالى يقول للرسول : أن لك في النهار تقلبا وفراغا تقضي فيه حوائجك أما الليل فتقومه ! إذا فهنا سابحات سبحا , وكما قلنا السبح إما عبادة وإما سعي , ولكن لا بد أن نراعي أن هذه السابحات سبحا موصوفة بوصف آخر , فهذه السابحات سبحا سابقات سبقا ومدبرات أمرا ! وهذا ما لا يكون إلا في الملائكة ! فالملائكة تسبح مسبحات لله عزوجل ! ” وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ [الصافات : 166, 165] “

إذا فهناك ملائكة نازعات لأنفس الناس منزلات للعذاب وهناك متحركات ناشطات تنشط من مكانها فتسبح سباحة في السماء و في الكون مسبحات لله تعالى مطيعات له وهي سابقات سبقا !

وهنا نتوقف لنسأل : ما هو السبق الذي تسبقه الملائكة ؟ بداهة ليس المراد من الآية تسابق الملائكة بينها وبين بعضها وإنما المراد السبق في فعل شيء , فما هو هذا السبق ؟ إذا نحن نظرنا في وصفه سبحانه وتعالى للملائكة وجدناه يقول : ” لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول ” [ الأنبياء : 27 ]
أي أنهم قبل الإذن والأمر لا يتحركون ولا ينطقون تعظيماً لله تعالى وإجلالا له ، فإذا نظرنا في وصفهم هنا وجدناه سبحانه يصفهم بالسبق أي إذا جاءهم الأمر ، فإنهم يتسارعون إلى امتثاله . أي أن هذه الملائكة السابحات سابقات إلى تنفيذ أمر الله تعالى إذا جاءها ,

فإذا جاءهم الأمر بفعل كذا أوقبض نفس فلان أو إنزال العذاب بقرية كذا تسارعوا وسبقوا سبقا في فعله فلا يتأخرون عن هذا التنفيذ , وهذا العذاب ليس أمرا غيبيا أو منقطعا كان يحدث في الأزمان الغابرة , بل هو مستمر إلى قيام الساعة !

فالملائكة منفذة لأمر الله تثير براكين وزلازل وأعاصير … إلخ أشكال العذاب الذي ينزله الله بالبشر , فإن أمر الله المنفَذ بهؤلاء السابحات السابقات إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ! , إذا فهؤلاء الملائكة سابحون منتظرون لأمر الله فإذا جاء سبقوا إلى تنفيذه ثم أن هؤلاء الملائكة مدبرات أمرا ! 

والملاحظ أن الله تعالى قال أنهن مدبرات أمرا وليس أمورا , ومن المعلوم أن الملائكة تدبر أمورا كثيرة, فما هو هذا الأمر المدبر في هذا الوقت ؟ نقول : الله تعالى أعلم بمراده فلم يظهر لنا تحديد هذا الأمر , فالله تعالى نكّره فليس لأحد أن يجزم بمراد الله فيه ولكن كل يجتهد فيما يظهره الله تعالى له , لذا فإنا نقول أن المراد من المدبرات أمرا أي أنهم يدبرون الأمر الذي سبقوا به , فكما قلنا إن الملائكة يسبقون من أجل تنفيذ الأمر ,

ومن المعلوم أنهم يأيتهم الأمر فيسبقون سبقا من أجل تنفيذه ثم يدبرونه ساعة تطبيقه , إذا فالمراد فالمدبرات أمرا أتاهم بفعل كذا أو كذا , فأشكال إنزال العذاب تختلف من زمان لآخر ومن مكان لآخر.

إذا فحتى الآن لا يزال المعنى والتصور متصلا فالله تعالى يعرض لنا مشهد نزع الأنفس وإنزال العذاب والاجتثاث عن طريق الملائكة النزعات وصورة الملائكة الناشطات التي تنشط وتتحرك وتخرج لتنفذ وكيف أنها ملائكة سابحات في الجو تسبح الله وتطيعه وهي تسبق سبقا في تنفيذ الأمر الآتي لها من الله ( وهنا مثلا الإهلاك و قبض الأنفس بشكل من الأشكال يريده الرب القدير) فإذا أتته دبرته كما أراد الله تعالى ! ويحدث كل هذا يوم ترجف الراجفة !

الناظر في أقوال المفسرين بدأ من هذه الآية يجد أنهم قد نزعوا ! هذه الآية عن سابقتها من الآيات فجعلوا هذه في واد وتلك في آخر ! وذلك لظنهم أن يوم رجف الراجفة هو في يوم القيامة , حيث أن الراجفة عندهم هي النفخة الأولى والرادفة هي النفخة الثانية التي تكون في الصور , فهل هذا ما تقوله الآيات ؟

إذا قبلنا بقولهم هذا من أن المراد من الراجفة والرادفة هو النفخة الأولى والثانية لا يستقيم للكلام أي معنى , لأنه يفترض على قولهم أن المشركين والكافرين يقولون يوم القيامة : أئنا لمرددون في الحافرة أإذا كنا عظاما نخرة …. إلخ فهل يعقل أن يقول الكافرون أو العصاة هذا الكلام يوم القيامة ؟ وعلى الاحتمالية الأخرى للكلام أن يقطعوا الكلام عن بعضه ,

فيصبح الكلام قد انتهى قبل ذلك ثم حدث استئناف جديد بدون أي عود للضمير المذكور , فيأتي الكلام هكذا عن غاب بدون أي ذكر مسبق له ! أما نحن فنربط الكلام ببعضه فنقول أن الملائكة تفعل هذا الفعل يوم ترجف الراجفة ؟ والرجف معروف بالنسبة للقارئ , ولكنا نزيده إيضاحا فنقول : الرجف كما جاء في اللسان :

” الرَّجَفانُ: الاضْطِرابُ الشديدُ: رجَفَ الشيءُ يرجُف رَجْفاً ورُجوفاً ورجَفاناً ورَجِيفاً وأَرْجَفَ: خَفَقَ واضْطَرَبَ اضْطِراباً شَديداً، أَنشد ثعلب: ظَلَّ لأَعلى رأْسه رجِيفا ورَجْفُ الشيء كرَجَفانِ البعير تحت الرحل، وكما تَرْجُفُ الشجرةُ إذا رَجَفَتْها الرِّيحُ، وكما تَرْجُف السنّ إذا نَغَضَ أَصْلُها. والرجْفةُ الزَّلْزَلَةُ . ورجَفَتِ الأَرض تَرْجُفُ رجْفاً: اضطَربت. وقوله تعالى: فلما أَخذتهم الرَّجفةُ قال رَبِّ لو شئتَ أَهلكتهم من قبل وإيَّاي؛ أَي لو شئتَ أَمَتَّهم قبل أَن تقتلهم. ويقال: إنهم رَجَفَ بهم الجبلُ فماتوا . ورجَفَ القلبُ: اضْطَربَ من الجَزَعِ. والرّاجِفُ: الحُمّى المُحَرِّكَةُ، مذكَّر؛ قال: وأَدْنَيْتَني، حتى إذا ما جَعَلْتَني على الخَصْرِ أَو أَدْنى، اسْتَقَلَّك راجِفُ ورجَفَ الشجرُ يَرْجُفُ: حرّكَتْه الريحُ، وكذلك الأَسْنانُ. ورجَفَتِ الأَرضُ إذا تَزَلْزَلَتْ. ورَجَفَ القومُ إذا تَهَيَّؤُوا للحرب. وفي التنزيل العزيز: يوم تَرْجُفُ الراجفة تَتْبَعُها الرَّادِفةُ؛ قال الفراء: هي النَّفْخةُ الأَُولى، والرّادِفةُ النفخةُ الثانية؛ قال أَبو إسحق: الرَّاجِفةُ الأَرض تَرْجُفُ تَتحرَّكُ حركة شديدة، وقال مجاهد: هي الزَّلْزَلَة . وفي الحديث: أَيها الناسُ اذكُروا اللّه، جاءتِ الراجفةُ تتبعها الرّادِفةُ؛ قال: الراجفةُ النفخةُ الأَُولى التي تموت لها الخلائق، والرادفة الثانية التي يَحْيَوْنَ لها يومَ القيامة . وأَصل الرجْف الحركةُ والاضْطِرابُ؛ ومنه حديث المَبْعَثِ: فرجع تَرْجُفُ بها بَوادِرُه. الليث: الرَّجْفةُ في القرآن كلُّ عذاب أَخَذَ قوماً، فهي رجْفَةٌ وصَيْحةٌ وصاعِقةٌ. ” اهـ

إذا فالرجف هو الحركة والاضطراب وهو على هذا المعنى في كتاب الله , كما جاء في قوله تعالى “ َفأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف : 78] ,
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ [الأعراف : 155]
, لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَفِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً [الأحزاب : 60]

َيوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً [المزّمِّل : 14] “
والرجف يأتي مع البشر والشجر والأرض ويأتي بمعنى الزلزلة , وكل اضطراب هو رجف , وهنا لم يحدد الله تعالى الراجف وإنما قال : ترجف الراجفة 
وهنا يسأل القارئ اللبيب : ما هو الذي يرجف ساعة نزول العذاب , فالسورة من أولها حتى الآن تدور حول هذه اللحظات ؟ هل الأرض أم الريح أم الشجر أم البشر ؟ بداهة الذي يرجف في هذه اللحظة هو كل ما ذكر ( ويمكن إدخال البشر من باب التجوز ) ,

فعند نزول العذاب بالبشر والذي يظهر في شكل زلازل أو صيحة أو براكين أو ريح تضطرب الأرض ويضطرب كل ما حول الإنسان بل إن النفوس عينها تضطرب اضطرابا عظيما وتبدأ في الرجف ! إذا فالمراد من قوله تعالى يوم ترجف الراجفة أي يوم ترجف الأرض والجبال والشجر -والنفس التي ينزل بها العذاب عند بدأه تباعا – , ” تتبعها الرادفة ” قال المفسرون في الرادفة أنها النفخة الثانية ,
وكما قلنا فإن هذا لا يتناسب مع سياق السورة من أولها , إذا الراجفة في الدنيا وهي عامة وهي بدأ الاختلال وبدأ نزول العذاب , والردف معروف بالنسبة للقارئ ولكنه قد يغيب عن ذهنه , وهو قد جاء في كتاب الله تعالى كما جاء في قوله سبحانه “ ُقلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ [النمل : 72] “

فإذا نحن نظرنا في المعاجم سيتذكر القارئ أنه عارف باللفظ , والردف كما جاء في اللسان : ” الرِّدْفُ: ما تَبِعَ الشيءَ. وكل شيء تَبِع شيئاً، فهو رِدْفُه، وإذا تَتابع شيء خلف شيء، فهو التَّرادُفُ، والجمع الرُّدافَى؛ قال لبيد:عُذافِرةٌ تَقَمَّصُ بالرُّدافَى، تَخَوَّنَها نُزولي وارْتِحالي ويقال: جاء القوم رُدافَى أَي بعضهم يتبع بعضاً. ……. وهذا أَمْر ليس له رِدْفٌ أَي ليس له تَبِعةٌ. ” اهـ

إذا في يوم قبض الأنفس ويوم نزول العذاب ترجف الأرض أو الجبال أو الأشجار وكذلك النفس الكافرة العاصية و تتبعها في الرجف الرادفة أي الموجة الثانية والتالية من العذاب والتي تقضي على من ينزل بهم العذاب ! فيرتجف هؤلاء العصاة خوفا من الموت ومن الرحيل عن الدنيا ويحصل لهم اضطراب عظيم , ففي هذا اليوم ” قلوب يومئذ واجفة ” , –

ونلاحظ أن هذه الآيات الثلاث انتهت بكلمات متقاربات المبنى وهي ” راجفة , رادفة , واجفة ” – هنا في هذه الآية تقابلنا أول كلمة يغيب معناها عن القارئ متوسط الثقافة وهي الوجف , فما هو الوجف ؟
الوجف كما جاء في اللسان :
” الوَجْفُ: سُرْعة السير. وجَفَ البعيرُ والفرس يَجِف وجْفاً ووجِيفاً: أَسْرعَ.
والوجِيف: دون التقريب من السير. الجوهري: الوجِيفُ ضرب من سير الإبل والخيل، وقد وجف البعير يجف وجفاً ووجيفاً. وأَوجف دابته إذا حثَّها، وأَوجفْته أَنا. وفي الحديث: ليس البِرُّ بالإيجاف. وفي حديث عليّ، كرم اللّه وجهه: وأَوجَفَ الذِّكْرَ بلسانه أَي حرَّكه، وأَوجفَه راكبُه. وحديث علي، عليه السلام: أَهونُ سيرِها فيه الوَجِيف؛ هو ضرب من السير سريع . و ناقة مِيجاف : كثيرة الوجيف.وراكب البعير يُوضِع وراكب الفرس يُوجِف. قال الأَزهري: الوجيف يصلح للبعير والفرس. ووَجَف الشيءُ إذا اضطرب. ووجَف القلب وجِيفاً: خَفَق، وقلب واجِف. وفي التنزيل العزيز: قلوبٌ يومئذ واجفة؛ قال الزجاج: شديدة الاضطراب؛ قال قتادة: وجفَت عما عاينت، وقال ابن الكلبي: خائفة. ” اهـ

ومعنى الوجف وإن كان مجهولا بالنسبة للكثيرين ولكنه يستنتج من خلال السياق و يأتي الاستنتاج متفقا مع المعنى المعجمي , ففي هذا اليوم القلب يكون القلب مضطربا ( لاحظ الشبه بين الوجف والرجف ) خافقا خفقانا شديدا !, ثم يواصل الله توصيف قلوب الأنفس الكافرة العاصية في هذه الساعة فيقول ” أبصارها خاشعة ” ,

وأنا أعرف أن القارئ سيقول أن المراد من ” أبصارها خاشعة ” هو أبصار الأنفس الكافرة وليس أبصار القلوب لأنه من المستغرب أن يكون للقلوب أبصار . فنقول : لما نظرنا في كتاب الله تعالى وجدناه يقول :
” خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم : 43] , خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [المعارج : 44] “

أما هنا فقال ” أبصارها خاشعة ” فعلمنا أن المراد ليس أبصار الناس وإنما أبصار القلوب , و المشكلة عند القارئ هي في فهمه لمسألة الأبصار , فلقد قمنا سابقا بتعريف عملية البصر وما هو المراد من الأبصار , وقلنا أن المراد من الإبصار هو القدر على الفهم عن طريق التمييز ,

لذا فلا حرج أبدا في أن يكون للقلوب أبصار تكون في هذه الساعة خاشعة , أي أن الكافرين ساعة نزول العذاب تصبح أبصار قلوبها – وليس أبصار عيونها – خاشعة , فالكافر لا تخشع عينه ساعة نزول العذاب بل تضطرب اضطرابا شديدا , أما بصر قلبه فيخشع , والخشوع معروف بالنسبة للقارئ ,
إذا ففي هذا اليوم الذي ينزل العذاب تخشع أبصار القلوب ويذهب كبرها فلا يعد هناك أي مجال للمجادلات وللتنطعات الفكرية التي يصدع بها الملاحدة والمشركون بل يقرون بالحق إقرارا ويبدأون في التفكر في اليوم الآخر وهل هناك حساب وهل ما جاء به الأنبياء صحيح أم أننا سنموت وينقضي الأمر , ففي هذه اللحظة تكون المصراحة مع النفس , فيسألون : ” أئنا لمردودون في الحافرة ” ,
فأبصار الكافرين خاشعة يقولون أئنا لمردودون في الحافرة , فهم يتساءلون ويفكرون فيما جاءت به الأديان كلها , فهل من الممكن فعلا أن نعود إلى الحياة مرة أخرى بعد موتتنا هذا , وبهذا يكون ما يقوله الأنبياء صواب وهناك ثواب وعقاب أم أن الحياة تنتهي بالموت ولا شيء بعد ذلك ؟!
وهنا نتوقف لنسأل : ما المراد من الحافرة ؟
الحافرة كما هو واضح لكل ذي عينين مشتق من الحفر ! والحفر معروف , ولكن المشكلة هنا في كلمة الحافرة , فما هو معنى هذه الكلمة في هذا السياق ؟ ما هي مناسبة الحديث عن حافرة ؟
بسبب عدم ظهور معنى لهذه الكلمة اختلف المفسرون في معنى الحافرة اختلافا كبيرا , فمنهم من قال أن الحافرة هي القبر , أي أن الحافرة بمعنى المحفور ! وهذا مردود بداهة , ومنهم من قال أنها النار , ولست أدري ما علاقة النار بهذا السياق , هل سيرد الناس في النار يوم القيامة أم أنهم سيردون ثم يحاسبون ؟ وما علاقة النار بالحفر ؟ وقيل أن المراد من الحافرة الدنيا , ونعرض لك عزيزي القارئ مثالا من تخبط المفسرين عند تعاملهم مع هذه الكلمة , كما جاء في تفسير الرازي :
” قوله تعالى : { يَقُولُونَ أَءنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى الحافرة } يقال رجع فلان في حافرته أي في طريقه التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشيه فيها جعل أثر قدميه حفراً فهي في الحقيقة محفورة إلا أنها سميت حافرة ،
كما قيل : { فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 21 ] و { مَّاء دَافِقٍ } [ الطارق : 6 ] أي منسوبة إلى الحفر والرضا والدفق أو كقولهم نهارك صائم ،
ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه رجع إلى حافرته ، أي إلى طريقته وفي الحديث : ” إن هذا الأمر لا يترك على حاله حتى يرد على حافرته ” أي على أول تأسيسه وحالته الأولى وقرأ أبو حيوة في الحفرة ، والحفرة بمعنى المحفورة يقال : حفرت أسنانه ، فحفرت حفراً ، وهي حفرة ،

هذه القراءة دليل على أن الحافرة في أصل الكلمة بمعنى المحفور ، إذا عرفت هذا ظهر أن معنى الآية : أنرد إلى أول حالنا وابتداء أمرنا فنصير أحياء كما كنا . ” اهـ

بل إن الحيرة وصلت إلى معاجم اللغة فجعلوا هذه الكلمة أصلا مستقلا بذاته
, فنجد أن ابن فارس يقول في المقاييس :
” الحاء والفاء والراء أصلان: أحدهُما حَفْر الشّيء، وهو قلعه سُفْلا؛ والآخَر أوَّل الأمر.فالأوَّل حفَرتُ الأرض حَفْرا. وحافِر الفَرسِ من ذلك، كأنّه يحفر به الأرض. ومن الباب الحَفْرَ في الفَم، وهو تآكل الأسنان. يقال حفَر فُوه يَحْفر حَفْراً. والحَفَر التُراب المستخرَج من الحُفْرَة، كالهَدَم؛ ويقال هو اسمُ المكان الذي حُفِر. قال:ويقال أحفَرَ المُهْرُ للإثْناء والإرباع، إذا سقَطَ بعضُ أسنانه لنَباتِ ما بَعدَه. ويقال: ما مِن حاملٍ إلاّ والحمل يَحْفِرها، إلاّ *الناقة فإنَّها تسمَن عليه. فمعنى يحفِرها يُهْزِلها.والأصل الثاني الحافرة، في قوله تعالى: أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ في الحَافِرَةِ [النازعات 10]، يقال: إنه الأمر الأوَّل، أي أنحْيا بعدما نموت. ويقال الحافرةُ من قولهم: رجع فلانٌ على حافرته، إذا رجع على الطريق الذي أخَذَ فيه، ورجع الشَّيْخُ على حافرته إذا هَرِم وخَرِف. … ” اهـ
فابن فارس يروى هذا التفسير بصيغة التضعيف ” يقال ” ولا يجزم فيها بشيء , فما هي هذه الحافرة المحيرة ؟
الحافرة اسم فاعل من الحفر , وهو متعلق بالرد , وهو شيء يشك فيه الكافر , وهو شيء يستعمل معه حرف الجر ” في ” فما هو هذا الشيء ؟

لا يمكن أن يكون الأرض لأنها ليست حافرة وليست الدنيا لأنها ليست حافرة وليست حياتهم الأولى لأنها ليست حافرة , بداهة هو يوم القيامة !
فإذا كان يوم القيامة سُمي يوم القيامة والفصل والحشر … إلخ الأسماء , فهنا أيضا سمي باسم هام من أسمائه وهو الحافرة , حيث تحفر الأرض فيخرج الناس ” خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ [القمر : 7] يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [المعارج : 43] ” ” يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ [ق : 44] “
ففي يوم القيامة تُحفر الأرض وتقلب ويخرج الناس , وما يؤيد هذا الفهم حديث وجدته في لسان العرب عن سراقة وفيه : “ قال: يا رسول الله، أَرأَيتَ أَعمالنا التي نَعْمَلُ؟ أَمُؤَاخَذُونَ بها عند الحافِرَةِ خَيْرٌ فَخَيْرٌ أَو شَرٌّ فَشَرٌّ أَو شيء سبقت به المقادير وجَفَّت به الأَقلام؟ …

فهذا مع كون السياق يرجح أن المراد من الحافرة هو يوم القيامة , إذا فالكافر العاصي الذي ينزل به العذاب يتساءل هل نعود إلى الحياة مرة أخرى و …. ولكن ” أإذا كنا عظاما نخرة ” أي هل من الممكن أن نخرج من الأرض مرة أخرى فنبعث بعد أن كنا عظاما نخرة ,

والمعنى معروف أإذا كنا عظاما بالية قد نخرت , والأصل في النخر هو صوت , لذلك يقال : إذا كنا عظاما بالية يخرج منها صوت إذا مر فيها الهواء !
ويستمر الكافر الذي ينزل به العذاب في هذا التصور والتساؤل وفي نهاية المطاف يعترف بأنه إذا حدث ذلك فسيكون من الخاسرين , ” قالوا تلك إذا كرة خاسرة ” إي إذا حدث ذلك الذي نخافه ونخساه فسيكون رجوعا خاسرا , والكر هو الرجوع والتكرار وهو معروف , وهو كما جاء في اللسان :
” الكَرُّ: الرجوع. يقال: كَرَّه وكَرَّ بنفسه، يتعدّى ولا يتعدّى. والكَرُّ مصدر كَرَّ عليه يَكُرُّ كرًّا وكُروراً وتَكْراراً: عطف. وكَرَّ عنه: رجع، وكَرّ على العدوّ يَكُرُّ؛ ورجل كَرَّار ومِكَرّ، وكذلك الفرس. وكَرَّرَ الشيء وكَرْكَره: أَعاده مرة بعد أُخرى. والكَرّةُ المَرَّةُ، والجمع الكَرَّات. والكَرُّ الرجوع على الشيء، ومنه التَّكْرارُ. ابن بُزُرجٍ: التَّكِرَّةُ بمعنى التَّكْرارِ وكذلك التَّسِرَّة والتَّضِرَّة والتَّدِرَّة. الجوهري: كَرَّرْتُ الشيء تَكْرِيراً وتَكْراراً؛ …. والكَرَّةُ البَعْث وتَجْديدُ الخَلْق بعد الفَناء. اهـ

ونلاحظ أن هنا فاصل بين القول والسؤال وبين الإجابة , فنلاحظ أن الله تعالى قال ” يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أإذا كنا عظاما نخرة ” ثم عاد فقال ” قالوا تلك إذا كرة خاسرة ” فهم السائلون في الأولى وهم المجيبون المعترفون في الثانية !
ثم يوضح لهم الله تعالى أن الأمر ليس بالكبير ولا بالصعب العسير ولا يأخذ من الوقت الكثير ” فإنما هي زجرة واحدة , والزجر معروف وهو كما جاء في المقاييس : ” الزاء والجيم والراء كلمة تدل على الانتهار. يقال زَجَرت البعيرَ حتَّى مضَى، أزجُره. ” اهـ

والصحيح كما ورد في لسان العرب وكما يعرفه الذوق السليم أن الزجر صوت يدل على … وليس ” كلمة ” كما قال ابن فارس , وتأمل استعمال الزجر في اللغة فستعلم أنها كلمة تشير إلى صوت ! إذا فالله تعالى يقول ” فإنما هي زجرة واحدة ” أي فإنما هي صيحة واحدة وهذه الصيحة ستكون من الملائكة , فهن ” فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً [الصافات : 2] “ , وهنا نتوقف لنسأل :
هل ستكون هذه الزجرة في الدنيا أم تكون في الآخرة ؟
بداهة يكون هذا الموقف في الآخرة , والناظر في القرآن يجد أنه ألغى أي احتمالية للبس في هذا الموقف بسورة أخرى حيث ذكر في سورة الصافات ” ” َإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ [الصافات : 19] “ ,
فهذا دليل على أن الحديث انتقل مصورا يوم القيامة للرد على المشركين الذين يرون أنها كرة خاسرة ليس بالنسبة لهم فقط وإنما بالنسبة لله تعالى , فكأنهم يتساءلون كما يفعل بعض ملاحدة هذه الأيام : ما الذي سيستفيده الله عندما يبعثنا ويحاسبنا ولم يمتحننا أساسا ؟
فكأن هذا البعث والإخراج من القبور مسألة إعادة خاسرة بالنسبة لله تعالى , فرد الله عليهم بقوله ” فإنما هي زجرة واحدة “ فلن يكلف الأمر أي شيء إلا زجرة من الملائكة , ” فإذا هم بالساهرة “
وهنا نتوقف لننبه القارئ , فالسادة المفسرون على أن المراد من الباء هو ” في ” أي ” فإذا هم في الساهرة ” وهذا ما لا يقبل في كتاب الله عزوجل , فلا يقبل حرف مكان حرف , فإذا استعمل الله عزوجل حرف الباء فحتما ولزاما هو المراد وليس أي حرف آخر ,
 وانطلاقا من فهمنا لحرف الباء والذي يكون بمعنى السببية والواسطية سنحدد بإذن الله تعالى معنى الساهرة ! لما قال المفسرون أن الباء بمعنى ” في ” اختلفوا في المراد من الساهرة ؟
فقيل أن المراد منها الأرض , سواء أرض بيضاء مستوية أو أرض ينشأها الله تعالى أو .. أو … إلخ هذه الأقوال المتخبطة في تحديد علاقة السهر بالأرض ! أما نحن فنربط الآية بالسابقة فنقول : إن الله تعالى يرد على من يستصعب رد وبعث العظام النخرة فيقول لهم فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم : وهم هنا حتما الناس كاملون وليس فقط العظام , إذا فعند الزجرة تصبح العظام ناسا ” هم ” , فكيف وبم تصبح العظام بشرا كاملا يستحق أن يعاد عليه بالضمير ” هم ” ؟ يوضح الله تعالى لنا أنهم يصبحون كذلك بالساهرة ! وتصور معي المشهد : زجرة واحدة فإذا هم ( يكونون أو يصبحون أو يشكلون ) بالساهرة ,

فلما عرفنا أن الساهرة هي التي يكون منها وبها الناس , فما هي الساهرة ؟
الساهرة مشتقة من السهر , والسادة اللغويون لم ينجحوا في أن يعطوا معنى دقيقا للسهر , لذا نجد ابن فارس يقول في المقاييس :
” السين والهاء والراء معظم بابه الأرَق، وهو ذَهاب النوم. يقال سَهَرَ يَسْهَرُ سَهَراً. ويقال للأرض: السّاهرة، سمِّيت بذلك لأن عملها في النَّبت دائماً ليلاً ونهاراً. ولذلك يقال:”خَير المالِ عينٌ خَرّارة، في أرض خوَّارة، تَسْهَرُ إذا نِمتَ، وتشهَد إذا غِبْتَ”. وقال أميّة بن أبي الصلت:
وفيها لَحْمُ ساهرةٍ وبحرٍ وما فاهُوا بِهِ لهمُ مقيم وقال آخر، وذكر حَميرَ وحْش:
يرتَدْنَ ساهرةً كأنَّ عميمَها وجَمِيمَها أسدافُ ليلٍ مظلمِ ثم صارت السّاهرةُ اسماً لكلِّ أرض . قال الله جلَّ جلالُهُ: فإنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ. فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات 13-14] والأسهران: عِرقان في الأنف من باطن، إذا اغتلم الحِمارُ سالا ماءً. قال الشَّمّاخ:
تُوائِلُ من مِصَكٍّ أنْصَبَتْهُ حوالبُ أسهريهِ بالذَّنِينِ وكأنَّما سمِّيتا بذلك لأنّهما يسيلان ليلاً كما يسيلان نهاراً…. ” اهـ
فابن فارس يرى أن معظم باب السهر هو في الأرق أي عدم النوم , فإذا نحن نظرنا في باقي المعاجم مثل اللسان أو غيرها لا نجدها تخرج عن هذا المعنى 

ولكنا نعود فنجدهم يوردون تحت هذا الأصل معان أخرى لا علاقة لها بالأرق

, فنجد على سبيل المثال في اللسان :
” ….. وقال الفراء: الساهرة وجه الأَرض، كأَنها سميت بهذا الاسم لأَن فيها الحيوان نومهم وسهرهم، وقال ابن عباس: الساهرة الأَرض؛ وأَنشد: وفيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ، وما فاهوا به لَهُمُ مُقِيمُ وساهُورُ العين: أَصلها ومَنْبَعُ مائها، يعني عين الماء؛ قال أَبو النجم: لاقَتْ تَمِيمُ المَوْتَ في ساهُورِها، بين الصَّفَا والعَيْسِ من سَدِيرها ويقال لعين الماء ساهرة إِذا كانت جارية.
وفي الحديث: خير المال عَيْنٌ ساهِرَةٌ لِعَيْنٍ نائمةٍ؛ أَي عين ماء تجري ليلاً ونهاراً وصاحبها نائم، فجعل دوام جريها سَهَراً لها.
ويقال للناقة: إِنها لَساهِرَةُ العِرْقِ، وهو طُولُ حَفْلِها وكثرةُ لبنها….. ” اهـ
فنخرج من هذا الجماع للاستعملات المختلفة للكلمات أن السادة اللغويون لم يحالفهم الصواب والدقة عند تحديد معنى السهر , فقالوا أنه بمعنى الأرق

مع أنه من الأولى ومن الأدق أن يقال أن السهر هو بمعنى الدوام والسفلية والمطاوعة! قد يعجب القارئ ويسأل : من أين أتينا بهذا المعنى ؟ فنقول : استخرجنا هذا المعنى من خلال النظر في المعنى الجامع للمدلولات المشتركة تحتها وكذلك من خلال تقليبات الكلمة المحتملة , فإذا نحن قلبنا كلمة ” سهر ” وجدناها ” رهس , وهي كما جاءت في المقاييس :
” الراء والهاء والسين أصلان: أحدهما الامتلاء والكثرة ، والآخَر الوطء. فالأول قولهم: ارتهَسَ الوادي : امتلأ. وارتهَسَ الجرادُ: ركِب بعضُه بعضاً .والأصل الآخر: الرَّهْس: الوطء. ” اهـ

إذا فالرهس يدل على الوطء والوطء الشديد المكثف , وعكس الرهس مبنى ومعنى هو السهر ! فالسهر هو الذي يوطىء ! فإذا نحن قلبنا الكلمة من النصف أصبحت ” هرس ” وهي معروفة المعنى , وهي كما جاءت في المقاييس : ” الهاء والراء والسين : أصلٌ صحيح يدلُّ على دَقٍّ وهَزْمٍ في الشَّيء . وهَرَسْت الشّيءَ: دقَقْتُه . ” اهـ

فالهرس يدل على الدق والكسر في الشيء إلى قطع صغيرة , فنخرج من تجميع هذه المعاني أن المراد من الساهرة فعلا هو الأرض اللينة ( الطين ) أو الأرض عامة , وبهذا يكون ما قاله المفسرون في هذا المعنى صحيح على الرغم من حيرتهم الشديدة في العلاقة بين الساهرة والأرض وظنهم ألا علاقة بينهما ! وأن الأمر من باب التوقيف

, لذلك نجد بعضهم يجعلها أرضا مخصوصة أو أرض يوم القيامة إلخ تلك الأقوال التي لم تعرف وتحدد العلاقة بين السهر والأرض .

إذا فعندما تزجر الزجرة الواحدة يعاد تكوين الناس مرة أخرى بالساهرة وهي كما رأينا بمعنى الأرض وبمعنى عين الماء السائلة ,فيخلق الناس من التراب ومن الماء , أي أن الناس يعاد تشكيلهم وإخراجهم مرة أخرى من الأرض كما خرجوا أول مرة , 
فإذا مروا بالمراحل المألوفة المعروفة واكتمل خلقهم يخرجون من الأرض مكتملين ناضجين كما خرجوا أول مرة عند خلقهم على كوكب الأرض ” يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ [ق : 44] ” فكما حدث في المرة الأولى يحدث في المرة الآخرة مصداقا للقانون الرباني الرحماني ” …كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء : 104] “

أي كل ما هنالك صيحة واحدة فيكوّن الناس من الأرض مرة أخرى ولا يحتاج الأمر أكثر من ذلك !
ثم انتقل الله عزوجل نقلة نوعية كبيرة فقال ” هل أتاك حديث موسى ” فما هو الرابط بين هذه الآية وبين الآيات السابقات ؟

يحمد للإمام الفخر الرازي أنه حاول أن يوفق بين الآية والآيات السابقات فقال : ” اعلم أن وجه المناسبة بين هذه القصة وبين ما قبلها من وجهين :
الأول : أنه تعالى حكى عن الكفار إصرارهم على إنكار البعث حتى انتهوا في ذلك الإنكار إلى حد الاستهزاء في قولهم : { تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسرة } [ النازعات : 12 ]
وكان ذلك يشق على محمد صلى الله عليه وسلم فذكر قصة موسى عليه السلام ، وبين أنه تحمل المشقة الكثيرة في دعوة فرعون ليكون ذلك كالتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم
الثاني : أن فرعون كان أقوى من كفار قريش وأكثر جمعاً وأشد شوكة ، فلما تمرد على موسى أخذه الله نكال الآخرة والأولى ، فكذلك هؤلاء المشركون في تمردهم عليك إن أصروا أخذهم الله وجعلهم نكالاً .” اهـ

والأمر ليس له علاقة بالتسلية ولا بالتثبيت كما يحسب الإمام الفخر وإنما هو استمرار للنسق الذي تسير عليه السورة من أولها !
فإذا كانت السورة من أولها تتحدث عن العذاب الذي ينزل بالكافرين بواسطة الملائكة نتيجة تكذيبهم وعنتهم ومحاربتهم واضطهادهم للرسل وللرسالة ناسب أن يذكر الله عزوجل هنا للرسول قصة نزول العذاب بفرعون وقومه فهو يذكّره بأن فرعون لما جاءه موسى ودعاه إلى عبادة الله تعالى طغي وتجبر وادعى الألوهية والربوبية فأخذه الله هو وجيشه ونزل بهم العذاب بواسطة الملائكة الذين شقوا البحر استدراجا له فأغرق هو وجيشه ,

فإن هذا قانون عام يسري على من يظهر له ويناطحه, وكان فرعون أحد من سقطوا فيه ! وفي هذا عبرة لمن يخشى , فهل يعتبر أحد ! ثم يعود الله تعالى للرد على المتجبرين المتكبرين المنكرين للبعث وللعقاب الرباني والذين يرون أن ما ينزل بهم هو من الطبيعة وأنه ما هي إلا حياتهم الدنيا يموتون ويحيون وما يهلكهم إلا الدهر فيوضح لهم مقدارهم بقوله : أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها …….
ثم يواصل الحديث عن نعمه عليهم إلى أن يصل إلى قوله تعالى ” فإذا جاءت الطامة الكبرى ” والطامة معروفة فهي بمعنى الكارثة والداهية العظيمة والتي لا يستطيع أحد أن يدفعها أو يردها ,

 ولم يقل لنا أحد من المفسرين لم وصف الله تعالى يوم القيامة هنا بقوله ” الطامة الكبرى ” واكتفوا بالقول أن هذا من أسماء اليوم الآخر, أما على فهمنها نحن للسورة من أولها إلى آخرها فإن هذا هو المناسب للذكر , فالله تعالى من أول السورة يتحدث عن العذاب الذي ينزل بالكافرين ثم ذكر لنا نموذجا على ذلك وهو ما حدث لفرعون , وهذا العذاب الذي ينزل بالكافرين والعصاة المفسدين هو بداهة من الطوام , ولكن كل عذاب لا يقارن بالآخرة , فهي الطامة الكبرى ! فإذا جاءت الطامة الكبرى فيومها يتذكر الإنسان ما سعى …. إلخ مواقف اليوم الآخر!

ثم تختم هذه التحفة البديعة بما يؤكد السورة الماضية , ففي آخر السورة الماضية قال الله تعالى ” إنا أنذرناكم عذابا قريبا ” وهنا يقول الله تعالى ” يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا [النازعات : 42] ” ويرد عليهم بقوله “ فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها “ فأمرها إلى الله عزوجل فقط , فلا يعلم غيره بها , ولكن هذا اليوم واقع واقع ! وأنت فقط منذر ” إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا [النازعات : 45] “ ,
وقارن هذه الآية بآية النبأ “ إنا أنذرناكم عذابا قريبا ” فالإنذار جاء في النبأ والتأكيد جاء في النازعات . وسبحان من كانت كلمته واحدة لا مبدل ولا مغير لها !

فانظر أخي في الله إلى هذا التناسق البديع والتصوير الأبدع للآيات وتناسبها واتفاقها وجريانها كلها في مجر واحد متصل غير منقطع يؤكد أولها آخرها ويؤازر آخرها أولها ,

وانظر إلى اتصال السورة بما قبلها وتأكيدها لما فيها وانظر إلى الموضوع البديع وسل نفسك : هل ما قلناه من خلال تلك الوحدة الموضوعية للسورة التي تسير عليها من أولها إلى آخرها هو الصواب أم ما جاء به الأقدمون من القطع والفصل ؟

هدانا الله لما فيه خير الصواب !

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

التقديس لدرجة الهجران و التهميش

يقدس الناس في بلادنا العربية و الإسلامية الدين أيما تقديس و هذا أمر حميد في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.