بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وسلام على عباده الذين اصطفى ثم أما بعد:
فمما شاع واستقر بين رجال المسلمين أن النساء ناقصات عقل ودين! وأنهن كذلك أكثر أهل النار! وهو مما يُستخدم في ذم النساء وسلوكهن، فهن إجمالاً ناقصات عقل وهن إجمالاً كجنس سيكن أكثر أهل النار في الآخرة! ومن ثم فجنس الرجال في الإجمال عند المقارنة أفضل، فهم وافرو العقل!! وإجمالاً من سيدخل منهم النار أقل بنسبة من النساء!
فإذا تساءلت: من أين جاءت هذه القناعات؟ هل وردت في القرآن؟ تجد أن الإجابة بلا، فالقرآن لم يعرض لهاتين القناعتين بأي حال من الأحوال! وإنما تجد أن –المفترض أن- القناعتين وردا في واقعة واحدة للرسول! أصدرتا حكماً نهائيا على النساء بهذين الوصمين الشنيعين!
لذا نتوقف مع هذه الواقعة اليتيمة لنبصر ماذا نُسب إلى الرسول فيها من روايات مختلفة ومتباينة:
ونبدأ برواية البخاري، فنجده يروي
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا.
فهنا نجد في هذه الرواية أنها تقول إن النساء أكثر أهل النار وأنهن ناقصات عقل ودين.
وهنا نتساءل: هل وردت كل الروايات الأخريات للواقعة بهذا الشكل؟!
فنقول: لا، وردت الكثير من الروايات والتي قصرت هذه الحادثة على أن الرسول وعظ النساء ولكن لم يذكر مسألة نقصان العقل والدين
مثل ما رواه أحمد عن ابن مسعود (انتبه إلى الراوي ابن مسعود):
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ
خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَامَتْ امْرَأَةٌ لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَةِ النِّسَاءِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ نَحْنُ أَكْثَرُ أَهْلِ جَهَنَّمَ قَالَ لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ.
وكذلك في أحمد: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ ثُمَّ خَطَبَ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ فَوَعَظَهُنَّ وَقَالَ تَصَدَّقْنَ فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْخَاتَمَ وَالْخُرْصَ وَالشَّيْءَ ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَجَمَعَهُ فِي ثَوْبٍ حَتَّى أَمْضَاهُ
عن البراء بن عازب: …. ثُمَّ قَالَ يَا بِلَالُ قَالَ فَمَشَى وَاتَّبَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسْوَانِ تَصَدَّقْنَ الصَّدَقَةُ خَيْرٌ لَكُنَّ قَالَ فَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ أَكْثَرَ خَدَمَةً مَقْطُوعَةً وَقِلَادَةً وَقُرْطًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ
عَنْ زَيْنَبَ قَالَتْ:
خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَتْ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَجُلًا خَفِيفَ ذَاتِ الْيَدِ فَقُلْتُ لَهُ سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُجْزِئُ عَنِّي مِنْ الصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِي قَالَتْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ فَقَالَ اذْهَبِي أَنْتِ فَاسْأَلِيهِ قَالَتْ فَانْطَلَقْتُ فَانْتَهَيْتُ إِلَى بَابِهِ فَإِذَا عَلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ اسْمُهَا زَيْنَبُ حَاجَتِي حَاجَتُهَا قَالَتْ فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ قَالَتْ فَقُلْنَا لَهُ سَلْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُجْزِئُ عَنَّا مِنْ الصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَأَيْتَامٍ فِي حُجُورِنَا قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بِلَالٌ فَقَالَ عَلَى الْبَابِ زَيْنَبُ فَقَالَ أَيُّ الزَّيَانِبِ قَالَ فَقَالَ زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَزَيْنَبُ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَسْأَلَانِكَ عَنْ النَّفَقَةِ عَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَأَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا أَيُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهُمَا مِنْ الصَّدَقَةِ قَالَتْ فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ.
فهذه الروايات اقتصرت على ذكر الموعظة، بل إن بعض الروايات تعتبر مدحا للنساء وليس ذما لهن مثل رواية البراء بن عازب!
ستقول: وماذا في هذا؟ هذا ليس دليلا! الروايات يحدث فيها أحيانا اختصار فيكتفي الرواي بذكر جزء من الحادثة ويضيف الرواي أو غيره أجزاء أخرى في رواية أخرى.
فأقول: نعم، ولكن أكمل المسير معي لتبصر لنفسك!
إذا نحن نظرنا في الروايات المذكورة وجدنا أنها تقتصر على وعظ وتخويف للنساء وعلى أن النساء استجبن للموعظة وتصدقن! ولكن إذا نحن قارنا ألفاظ هذه الروايات وجدنا أن هناك روايات أخرى لم تقل إن الرسول قال إن النساء أكثر أهل النار وإنما قال: “أكثركن حطب جهنم” كما جاء عند مسلم وأحمد والنسائي:
مسلم: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ ثُمَّ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَحَثَّ عَلَى طَاعَتِهِ وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ فَقَالَ تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ فَقَامَتْ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ فَقَالَتْ لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ قَالَ فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ
أحمد: عَنْ جَابِرٍ قَالَ
شَهِدْتُ الصَّلَاةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ ثُمَّ مَضَى إِلَى النِّسَاءِ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَمَرَهُنَّ بِتَقْوَى اللَّهِ وَوَعَظَهُنَّ وَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَحَثَّهُنَّ عَلَى طَاعَتِهِ ثُمَّ قَالَ تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ سَفَلَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ فَجَعَلْنَ يَنْزِعْنَ حُلِيَّهُنَّ وَقَلَائِدَهُنَّ وَقِرَطَتَهُنَّ وَخَوَاتِيمَهُنَّ يَقْذِفْنَ بِهِ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ يَتَصَدَّقْنَ بِهِ
النسائي:
عَنْ جَابِرٍ قَالَ
شَهِدْتُ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ ثُمَّ مَالَ وَمَضَى إِلَى النِّسَاءِ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَمَرَهُنَّ بِتَقْوَى اللَّهِ وَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ حَثَّهُنَّ عَلَى طَاعَتِهِ ثُمَّ قَالَ تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ سَفِلَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ فَجَعَلْنَ يَنْزِعْنَ قَلَائِدَهُنَّ وَأَقْرُطَهُنَّ وَخَوَاتِيمَهُنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ يَتَصَدَّقْنَ بِهِ” اهـ
وهذا ما أعتقد أن الرسول قد قاله! وليس أنهن أكثر أهل النار! لأسباب عديدة منها: أن هذا تعبير قرآني استخدمه الرسول، كما أنه موعظة لمجموعة من النساء يقول لهن: إن أكثركن –لسوء فعالكن سيكون- حطب جهنم (وهي نتيجة بدهية)، بينما المقولة الأخرى هي اطلاع على الغيب وحكم على كل جنس النساء.
إذا فالرسول كان يوعظ النساء ليستقيم سلوكهن، وليس أنه أصدر نبوءة كونية كبرى على كل جنس النساء، ولو حدث لما كان في الإمكان لأي راوي أن يتجاوز هذه المسألة ويحكي الواقعة كأنه شيء عادي أو حتى إيجابي للنساء كما نجد مثلاً في:
مصنف عبد الرزاق
عن ابن عباس قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم ، صلى يوم العيد ثم خطب فظن أنه لم يسمع النساء فأتاهن فوعظهن ، وقال تصدقن ، قال : فجعلت المرأة تلقي الخاتم ، والخرص والشئ ، ثم أمر بلالا فجعله في ثوب حتى أمضاه.
أخبرني عياض بن عبد الله بن أبي سرح أنه سمع أبا سعيد الخدري يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم العيد ويوم الفطر فيصلي تينك الركعتين ، ثم يسلم فيقوم فيستقبل الناس وهم جلوس حوله فيقول : تصدقوا تصدقوا ، فكان أكثر من يتصدق النساء بالخاتم ، والقرط ، والشئ ، فإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم حاجة في أن يضرب على الناس بعثا ذكره ، وإلا انصرف.
هنا تبقى النقطة الأخرى، وماذا عن قوله ناقصات عقل ودين والتي وردت في العديد من الروايات الأخرى؟
فأقول: عند نظري في هذه الروايات وجدت أن هذه الجملة غير منسجمة مع ما قبلها، مما جعلني أشعر أنها مضافة من أحد رواة الحديث، يعني مثلا انظر في رواية البخاري: ” … تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ ..” اهـ
فتصور أن الرسول يعظ النساء ليتصدقن ويقول لهن إنهن أكثر أهل النار ثم يعلل لهن هذا بكثرة اللعن وكفران العشير، ثم يقول: ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب .. الخ، فما علاقة هذا بما قبله؟! لا توجد علاقة! مما أشعرني أنها كلام مدرج! ولهذا نجد أن أكثر الروايات التي ذكرت مسألة ناقصات عقل ودين لم تذكر أن النساء تصدقن!! وإنما اكتفين بالقول أن الرسول وعظ النساء ليتصدقن ثم عدد مثالبهن وانتهت الرواية بهذا!! وقارن هذه الروايات المسيئة بتلك الروايات الأخرى التي تذكر استجابة النساء وتأثرهن ومسارعتهن بالتصدق والإكثار منه، تجد أن هذه في واد وتلك في أخرى.
وأعود فأقول: إن مسألة شعوري وحسي اللغوي شيء وإصدار حكم على رواية حديثية شيء آخر، لذا أخذت أبحث هل وردت بعض الروايات فيها هذه المقولة منسوبة لصحابي أو تابعي!
وبكل عجب وجدت الكثير من الروايات التي تصرح بنسبة هذه المقولة لسيدنا عبد الله بن مسعود!!!! فنجد مثلاً في:
بغية الحارث: عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للنساء تصدقن فانكن أكثر أهل النار فقامت امرأة ليست من علية النساء أو ليست بأعقلهن فقالت بم يا رسول الله أو لم أو فيم قال انكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير. قال عبد الله ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للرجال ذوي العقول منهن. قيل وما نقصان دينها قال تمكث كذا وكذا يوما لا تصلي. قيل وما نقصان عقلها قال جعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل.
وفي سنن الدارمي:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِلنِّسَاءِ :« تَصَدَّقْنَ فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ ». فَقَالَتِ امْرَأَةٌ لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَةِ النِّسَاءِ : لِمَ؟ أَوْ بِمَ؟ أَوْ فِيمَ؟ قَالَ :« إِنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ». قَالَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : مَا مِنْ نَاقِصِى الدِّينِ وَالَعَقْلِ أَغْلَبَ لِلرِّجَالِ ذَوِى الأَمْرِ عَلَى أَمْرِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ ، قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ اللَّهِ : مَا نُقْصَانُ عَقْلِهَا؟ قَالَ : جُعِلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ. قَالَ : سُئِلَ مَا نُقْصَانُ دِينِهَا؟ قَالَ : تَمْكُثُ كَذَا وَكَذَا مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لاَ تُصَلِّى لِلَّهِ صَلاَةً.
وفي مسند أبي يعلى الموصلي: عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تصدقن يا معشر النساء ، فإنكن أكثر أهل جهنم يوم القيامة » ، قالت امرأة ليست من علية النساء : ولم نحن أكثر أهل جهنم ؟ قال : « إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير » ، قال ابن مسعود : « ما وجدت ناقص العقل والدين أغلب على الرجال ذوي الأحلام على أمورهن من هذه النساء » ، قيل : يا ابن مسعود ، وما نقص عقولهن ودينهن ؟ قال : « أما نقص عقولهن : فشهادة امرأتين بشهادة رجل ، وأما نقص دينهن : فإنه يأتي على إحداهن ما شاء الله من يوم وليلة لا تسجد لله فيه سجدة »
وفي مسند الحميدي: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ ». فَقَامَتِ امْرَأَةٌ – لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَةِ النِّسَاءِ – فَقَالَتْ : لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ :« لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ». ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : مَا وُجِدَ مِنْ نَاقِصِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ أَغْلَبَ لِلرِّجَالِ ذَوِى الرَّأْىِ عَلَى أُمُورِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ . قَالَ فَقِيلَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَا نُقْصَانُ عَقْلِهَا وَدِينِهَا؟ قَالَ : أَمَّا نُقْصَانُ عَقْلِهَا فَجَعَلَ اللَّهُ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ ، وَأَمَّا نُقْصَانُ دِينِهَا فَإِنَّهَا تَمْكُثُ كَذَا يَوْمًا لاَ تُصَلِّى لِلَّهِ سَجْدَةً.
وفي صحيح ابن حبان: عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للنساء : « تصدقن فإنكن أكثر أهل النار » ، قالت امرأة : ليست من علية النساء : بم ، أو لم ؟ ، قال : « إنكن تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير » قال عبد الله : ما من ناقصات العقل والدين أغلب على الرجال ذوي الأمر على أمرهم من النساء ، قيل : وما نقصان عقلها ودينها ؟ ، قال : أما نقصان عقلها فإن شهادة امرأتين بشهادة رجل ، وأما نقصان دينها فإنه يأتي على إحداهن كذا وكذا من يوم لا تصلي فيه صلاة واحدة «
وبعد هذا كله يحق لي أتساءل: هل لم تمر هذه الروايات التي صرحت بأن المقولة لعبد الله بن مسعود على كل المدافعين عن تلك الرواية المسيئة للمرأة؟! وهم يتكلمون بغير علم؟! أم أنهم علموا وغضوا الطرف عنها متعصبين لجنسهم؟!!
نخرج من المقارنة بين روايات الواقعة الوحيدة التي قيل فيها هذه الموعظة أن الموعظة كانت عادية تحذر المخاطبات من أن يستمررن في فعل ما يجعلهن حطباً لجهنم وتحثهن على التصدق تكفيراً لذنوبهن! وكيف تحول هذا التحذير الخاص إلى حكم عام على كل النساء ثم أضيف إليه مقولة ابن مسعود ونُسبت هي كذلك إلى النبي فأصبحت مذمة جديدة للنساء!
وقانا الله وإياكم شر التقول على الله ورسوله وجعلنا وإياكم من المستضيئين بالقرآن المهتدين بهديه والمحبين لرسوله الرؤوف الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
su kaçak tespiti yapan firmalar Su kaçağı tespiti, yapısal hasarı önlemek için kritik öneme sahiptir. https://helpdesk.rikor.com/?p=366272