من نقد “النسخة الشعبية” من الدين/ التدين.
إلى التقعيد لعلوم الدين
في جميع الأديان ينتشر فهم “بسيط” وربما سطحي للدين, والإسلام ليس استثناء .. ويؤمن بهذه النسخة الأكثرية من أفراد المؤمنين به بغض النظر عن مستواهم العلمي .. (غير الديني)
وبين كتاباتي الكثير من الكتابات النقدية، ولكن أنا عندما أمارس النقد فإني أمارس نقد “الأفهام” وليس الدين نفسه, ولكن الأكثرية لا ترى الحد الفاصل بين الاثنين!
ومن ثم أجد هجوما على هذا النقد, والذي يقوم به كثيرون
-لا شعوريا- للدفاع عن قناعاتهم واختياراتهم, وعن ما يرون أنه هو- صحيح الدين!
(وحتى يكون هناك حوار قد أرد أحيانا تبعا لقناعات “الآخر”, ولكن هذا لا يعني أنها قناعاتي أو أني مؤمن بما تؤمن به الأكثرية من “الدين العلمي”)
وذلك لأن قناعاتي وقواعدي مختلفة بدرجة ما -كبيرة أو صغيرة- عن القناعات التي لُقنت
(وهي في الغالب ليست كذلك “الضد” الذي نُعت لهم مقدما بأنه ضال!)
وأذكر بعض الأمثلة على الاختلاف في القواعد والأصول:
“أصولي اللغوية” مثلا ليست ما لقنوك ولا ما قرأت في الكتب وإنما خليط منها وجديد مني.
فعندما أُخير مثلا هل اللغة حقيقة أم مجاز, سأقول: لا هذا ولا ذاك
لي فيها قول ثالث (من بنات أفكاري وليس نقلا عن أحد)
وما يترتب على الأصول اللغوية من فهم للنصوص!
ثانيا: عملية الاستدلال التي تقوم بها الأكثرية, والقائمة على سرد أدلة مقتطعة من الكتاب والسنة, والإكثار من قال فلان وقال علان, طريقة سطحية ومعيبة, وما كان من المفترض أن يكون الاستدلال بين المسلمين بهذه الطريقة!!
وما هي طريقة الاستدلال السليمة إذن؟!
الطريقة الأصلية التي كان يفترض اعتمادها, والقائمة على النص والمحتوى, ولكن لم يُنتبه إليها وتم اعتماد طريقة النص فقط!!
فإذا انتقلنا إلى قوة كتب الأحاديث مثلا, فأنا لا أسلم بالترتيب الشهير: ما اجتمع عليه الشيخان ثم البخاري ثم مسلم, ولي فيها قول آخر!
ولن أتوقف لأؤكد أن “علم مصطلح الحديث” به الكثير من اللين ويفتقد القطع وإطلاق “علم” عليه هو من باب التجوز, فهو أقرب للآراء الشخصية!
فإذا انتقلنا إلى علم أصول الفقه, فإن لي نقود على رؤوس مسائله!
وربما تكون الأكثرية قد قرأت عن مدارس التفسير, ولكنها يقينا لم تمارس “تفسير” القرآن, بينما لم أكتف أنا بالممارسة وإنما كونت نظرية في “التفسير”!
والأكثرية “جبرية” ترى أن المسار الذي سار فيه الدين هو المسار الذي كتبه الله وأراده عند إرسال الدين, ولا تتخيل إمكانية وجود “شكل” آخر للدين كان يمكن أن يكون عليه الإسلام استنادا إلى الكتاب والسنة.
ولا تظن مجرد ظن أنه كان يمكن أن تكون هناك “علوم” أخرى يمكن أن تُنشأ أصلا مثل علم المسارات وعلم “الإصلاح” وعلم الدليل وعلم القوانين الكلية وعلم مركزة القرآن وغيرها!
وكذلك لا يخطر ببال الأكثرية أن هناك الكثير من القواعد التي كانت يمكن أن تضاف إلى العلوم الحالية وتغير مساراتها! وتداوي مثلا المسار اللاأخلاقي والموجود فيها, مثل ذلك الموجود في كتب العقيدة مثلا وعلم مصطلح الحديث!
هذه الأمور كثيرة الحاضرة أمام عيني, ليس لأني أكثر عبقرية من العلماء السابقين الذين كتبوا أو ألفوا في الدين, ولكن لأني ببساطة منشغل بالمسارات نفسها التي يسير عليها المجتمع وتسير عليها وفيها العلوم -سواء الدينية أو غير الدينية-, وبكل بساطة:
فالسابقون انشغلوا بشق أكبر قدر من المسارات, وقطعوا في هذا مسافات, بينما أنا منشغل بالمسارات نفسها!
فلهذا يقينا أنا لم “أكسر” مثلما كسروا ولم أقطع مثلما قطعوا
ولكني متوقف لأتساءل:
هل طريقة الضرب هذه سليمة؟ هل الضرب بهذه الطريقة يؤدي لنتيجة أفضل أم لا؟ هل هذا المسار سيؤدي إلى نتيجة ما أم أنه سيتحول إلى طريق دائري ندور فيه؟ هل ستثمر هذه الشجرة أم ستكون جرداء؟
باختصار
أنا “أتفلسف” حول العلوم ومنشغل بالتقعيد والتنظير!
وقطعت شوطا كبيرا في تكوين نظرية كلية يمكن تطبيقها على العلوم الإسلامية كلها, ويمكن بها نقدها وتعديلها!
وسأبدأ بإذن الله في فعل هذا!