سورة قريش !

من التهم التي تلقى وتلصق بالقرآن جزافا بدون نظر وتفكر من صاحبها تهمة التاريخانية ! حيث يقولون أن القرآن هو من عند محمد لذلك نجد فيه أحداثا وأشخاصا يخصون بالذكر في كتاب يفترض فيه أنه كتاب خالد جاء للبشرية جمعاء في كل زمان ومكان !

ويضربون على ذلك الأمثلة مثل سورة قريش والمسد , حيث يقولون أن هاتين السورتين نموذجين مثاليين لتأثر محمد ببيئته , وبغض النظر عن التأثر فإن محتوى السورتين محتو عادي لا يحمل أي وجه من وجوه الإعجاز والإشارات والدلائل التي ينبغي أن تكون في سورة يتعبد بها الإنسان الغربي مثلا ! فما علاقته بقريش أو ما شابه !

لذا فإنا نبدأ بحمدالله وعونه في تناول سورة قريش لننبين أن هؤلاء أصحاب نظر قصير , لم يقرأوا القرآن ولم يتدبروه وإنما تلوه تلاوة سطحية وخرجوا بأحكام مبتثرة لا هي بالنافعة ولا الناجعة !

ونبدأ بسم الله وعليه الاتكال :
إذا نحن نظرنا في هذه السورة العظيمة نجد أنها تبدأ بقوله تعالى ” لإيلاف قريش ” , فنلاحظ أن السورة بدأت بحرف اللام , وهنا نتوقف لنسأل : ما هو مدلول اللام وما هو ارتباطه ؟
حرف اللام حرف يدل على العلة الغائية , أي أننا يمكننا فهمه بمعان مثل ” من أجل , بسبب … إلخ ” , فما هو ارتباطه في هذه السورة إذا كان هذا الحرف هو أول حرف في السورة ؟ فهل هو مرتبط بالآية التالية أم بالسورة السابقة أم غير مرتبط أم أنه متعلق بالسورة السابقة والآية التالية ؟!

اختلف في ارتباط هذا الحرف وعدم ارتباطه فقيل كما جاء في تفسير الفخر الرازي : ” الأول : وهو قول الزجاج وأبي عبيدة أن التقدير : فجعلهم كعصف مأكول لإلف قريش أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش ، وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف ، …. 

الاحتمال الثاني : أن يكون التقدير : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل لإيلاف قريش … الاحتمال الثالث : أن تكون اللام في قوله : { لإيلاف } بمعنى إلى كأنه قال : فعلنا كل ما فعلنا في السورة المتقدمة إلى نعمة أخرى عليهم وهي إيلافهم : رحلة الشتاء والصيف ” اهـ

والذي نراه نحن أن هذه اللام متعلقة بالسورة السابقة كما رجح الإمام الرازي وكذلك بالآية التالية لورود قوله تعالى ” إيلافهم ” وهذا من ترابط سور القرآن ببعضها وعلاقات أواخر السور بأوائل السور التالية ومن ينظر في هذا الأمر سيرى العجب العجاب بإذن الغفار التواب ! ومن الممكن القول أن اللام تدل على الغائية ولكنها غير مرتبطة بالسورة الماضية أي ” من أجل إيلاف قريش جعلت رحلة الشتاء والصيف ! “

إذن فكأن الله تعالى يقول ” فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ” .
وبعد أن انتهينا من اللام وتعلقها ننتقل إلى قوله تعالى ” إيلاف “ , فما هو الإيلاف ؟

اختلف المفسرون في المراد من الإيلاف فقيل كما جاء في تفسير الرازي : ” ذكروا في الإيلاف ثلاثة أوجه أحدها : أن الإيلاف هو الإلف قال علماء اللغة : ألفت الشيء وألفته إلفاً وإلافاً وإيلافاً بمعنى واحد ( بداهة هذا معتمد على قولهم بالترادف وعلى أنهم لا يفرقون بين الكلمة المزيدة والمنقصة ويجعلونها كلها بعنى واحد وهذا لا يقبل , فمصدر ألف هو الإلف . إذا يمكننا استبعاد هذا الرأي ) ،

أي لزمته فيكون المعنى لإلف قريش هاتين الرحلتين فتتصلا ولا تنقطعا ، ……. وثانيها : أن يكون هذا من قولك : لزمت موضع كذا وألزمنيه الله ، كذا تقول : ألفت كذا ، وألفنيه الله ويكون المعنى إثبات الألفة بالتدبير الذي فيه لطف ألف بنفسه إلفاً وآلفه غيره إيلافاً ،
والمعنى أن هذه الألفة إنما حصلت في قريش بتدبير الله وهو كقوله : { ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } [ الأنفال : 63 ] وقال : { فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [ آل عمران : 13 ]
وقد تكون المسرة سبباً للمؤانسة والاتفاق ، كما وقعت عند انهزام أصحاب الفيل لقريش ، فيكون المصدر ههنا مضافاً إلى المفعول ، ويكون المعنى لأجل أن يجعل الله قريشاً ملازمين لرحلتيهم ( وهذا من عجيب القول والتأليف من الفخر الرازي ! ويقال فيه ما قيل في الأول !) وثالثها : أن يكون الإيلاف هو التهيئة والتجهيز وهو قول الفراء وابن الأعرابي فيكون المصدر على هذا القول مضافاً إلى الفاعل ،

والمعنى لتجهيز قريش رحلتيها حتى تتصلا ولا تنقطعا … ( وهذا القول عجيب أيضا وفيه من التحوير ما لا يقبل , ويكفي في رده القول بأنه لا يأخذ اللفظ على ظاهره ومدلوله وإنما يجعله بمعنى كذا وكذا من أجل أن يستقيم المعنى ) ” اهـ

فإذا كانت الأقوال التي أوردها الإمام الفخر الرازي في معنى الكلمة غير متطابقة معها , فما هو مدلولها إذن ؟ لتحديد المدلول تحديدا سليما نرجع إلى اللغة لنر ما هو اللفظ الأصلي المتطابق الذي أشتق منه الإيلاف ؟ وقبل هذا نعود إلى أصل معنى الإيلاف لنحدد المدلول المراد :

فإذا نحن رجعنا إلى مقاييس اللغة وجدناه يقول ” الهمزة واللام والفاء أصل واحد، يدلُّ على انضمام الشيء إلى الشيء، والأشياء الكثيرة أيضاً. قال الخليل: الأَلْفُ معروفٌ، والجمع الآلاف.
وقد آلَفتِ الإبلُ، ممدودة، أي صارت ألفاً. قال ابنُ الأعرابي: آلَفْتُ القومَ: صيَّرتهم أَلْفاً، وآلَفْتهم، صيَّرتهم ألفاً بغيري، وآلفوا: صارُوا ألفاً.
ومثله أخْمَسُوا، وأماؤوا. ( أي صاروا مائة !)
وهذا قياس صحيح، لأنّ الألف اجتماع المِئين. قال الخليل: ألِفْتُ الشيءَ آلَفُه.
والأُلْفَة مصدر الائتلاف .
وإلْفُكَ وأليفك: الذي تألفه. [و] كلُّ شيءٍ ضممتَ* بعضَه إلى بعضٍ فقد ألّفته تأليفاً. الأصمعيّ: يقال ألِفْتُ الشيء آلَفُه إلْفاً وأنا آلِفٌ، وآلَفْتُه وأنا مُؤْلفٌ. قال ذو الرمّة:
من المؤْلِفَات الرَّمْلِ أدْماءُ حُرَّةٌ شُعاعُ الضُّحَى في لَوْنها يتوضَّحُ” اهـ

إذن فالألف أصل يدلُّ على انضمام الشيء إلى الشيء، والأشياء الكثيرة أيضاً ! فإذا نحن نظرنا إلى الأصل الذي أتى منه ال ” إيلاف ” وجدناه هو ” آلف ” وهو بمعنى التصيير ألفا , والألف في اللغة تأتي بمعنى العدد المعروف وكذلك إشارة إلى الكثرة , فكما نعرف فإن الألف هو آخر الأعداد العربية ثم بعد ذلك يكرر فيقال ألف ألف و ألف ألف ألف وهكذا ! فيكون المراد والله أعلم أن الله فعل ذلك لتكثير قريش ألوفا مؤلفة .

قد يقول القائل : إن منهجك هو الالتزام بالنص , فلما أتيت هنا بالمعنى الثاني ولم تأخذ المعنى الأول ؟ نقول : هذا بسبب قوله تعالى ” إيلافهم ” حيث كرر الله تعالى الكلمة في الآية التالية , والتكرار ليس تكرارا فاقد المعنى وإنما هو إشارة إلى أن هذا هو المعنى المراد أي لتكثير قريش كثرة أو لتصيير قريشا ألوفا مؤلفة , وعلى كلا المعنين فإن المراد هو التكثير وهذا ما نقول به !

إذا المراد من الإيلاف هو التكثير عن طريق ضم الشيء إلى بعضه مع وجود التوافق والتآلف بين المضموم والمضموم إليه , فإذا لم يكن هناك توافق لا يسمى تأليفا ! . فإذا كان هو المراد من الإيلاف فما المراد من قريش ؟
سيتعجب القارئ عندما يسمع هذا السؤال لأن قريش كما هو معلوم بداهة هو اسم قبيلة الرسول الكريم .

نعم , نحن نعرف ونقر أن قريش هو اسم قبيلة الرسول , ولكن الأسماء المذكورة في القرآن لها دلالتها المستقلة حيث تتطابق مع الدور والغرض الذي جاءت من أجله على الرغم من كونها أسماءا !

فإذا نحن نظرنا في المقاييس وجدنا ابن فارس يقول : “
القاف والراء والشين أصلٌ صحيح يدلُّ على الجمع والتجمُّع. فالقَرْش: الجمع، يقال تَقَرَّشُوا، إذا تجمَّعوا. ويقولون: إنَّ قُريشاً سمِّيت بذلك.
والمُقَرِّشة السَّنة المَحْل، لأنَّ النّاسَ يضمُّون مواشِيَهم.
ويقال: تقارَشَت الرِّماح في الحَرْب، إذا تداخَلَ بعضُها في بعض.
ويقولون: إنَّ قريشاً: دابَّةٌ تسكن البحر تغلبُ سائرَ الدَّوابّ. قال:
وقريشٌ هي التي تَسْكُن البحـ ـرَ بها سمِّيت قريشٌ قريشا ” اهـ
وفي اللسان : القَرْشُ: الجمع والكسبُ والضم من ههنا وههنا يضم بعضه إِلى بعض. ابن سيده: قَرَشَ قَرْشاً جَمَعَ وضمَّ من هنا وهنا، وقَرَشَ يَقْرِشُ ويَقْرُشُ قَرْشاً، وبه سميت قُرَيش.وتَقَرَّش القومُ: تجمَّعوا. والمُقَرِّشةُ السَنةُ المَحْل الشديدة لأَن الناس عند المَحْل يجتمعون فتنْضمُّ حواشيهم وقَواصِيهم؛ قال: مُقَرّشات الزمَنِ المَحْذور وقَرَشَ يَقْرِش ويقْرُش قَرْشاً واقْتَرَشَ وتَقَرّش: جَمَعَ واكتسب.
والتَّقْرِيشُ: الاكتسابُ؛ قال رؤبة: أُولاك هَبَّشْتُ لهم تَهْبِيشي قَرْضي، وما جَمَّعْتُ من قُرُوشي وقيل: إِنما يقال اقْتَرَشَ وتَقَرَّشَ للأهل. يقال: قَرَشَ لأَهله وتَقَرَّش واقْتَرَش وهو يَقْرِشُ ويقْرُشُ لعياله ويَقْتَرش أَي يكتسب، …………. وقيل: سميت بذلك لتَجْرِها وتكسُّبها وضَرْبِها في البلاد تَبْتَغي الرزق، وقنيل: سميت بذلك لأَنهم كانوا أَهلَ تجارة ولم يكونوا أَصحابَ ضَرْع وزرْع من قولهم: فلان يَتَقَرَّشُ المالَ أَي يَجْمَعُه؛ ….. ” اهـ

إذا فقريش اسم لقبيلة ولكنه أيضا متطابق مع مدلوله فهو يدل على الضرب في الأرض والتجارة والاكتساب , وهذا هو الوصف الذي جاء في السورة لهذه القبيلة حيث أنها تتجر وتكتسب وتخرج ضربا في الأرض . فتأمل تطابق المعنى مع المراد الإشاري للاسم !

إذا فالله جعل من أجل تكثير وتأليف قريش مع بعضهم رحلة الشتاء والصيف , ومن المعروف أنه كانت لقريش كانت لقريش رحلتان رحلة بالشتاء إلى اليمن لأن اليمن أدفأ وبالصيف إلى الشام ! وكانوا يتجرون ويكتسبون في هاتين الرحلتين لأنهم أهل قرش !

ولي في مسألة رحلة الشتاء والصيف هذه قول آخر , حيث أرى أن المراد من رحلة الشتاء والصيف هو تلك الرحلة الكونية التي يقوم بها كلا من الشتاء والصيف في دورانهم وانتقالهم حول الأرض , فهما في رحلة واحدة يتبع بعضها بعضا وهذه رحلة زمانية تتكرر كل عام فلم ولن تنقطع إلى قيام الساعة .

والذي يرجح هذا القول هو قوله تعالى ” رحلة ” ولم يقل ” ارتحال ” , والرحلة هي عملية الانتقال نفسها , كما أنه قال ” رحلة ” ولم يقل ” رحلتي ” ومن المعروف أن رحلتي الشتاء والصيف القريشيتين كانتا منفصلتين بخلاف رحلة الشتاء والصيف المتصلتين بالفصلين البينيين الخريف والربيع !

فإذا قيل فما وجه ذكر هذه الرحلة لقريش فهي للعالم كله ؟
نقول : نعم , هي للعالم كله ولكن الله تعالى يذكر قريشا بنعمه عليهم , فيذكرهم بنعمة اختلاف المناخ حرا وشتاءا وكيف أن اختلاف المناخ هذا يساعد على إنبات ثمار وزروع وأطعمة مختلفة ,

كما يؤدي إلى اختلاف السلع وتنوعها , فلو ظل الناس في جو واحد لكانت هناك سلعة واحدة ثابتة لا تتغير متناسبة مع هذا الطقس الواحد ! لذا فإن اختلاف الطقوس يؤدي إلى العمل ويقضي على الملل ويساعد على الانتاج , إلخ فوائد اختلاف الطقس والمناخ !

ولكنا نلاحظ أن الله تعالى يذكر ” رحلة ” ولا يقول ” الشتاء والصيف ” هكذا مجردين , فيكون المراد من ذلك أيضا هو التركيز على الزمن وتغيره وتبدله ومروره وكيف أنه وعاء الزيادة والتكاثر . فالصيف يأتي وينقضي وكذلك الشتاء وبين كل انقضاء وانقضاء يزداد قريشا عددا !

إذا فالله يذكر قريش بعظيم نعمه عليهم وأنه هو الذي أوجدهم وكثرهم ( ألفهم ) كما أنه هو الذي أوجد لهم الزمان الذي يحدث فيه هذا , فهو خالقهم وخالق الوعاء الذي يتحركون فيه ( الزمان ) .

لذلك يأتي الربط المنطقي بعد ذلك وهو قوله تعالى ” فليعبدوا ” , فإذا كان الله هو الذي خلقهم ( وخلق غيرهم ) وكثرهم وأوجد لهم اختلاف الزمان وما فيه من فوائد وأهمية في التجارة والكثرة فمن الواجب عليهم أن يعبدوه ! أما إذا قيل أن المراد من رحلة الشتاء والصيف هو تلك الرحلتين فالمعنى بعيد بعض الشيء !

” رب هذا البيت ” ونلاحظ هنا أن الله تعالى قال ” رب هذا البيت ” ولم يقل ” الله أو الرحمن ” وذلك والله أعلم لارتباط السورة بالسورة الماضية حيث أراد أبرهة هدم البيت فحفظه الله وصانه , فعليهم أن يعبدوا رب هذا البيت . والذي هو أول بيت وضع للناس وبه شرف قريش وعزهم .

ثم يواصل الله تعالى ذكر نعمه عليهم فيقول ” الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ” وهنا نجد أن الله تعالى يذكر أهم احتياجين من احتياجات الإنسان الأساسية وهما الطعام والأمن , 

وبهذا يمكننا القول أن سورة قريش حوت ترتيبا عجيبا لحاجات الإنسان سبقت به ترتيب ماسلو المادي , حيث أتت بالركنين الأساسيين وهما الطعام ( وهو الركن البيولوجي ) والأمن ( وهو الركن النفسي ) , وجعلت التقديس ناتجا منطقيا لهما .

ونتوقف قليلا هنا لنناقش هرم ماسلو في مسألة الحاجات الإنسانية الرئيسة :
رتب ماسلو الحاجات الإنسانية على شكل هرم تمثل قاعدته الحاجات لفسيولوجيةالأساسية وتتدرج تلك الحاجات ارتفاعا حتى تصل الى قمة الهرم حيث حاجات تحقيق الذات ولا يمكن الانتقال إلى حاجة أعلى قبل إشباع الحاجة الأقل وفقا للتقسيم الآتي

: 1 ـ الحاجات الفسيولوجية : هي عبارة عن الحاجات الأساسية لبقاء حياة الإنسان وتمتاز بأنها فطرية كما تعتبر نقطة البداية في الوصول إلى اشباع حاجات أخرى وهي عامة لجميع البشر إلا أن الاختلاف يعود إلى درجة الإشباع المطلوبة لكل فرد حسب حاجته .
وأهم هذه الحاجات هو المطعم , لأن الإنسان غير مزود به وإنما يحتاج إلى اكتسابه , بخلاف باقي الحاجيات الأخرى ! 
ب ـ الحاجات الى الأمن : يعتمد تحقيقها على مقدار الإشباع المتحقق من الحاجات الفسيولوجية فهي مهمة للفرد فهو يسعى إلى تحقيق الأمن والطمأنينة له ولأولاده كذلك يسعى إلى تحقيق الأمن في العمل سواء من ناحية تأمين الدخل أو حمايته من الأخطار الناتجة عن العمل وان شعور الفرد بعدم تحقيقه لهذه الحاجة سيؤدي إلى انشغاله فكريا ونفسيا مما يؤثر على أدائه في العمل لهذا على الإدارة أن تدرك أهمية حاجة الأمن للعامل لخلق روح من الإبداع بين العاملين .

ج ـ الحاجات الاجتماعية : إن الإنسان اجتماعي بطبعة يرغب إن يكون محبوبا من الآخرين عن طريق انتمائه للآخرين ومشاركته لهم في مبادئهم وشعاراتهم التي تحدد مسيرة حياته .

د– حاجات التقدير :- شعور العامل بالثقة وحصوله على التقدير والاحترام من الآخرين يحسسه بمكانته هذه الحاجة تشعر الفرد بأهميته وقيمة ما لديه من امكانات ليساهم في تحقيق أهداف المشروع .

هـ-الحاجة إلى تحقيق الذات :-أي تحقيق طموحات الفرد العليا في أن يكون الإنسان ما يريد أن يكون وهي المرحلة التي يصل فيها الإنسان إلى درجة مميزة عن غيره ويصبح له كيان مستقل .

إذا فماسلو جعل الترتيب كالآتي : الحاجات البيولوجية , الأمنية , الاجتماعي , الحاجة إلى التقدير , وإلى تحقيق الذات ! ونلاحظ أنه أغفل تماما جزء العبادة والتقديس الذي لا يمكن أن يتحرر منه أي إنسان ! حتى الملاحدة !

ونحن نرى أن الترتيب الذي أتى به القرآن هو الترتيب الصحيح المتكامل , فالإنسان يحتاج إلى الطعام ومن أجله قد يتنازل عن أمنه وحريته من أجل الحصول عليه وإلا سيموت , أما أن يتنازل الناس عن طعامهم من أجل أمنهم فهذا ما لايكون ! إذا فالإنسان يحتاج إلى مطعم ومأمن ومقدس !

قد يرى البعض أن مسألة التقديس ( العبادة ) هذه غير متوفرة عند كل الناس فهناك الملاحدة وهناك الإلهيون وهناك وهناك ! ولكنا نقول : ما من إنسان على وجه الأرض بدون مقدسات وإلا فلن يتحرك قدر أنملة ! في هذه الحياة !

فهناك من يقدس الأباء والأجداد وبفعله هذا يعبدهم ( المشكلة أن كثير من الناس لا يتصور العبادة إلا سجودا وركوعا ! ومن هؤلاء الملاحدة , فعندما نقول لهم أنتم تعبدون أهوائكم , يقولون : أنتم لا تفهمون إلا العبادة والخضوع ! والمشكلة أنهم أنفسهم لا يفهمون معنى العبادة . ) وهناك من يعبد الحزب وأرائه وهناك من يعبد العلمانية وهناك من يعبد الماركسية وهناك من يعبد العمل إلخ أصناف العبادة .

إذا حاجات الإنسان الأساسية ثلاثة وهي المأكل والمشرب , الأمن ( عبر الأسرة أو الدولة أو القبيلة ) ثم التقديس , وما بخلاف ذلك فهو مختلف من فرد إلى آخر!

المنظور العام للسورة :
يخاطب الله تعالى قريش باعتبارها قبيلة الرسول وهي المهد الأول والمتلقي الأول للرسالة ويذكرهم بنعمه عليهم في قديم الزمان وحديثه ومستقبله فيذكرهم بما فعل في أصحاب الفيل ويذكرهم بأنه هو الذي كثرهم وألفهم وجعلهم يدا واحدا وقوة تجارية كبيرة ( قرش )

وكيف أن الله سخر لهم الطبيعة وجعلها في مصلحتهم ووعاءا لهم فهناك اختلاف زمان في صيف وشتاء , وأنهم عليهم أن يعبدوه كرد فعل منطقي لما أنعم عليهم , وكيف أنه وفر لهم ما قد لا يتوفر لغيرهم من الاحتياجات الرئيسة ( فالتكثير والشتاء والصيف لكل الناس ) وهو أنه أطعمهم من جوع فأصبحوا في غنى فلا يشغلهم الفقر والبحث عن الطعام عن العبادة , وأمنهم من خوف فهم في استقرار وأمان فعليهم أن يعبدوه ويخضعوا له . 

وما يقال لقريش يقال لكل مجتمع إنساني , فهم نعم أول مخاطب به , ولكنا نلاحظ أن الله يعرض خطابه لهم في صورة الغائب وليس المخاطب , فلم يقل ” فلتعبدوا رب هذا البيت ” وفي هذا إشارة إلى أن القاعدة والمبدأ عامان , فمن توفر فيه هذا فعليه أن يفعل المأمور به هؤلاء ! وهو أن يعبد الله العظيم خالقه وخالق هذا الكون له ورازقه ورازق الناس أجمعين .

نقد تاريخانية السورة :
السورة نعم كما قلنا تعرض لقبيلة قريش , ولكنها تعرض لها من باب أنها المتلقي الأول للوحي ومنبت الرسول ومحل بيت الله الحرام وهذه مواصفات لم تجتمع في أي مكان أو زمان آخرين لذا فهي تستحق الذكر ,

وهي في عين الوقت نموذج ومثال لكل مجتمع إنساني يتقرش ( يكتسب )! والمجتمعات الإنسانية متقرشة لا محالة وإلا فهي هالكة ! فعلى كل مجتمع إنساني أن يتذكر نعم الله عليه ويخالف ما قامت به قريش ويفعل ما أمر به الله عزوجل .

وبهذا نرى أن السورة بيان عظيم للناس قائم على التجريد والتذكير بالنعم والدعوة إلى التقديس لله وعبادته من خلال ضرب الأمثال والنماذج . فهل رأى الملحدون فيها هذا أم أنهم لا يرون ولا يسمعون !
هدانا الله وعصمنا من الزلل !

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

التقديس لدرجة الهجران و التهميش

يقدس الناس في بلادنا العربية و الإسلامية الدين أيما تقديس و هذا أمر حميد في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.