لماذا نُقبِّل؟!!

بدأنا بحمد الله وعونه سلسلة: لماذا, والتي نجيب فيها وبها عن كثير من المسائل التي تجول بخاطر الإنسان, ويبحث لها عن إجابات, والتي رأينا فيها تقصيرا من إخواننا في التفصيل فيها, وبعد أن تكلمنا في المقال السابق عن العذاب, كان من المفترض أن يكون هذا المقال مكملا له ويكون عن الإهلاك, ولكن رأينا أن نفصل بينهما بموضوع يخفف من حدة الموضوعين وثقلهما على النفس!

قد يكون الموضوع غير ذي أهمية عقلية عند الأكثرية, فهو يلتذ به ولا يفكر فيه! إلا أنه قد جال في خاطري, وتفكرت فيه إلى أن اهتديت بفضل الله تعالى إلى إجابة, فنعرضها هنا من باب التلطيف العقلي!

حديثنا اليوم بإذن الله هو عن القُبلة! لماذا يقبل الإنسان محبوبته أو أخاه أو أباه أو ابنه, ما هي الرمزية الموجودة في القبلة؟
سؤال لا أعتقد أنه مر ببال الكثيرين, ونجيب عليه من باب التلطيف الفكري, فنقول:

لماذا نُقبل؟
ماذا يعني أن أضع شفتاي على أي جزء من أجزاء جسم الطرف الآخر؟!
ما الدلالة التي تحملها هذه الحركة؟

قد يكون من الغريب القول أن أصل القبلة ……. عضة!!
نعم …. عضة!
بداهة سيستغرب القارئ هذا القول, كيف تتحول العضة إلى قبلة؟!
فنقول:

مر الإنسان في حياته بالمرحلة الحيوانية قبل المرحلة الإنسانية (سواءً اتفق القارئ معنا في قولنا بوجود بشر قبل آدم أو لا, فهو يقر لا محالة, أن كلاً منا مر بهذه المرحلة في طفولته المبكرة, فهو في هذه المرحلة حيواني التصرف بلا جدال!!,
وهذه المرحلة الحيوانية في حياة الإنسان مساوية للمرحلة الحيوانية في حياة البشر!)

وفي هذه المرحلة يمر الطفل/ الإنسان البدائي بالمرحلة الفمية, والتي يسارع فيها بأخذ كل الأشياء ووضعها في فمه, بل إذا قربنا الطفل في هذه المرحلة من طفل أو طفلة أخرى في هذه المرحلة فإنه سرعان ما يقوم بفتح شفتيه, فهو يرى أمامه شيئا جميلا, ويظنه قابلا للتملك, والذي هو الأكل في هذه المرحلة!

ويظن الأهل أن الطفل يريد أن يقبل الطفل/ة ولكنه في الواقع يريد أن يأكله!
ولا يعني هذا أنه آكل لحوم البشر, لأنه لا يفقه شيئا, وإنما يريد أن يلبي حاجته في هذه المرحلة.

فإذا نحينا الأطفال جانبا واتجهنا إلى الحيوانات وجدنا أن الذكور غالبا ما تقوم بعض الإناث في أثناء ممارسة العملية الجنسية, وهو يقوم بهذه العملية من باب تثبيت الأنثى وكذلك إثبات السيطرة والتملك.

وكذلك كان الإنسان البدائي يفعل في بادئ الأمر عند ممارسة العملية الجنسية! (وتصور إنسان بعقل طفل في المرحلة الفمية قادر على الممارسة الجنسية!!, ماذا سيفعل سوى عض الأنثى! ولا يزال الرجل يعض المرأة عضا خفيفا من باب المداعبة!)

ووهب الله تعالى الإنسان نعمة العقل, والذي تحكم في كثير من الطباع الحيوانية, فكان من المنطقي أن تختلف طريقة الإنسان في التعبير عن مشاعره ورغباته.

ومع وجود العقل ظلت اليد والفم (الشفاة تحديدا) وسيلتا الإحساس والتملك الأولى.

فعلى الرغم من وجود أعصاب الإحساس لدى الإنسان في جميع أعضاء جسده, إلا أنه لا يشعر بها كاملة إلا إذا أجراها بيده, فلذة تحسس المرأة بكل أجزاء الجسد لا تساوي بحال تحسسها باليد, وذلك لمعرفتي الفطرية بتوفر إمكانية أخرى في اليد وهي التحكم أو التملك, فيمكنني بيدي أن ألمس وأمسك وأسيطر.

وهكذا أصبحت اليد رمزا للتواصل, ليس فقط في العملية الجنسية, فلكي أوصل مشاعري وأحاسيسي لأخي أو لصديقي أو لقريبي لا بد أن أقوم بذلك بيدي فأربت على كتفه أو أحتضنه.

ويحدث كل هذا بداهة باليد, وكما ظلت اليد ظلت كذلك الشفاة (الفم), فالشفاة محل تجمع عال من الأعصاب الحسية, فالإنسان عندما يضع شفتاه على آخر, فإن ذلك إشارة إلى الإحساس الشديد به والرغبة في التواصل معه, وهو يرى أنه يستطيع ذلك بملامسته بشفتيه.

ولأن الوجه هو أشرف ما في الإنسان, والذي يحتوي وسائل التواصل مع الآخرين, من سمع وبصر وكلام وشم وذوق, فكانت الملامسة بهذه الأعضاء الحساسة أكثر بلاغة في توصيل الارتباط والتعلق بالطرف الآخر!
فأن أربت بيدي على طفل فهذه إشارة حسنة, ولكنه أن ألامسه بفمي فهذه إشارة أقوى في التواصل والإحساس بهذا الطرف!

ولأن العلاقة بين غير المتناكحين علاقات رمزية اكتُفي فيها بالملامسة بالشفاة, أما العلاقة بين المتناكحين فإنها علاقة تشتمل المشاعر والرغبة الحيوانية فتعدى التواصل فيها إلى ملامسة الشفاة للشفاة, وكذلك اللسان للسان, بل ويتعدى الأمر أحيانا إلى عض الرجل للمرأة! لكي يشعرها بالألم, فالرجل لا يزال ذلك الحيوان الذي يرى أن من أهم أهداف العملية الجنسية إيلام الأنثى!

واختلف الأمر كثيرا بالنسبة للإنسان ذي الروح, فبعد أن ظهرت القبلة كأسلوب للتعبير عن الارتباط بالآخر والإحساس به, والتي أصبح الطفل يتلقاها مرارا وتكرارا منذ صغره,
أدرك الطفل مبكرا ماذا تعنيه هذه القبلة, وظهرت كأسلوب لتعبير الطفل عن مشاعره بعد أن يتعدى المرحلة الفمية بفترة, ويبدأ يعقل بعض الشيء, فنجد بعض الأطفال يريدون أن يقبلوا الأطفال الأصغر منهم سنا, تعبيرا منهم عن وجود بعض المشاعر أو الإعجاب تجاه هذه الأطفال الصغار الضعاف.

ولأن المرأة كائن حساس بدرجة كبيرة, فهي تهتم كثيرا بالقبلة, لأنها تعبر عن تواصل الرجل معها, وتعني لها –في اللاشعور- معان كثيرة, لا تستطيع التعبير عنها بلسانها, ويمكنني القول أن المرأة تكره العملية الجنسية, التي يمارسها معها الرجل بدون تقبيل, لأنها لا تشعر بتواصله معها وبإحساسها بها.

لذا فإنني أنصح المتزوجين, أن يكثروا من تقبيل زوجاتهم, بخارج العملية الجنسية, وصدقني سيجدون أن هذا يؤثر كثيرا في المرأة وسيجعلها أكثر خضوعا له!
وهذا ما نبحث عنه كلنا!!! 

كما ننصح الأباء أن يقبلوا أبناءهم (ولا نحتاج إلى نصح الأمهات, لأنهن يفعلن ذلك كثيرا, بدون أي حث من إنسان!), وسيوجد ذلك من جو الحب والارتباط داخل الأسرة! فالرجولة والتربية الخشنة لا تعني القسوة فقط, وإنما تعني الجد والحب, فبهما نحصل على أفضل النتائج!

وخير رسول للحب هو القبلة, فقبلوا … ولا تعضوا!!

والسلام عليكم ورحمة الله!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

التقديس لدرجة الهجران و التهميش

يقدس الناس في بلادنا العربية و الإسلامية الدين أيما تقديس و هذا أمر حميد في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.