لماذا وُجدنا؟!

سنبدأ بإذن الله وعونه سلسلة مقالات, تحت عنوان: لماذا.
تجيب عن بعض الأسئلة, التي يجب على كل إنسان أن تتوفر لديه إجابتها, ونقدم بذلك بذرة ونواة وكشفا للإنسان, يعرف به لم يفعل ما يفعل وهل أصاب فيما فعل؟

وبتوقفنا هذا ننضم إلى القلة التي توقفت وتساءلت, ولكنا لن نرضى أن تظل هذه التساؤلات وإجاباتها حبيسة صدورنا –كما هو الحال بالنسبة لكثير من القلة القلية!- وإنما سنسطرها ونقدمها للقارئ الكريم, لينظر:

هل يتفق معنا فيما نقول, أم يخالفنا كلية, أم أنه يوافقنا في جزء ويخالفنا في آخر. وإذا كان عند القارئ الكريم بعض الإضافات, التي يرى أنها جديرة بالذكر, فليتفضل مشكورا ويضيفها إلى ما سطرنا فنزداد نفعا.
وإذا كان لديه أي استفسارات أو اعتراضات أو تصويبات, فليضعها مشكورا, حتى نوضح له اللبس ونصحح ما أخطأنا فيه, فليس ما نكتبه هو عين الصواب, وإنما هو نتاج عقل بشري يخطأ ويصيب, وأحيانا يعتوره الشطط!

لماذا وُجدنا؟
ونتوقف اليوم بإذن الله وعونه مع هذا السؤال الذي يغفل عنه كثيرون, -لانشغالهم بدنياهم وبطريقهم! على الرغم من عدم معرفتهم, إلى ما يؤدي هذا الطريق ولم يلهثون فيه ابتداءا؟!- فلا يتساءلون: لماذا وُجدوا على سطح هذا الكوكب؟
وتختلف –لا- إجابة هذا السؤال, تبعا لنظرة الإنسان إلى نفسه وإلى الكون حوله: فهل هو ممن يرون أن الكون والإنسان مخلوقان, أو يراه موجودا هكذا أزلا, بلا بداية ولا نهاية, وهم مخلوقات ظهرت صدفة في هذا العالم.

فإذا كان من الفريق الثاني فإن هذا يؤدي به لا محالة إلى عبثية هذا السؤال! لأن الإجابة الوحيدة لديه على هذه السؤال هي: الصدفة!
فلا هدف ولا غاية ملزمة من وجود الإنسان على سطح هذا الكوكب, لأن الكون وما فيه موجود هكذا أزلا! ثم حدثت بعض التفاعلات المعقدة جـــــــــــدا صدفة, -ثم انقطعت بعد ذلك ولم ولن تتكرر!!!!- فظهر الإنسان وساد الكون!

لذا فلا وجود لغاية مسبقة من خلق الإنسان, وعلى كل إنسان وعلى كل جماعة أن توجد أهدافها لنفسه بنفسها في كل زمان ومكان!

وهنا يطرح سؤال نفسه: لم على كل جماعة وعلى كل إنسان أن يوجد أهداف؟ من الذي أوجب علينا هذا؟ إن هذه الحياة من مبتدأها إلى منتهاها مجموعة من المصادفات, تنتهي بموت الإنسان, فلم السعي لتحقيق هدف ولجعلها ذات معنى؟!
إن هذا يتعارض مع الصدفوية الحاكمة للكون كله! لذا فليحيا كل إنسان كما يعن له, وليقوم بما يراه صوابا, فما الآخرون إلا مجموعة مماثلة من البشر! فلم يخضع لهم, ومن أعطاهم الحق ليسيروه وفقا لآرائهم؟! هم يحاولون أن ينظموا المجتمع, ولكن أقوالهم ليست نهائية وغير مستقرة, فما يمنع اليوم يباح غدا! والمباح اليوم ممنوع غدا! فلم الالتزام بهذا التخبط, الذي لا يقدم أي نظرة شمولية؟
فإذا كان قد عجز عن تثبيت قواعد ورؤى تنفع للغد فهذا يعني لزاما أنه أغفل جوانب كثرة في حياتنا هذه, فلم الالتزام إذن مادام الأمر يتعارض مع مصلحتي الشخصية؟!


لذا ليكن هدفي في الحياة ذاتي ونفسي! سأتعاون مع المجتمع مادام في ذلك نفعي, ولأخالفه عندما لا يكون في ذلك لي النفع, بل ولأبيده إذا اقتضى الأمر حتى أنجو أنا, فما عالمي إلا أنا! وما سيفيدني إذا هلكت أنا وبقى العالم كله؟!!

وللعجب وجدنا بعض الملاحدة يخالفون هذا المنطق السليم السابق –والذي لا راد له عقلا, وأتحدى أن يثبت أي إنسان في العالم كله خطأه عقلا-, وأوجدوا لأنفسهم غاية وهدفا في الحياة! على الرغم من عبثيتها كلها في منظورهم! إلا أن أكثرهم كان أكثر منطقية مع نفسه واتبع نفسه هواها, وعاش حياته بدون أي تفكر أو نظر! فلم ينظر ويتفكر في عبث!!

وعلى النقيض من هذا تماما كان نظر الإنسان, الذي يرى نفسه مخلوقا إلى وجوده في الحياة, -وسنتناول المسألة من وجهة النظر الإسلامية- فهو يرى أن الكون كله بما فيه الإنسان هو خلق لله العظيم الحكيم, لذا فلا عبثية في المسألة! فلقد علمه القرآن الحكيم أن الكون لم يُخلق عبثا:

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص : 27]
لذا فإن من سمات المؤمنين معرفتهم بالقصدية ونفي العبثية, لذا نجدهم:
… يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران : 191]
أما الكون والحياة عند الآخرين فهي مهزلة كونية! ويعلمنا القرآن أن الكون ليس كوميديا إلهية:
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ [الأنبياء : 16]
فلقد خُلق الكون بالحق ولغاية معينة, سيستمر حتى يصل إليها:
مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف : 3]
وما ينطبق على الكون ينطبق على الإنسان نفسه:
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاًوَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون : 115]
فالإنسان مخلوق لغاية ولحكمة ولهدف عظيم, وله دور في الحياة عليه أن يتقلده ويقوم به, حتى يحقق الهدف من وجوده.
ولقد أعلمه الرب الكريم هذا الدور والهدف, فلم يتركه حائرا, فقال:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة : 30]
فالإنسان في كل مراحله, مخلوق ليكون خليفة على الأرض:
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ …. [الأنعام : 165]
وهذه الخلافة تتحقق بأن يعبد الإنسان الرب سبحانه وتعالى, فلهذا خُلق:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56]
وليست العبادة هي المطلب الوحيد من الإنسان:
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ [هود : 61]

إذا وكما رأيت عزيزي القارئ فهناك بون شاسع عند الإجابة على هذا السؤال, ونحن نقر بوجود الاختلاف عند التطبيق ولكن هذا عيب المطبقين وليس عيب المنهج, فمن يُلزم فيخالف فهو أحمق! ومن يقصد في عبث فهو أحمق كذلك, وخطابنا لمن يتبع العقل والمنطق لا للحمقى!!

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

التقديس لدرجة الهجران و التهميش

يقدس الناس في بلادنا العربية و الإسلامية الدين أيما تقديس و هذا أمر حميد في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.