أسماء الله الحسنى فوق “الإلوهية”!

رغما عن أن وحي رب البرية أكثر من ذكر أسماء الله الحسنى, وختم بها كثيراً من آياته, سواء كانت ثنائيات –وهو الأكثر-, مثل: السميع البصير, اللطيف الخبير, العلي العظيم, أو مفردات: وكان الله على كل شيء قديرا.

إلا أن الملاحظ أن “الله وأسماءه الحسنى” لم يأخذوا مكانتهم المفترضة في “بناء الدين” المقدم لعوام المسلمين, والذين يُفترض أن يتصدروا قمة البناء, فتم التعامل معها باعتبارها بديهيات, ومن ثم هُمش الله وأسماءه الحسنى, وقُدمت أمور أخرى لتحتل مركز الصدارة

فأصبحت “أحكام الشريعة/ الفقه” هي المتصدرة, حيث يسعى كل طرف لإثبات صحة اختياراته, وكذلك كيفية القيام بأفعال ما والتلفظ بتعبيرات ما بطريقة معينة “السنة”, وكيفية قراءة القرآن بشكل صحيح “التجويد” وحفظه, وكذلك الاختلاف حول بعض المسائل العقلية, تحت ما يُعرف بالعقيدة!

وبغض النظر عن الشكل الكارثي للدين الذي عرف به المسلمون الدين, وعن تهميش الأسماء الحسنى في منظومة التزكية الإسلامية –أين هي أصلا؟!!- واقتصارها على أنشودة –ربما- يُستمع إليها في بداية حفلات الزفاف المصرية, فإن الطامة الكبرى كانت في “اختزال أسماء الحسنى”, وفهمها من خلال اسم “الإله”!

فالأساس في أسماء الله أنها ليست فقط “حسنة”, وإنما هي “حُسنى” جمع: “أحسن”, ومن ثم فكان من المفترض أن يتوفر فيها أقل شرط وهو “الإطلاق”, فكما أن الله العلي القدير مطلق غير محدود, فالمفترض أن تكون أسماءه كذلك مطلقة, فتكون مغفرته مطلقة ورحمته مطلقة وعطاءه مطلقا .. وهكذا.

وبدلاً من أن يحاول المسلمون “التعرف” على أسماء الله الحسنى من خلال الآيات القرآنية التي ذكر الله العليم فيها أسماءه, ليستخرجوا منها “تصوراً” قرآنياً سليماً قويماً لأسماء الله الحسنى, “ربط” علماء المسلمين أسماء الله الحسنى بالألوهية, فأصبحت الأسماء الحسنى تابعة لكون الرب إلها!

فالله السميع يُفهم على أنه الإله السميع, والله اللطيف بعباده -كلهم- أصبح يُتصور على أنه الإله السميع الذي يسمع لمن يعبدونه, والله السلام هو “سلام” على المؤمنين .. وهكذا!

والإشكالية الكبرى في هذا –لمن لم يبصرها- هي أن أسماء الله الحسنى أصبحت تُفهم من خلال ثنائية مسلم وكافر, فالناس إمام مسلمون وإما كافرون, وأسماء الله حسنى للمسلمين فقط, بينما لغير المسلمين هي “حسنة” أو ربما غير حسنة على الإطلاق!

فرغما عن أن المسلمين يقرون أن الله رب العالمين, رب الناس أجمعين, إلا أنه بالمقام الأول رب المسلمين الذين يعبدونه, ومن ثم فلهم معاملة مخصوصة, فالله يعطي المسلمين ويزيدهم لأنهم مسلمون, -ونحن وإن لم نقلها إلا أنه قارٌ في وجداننا أننا شعب الله المختار!- ومن ثم ينتظرون معاملة خاصة من رب الأرباب, ويفسرون أعماله تبعاً لهذه المكانة الخاصة التي أنزلوا أنفسهم إياها … بأنفسهم!!

وللأسف لم يكن تفسير وتوجيه أعمال الله العظيم نابع من اجتهاد في التعرف على “عمل الله” في كونه, وإنما كان نابعاً عن نصوص .. تم اختلاقها, حيث تم اختلاق الكثير من القصص التي تتحدث عن أفعال الله, وكيف فعل كذا وجازى المؤمن بكذا وعاقب العصاة بكذا!

ونُسبت هذه القصص إلى الرسول أو إلى الصحابة أو إلى التابعين, ورغماً عن ضعف أسانيد هذه القصص أو عدمها أصلاً, والإقرار أن كثيراً منها من “الإسرائيليات” إلا أنها قُبلت باعتبارها “قصص وعظي”, ترغب الناس في الدين وتُمسكهم به! ومن ثم قُبلت وُضع هذا القصص المختلق بجوار كتاب الله, بل قُدم عليه!

فهذه نصوص في المسألة تقول بأن الله يفعل كذا لعلة كذا ويرضيه كذا ويغضب عن كذا ويعاقب بكذا, بينما أقوال العلماء الأخرى هي تفسيرات! والتفسيرات يُختلف فيها, ولا فضل لأحدها على الآخر فهي في النهاية أقوال علماء, بينما هذه نصوص صراح!!

ومن ثم أصبحت هذه النصوص هي “المادة الخام” التي يرجع إليها “علماء المسلمين” –وليسوا عوام المشائخ- الراغبين في الحديث عن أسماء الله الحسنى, ليستخرجوا منها أمثلة “إلهية بشرية” تُذكر عند الحديث عن أسماء الله الحسنى, ليخاطبوا بها القلوب!

فلا يكفي المسلم بحال عند الحديث عن اسم الله السميع أن يقال له أنه يسمع كل صوت في الدنيا مهما دق وخفى! وأنه يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء! فلا بد من تقديم أمثلة من واقع البشر ترقق القلوب وتربط الناس بخالقهم.

ومن ثم كوّن المسلمون تصورا عن الإله مأخوذا من هذه القصص, تصور لإله يغضب ويُدخل أناسا النار لمجرد كلمة قالوها, ويعفوا عن آخرين ظلوا طيلة حياتهم في ضلال وإفساد لكلمة أو لخاطرة! إله ذو “منطق” عجيب في الإعطاء والمنع! ربما ليثير عجب واستغراب الناس وليبين لهم كيف أن الأمور لا تسير تبعاً لما يعتقدون أو يُسيّرون به حياتهم! إله يميز المؤمنين عن غيرهم ويخصهم بحبه .. الخ.

ومن ثم تم “تقبيح” الأسماء الحسنى في أعين غير المسلمين, فأصبحوا يرون في “الله المحيط” إلهاً خاصا بالمسلمين, نعم تصوره أرقى من تصور الآلهة في باقي الأديان, ولكنه ينظر إلى غير المسلمين باعتبارهم “بشراً درجة ثالثة”, فهم ليسوا على درجة المسلمين ولا يدانوهم, فالمسلمون لهم معاملة خاصة, وتم “تحديد” الأسماء الحسنى في أعين المسلمين أنفسهم!

فمن ذلك المسلم الذي يتصور عند يسمع مثلا اسم الله السميع أنه يسمع للمسلمين وغير المسلمين, أنه يسمع لذلك البوذي ولذلك السيخي ولتابع أي دين عندما يناجي معبوده! بل ويسمع أنّات ذلك الملحد الخرّيت, الذي يتأوه من ظلم وقع به ونزل به, فتتظلم نفسه وتعترض على هذا الظلم الذي حاق به؟!

ومن ذلك الذي يؤمن بأن الله الرحيم هو رحيم بكل عباده وليس بالمسلمين فقط؟! إن الأكثرية الساحقة من المسلمين حتى الآن ترى أنه لا يجوز الترحم على غير المسلمين, وأن “رحمه الله” هي لموتى المسلمين حصرا!! ولو قيلت في حق مسيحي فهي “مخالفة شرعية”!!!

وكذلك أين ذاك المسلم التي هي من البديهيات لديه أن رأفة الله بعباده تظهر في تيسيره وسائل حياتية تيسر عليهم أمور حياتهم … كلهم؟ بعيداً عن ثنائية مؤمن وكافر؟!!

ومن ذلك المسلم الذي يخطر بباله أن من دلالات اسم الله الفتّاح أنه يفتح على كل عباده في مجالاتهم, فهو يفتح على المسلم وعلى غير المسلم, وهو يفتح للعالم المسيحي أو الملحد الذي يجتهد في اكتشاف قانون طبيعي/ سنة ربانية ما! وأنه يفتح على السيخي الذي يساعد البشر من خلقه ويتبرع لهم, فيزيده الله .. وهكذا.

وأين ذاك المسلم الذي يجول بخاطره أن ظهورات اسم الله الحليم هي في المقام الأول مع العصاة المذنبين وكذلك مع غير المؤمنين, وأنه يحلم بهم حلماً يليق بجلاله وعظمته؟!

الشاهد أن دلالات أسماء الله الحسنى ارتبطت لدى المسلمين بأفعال الله وبعنايته ورعايته لعباده المسلمين, وهي تصورات قاصرة علينا تنحيتها جانباً ومحاولة تقديم مدلولات أوسع, وبعبارة أدق تصورات مطلقة, تتجلى فيها أسماء الله باعتباره الرب الحق الحكيم, وليس إله المسلمين الحصري!

تصورات مأخوذة من الكتاب العزيز, تُري غير المسلمين “جمال الله” و “حُسن أسماءه وفِعاله”! تنسجم مع “التصور الفطري المطلق” للإله, فتُحرك قلوبهم تجاهه وتدفعهم إلى اللجوء إليه وإلى مناجاته والتسبيح بأسمائه.

تصورات تخرج المسلمين من دائرة الانغلاق والالتفاف حول الذات والتعالي, إلى الانفتاح على الآخر وتقبله والتسامح معه, بل والعمل من أجله ابتغاء وجه الله, فكل خلق الله “عياله” وهم “عزيزون” عليه!

وهو جل وعلا يريد لهم الخير والهناءة, ويريد لهم الهداية والرشد, يريد لهم أن يرضى عنهم ويرضوا عنه, لا أن يظلوا في معاناتهم وفي شقاءهم المادي ولا المعنوي

 فهل سنفتح كتاب ربنا لننظر فيه كيف تحدث عن أسماء الله الأعظم, لنعيد قراءة أفعاله في الكون حولنا, لتقديم تصور ” مطلق سنني” لأفعاله, أم سنظل راضين بالتصورات القاصرة المتناقضة وفهم كل أسماء الله الحسنى من خلال كونه إلها … متناسين أنه: الرب

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

توحيد الروايات

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله ربنا وخالقنا ومالك أمرنا، بيده الخلق والتدبير والتصريف، يهدي من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.