Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2018-06-04 09:18:39Z | |

هل يمكن أن نحب الله !

يعجب كثير من الناس عند حديثنا حول هذه النقطة وينقسمون جراها إلى فريقين , فريق يقول بلسانه أن حب الله عزوجل موجود في قلب كل إنسان مسلم 
( والصحيح أن التعلق بالله والارتباط به ومعرفته موجود في قلب كل إنسان مسلم و أما الحب فأمر آخر)

وفريق هو أكثر صراحة فيقول :
أنا لا أحب الله ولا أكرهه , فليس في القلب أي مشاعر تجاهه سبحانه وتعالى ! وهذا مما يأسى له الإنسان المسلم أن نجد كثيرا من الناس سلبيين تماما تجاه الله عزوجل , فلا هم يحبونه ولا يخشونه ولا يراقبونه ولا يخافون عذابه ولا يلقون بالا لأفعاله ولخلقه فهم في لجة من الدنيا لا يخرجون عنها ولا يفيقون منها ! فإذا حدثناهم عن حب الله عزوجل تشككوا في هذه المسألة وقالوا :
وهل من الممكن أن نحب ما لا نراه ولا حتى نتصوره ؟

نجيب بثقة مستنيرة بنور الله تعالى فنقول : نعم , من الممكن أن نحب ما لا نراه ولا نتصوره حتى , وحتى لا يظل القارئ في شك مما نقول نضرب له المثال التالي :
هب أنك شاب في مقتبل العمر وجاءك صديق وقال لك أن هناك فتاة جميلة معجبة بك وتحبك حبا صادقا وهي من عائلة محترمة متدينة وهي تريدك زوجا لها ولكنها تستحي أن تقول لك ذلك . لا أقول أنك ستقع في حبها بمجرد أن يقال لك ذلك , ولكن هب أن صديقك هذا أعطاك منها رسالة فوجدت فيها من الكلام أعذبه ومن الحديث أطيبه ! ومن الغرام أحلاه وأجناه . ثم هب أنك أرسلت والدتك لتراها , فعادت وأخبرتك أنها في الجمال بما لا يوصف وفي العفاف بما لا يقارن وفي الطهر بما لا يقارب وفي وفي وأخذت تعدد لك من صفاتها , ثم هب أنها أرسلت لك مع أمك مجرد وردة صغيرة , أقول مجرد وردة , لا , لا , تصور أنها أرسلت لك مع أمك عربة كهدية منها لك !
فكيف سيكون شعورك تجاه هذه الفتاة ؟! بالتأكيد ستهيم بها حبا وغراما قبل أن تراها وستظل طيلة الليل تفكر فيها وتتفكر متى ستقابلها ومتى ستراها , وكيف هي وما وصفها !

فإذا كانت هذه الفتاة التي أحسنت إليك إحسانا صغيرا لا يذكر قلبت حالك هذا الانقلاب فما بالك فيمن أنت تتقلب في نعمه !
وننتقل إلى نموذج آخر : إذا رأيت صورة جميلة تقلد مناظر طبيعية حسنة , ثم رأيت صورا أخرى جميلة , ثم قيل لك أن من رسم هذه الرسومات هو فنان مبدع جميل الطلعة كثير الإحساس 
ألن يقع في قلبك الإعجاب بهذا الفنان الحساس الذي قلد هذه المناظر بهذا الإحساس العالي , ولربما ينقلب هذا الإعجاب إلى حب إذا علمت أن هذا الفنان حسن الخلق متبع للكتاب !

وحتى لا يقول أحد أن هذا حال مخصوص بشاب يتلهف على رؤية فتاة أو بإنسان مرهف الأحاسيس يحب الفنانين المقلدين , نسألك أيها القارئ
هل تحب الرسول ؟ هل تحب الصديق ؟ هل تحب الفاروق ؟ هل تحب عليا ؟ أنا واثق بأن الإجابة ستأتي بالإيجاب , نعم كلنا نحبهم , ولنا أن نسأل هنا : ما هو سبب حبنا لهم ؟

الإجابة التي لا يختلف عليها إثنان : ليس من أجل سواد أعينهم ولا جمال وجوههم ولكن من أجل أعمالهم العظيمة التي أسدوها إلى الناس , فالحب الحبيب كان سبب هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور وهؤلاء العظام بذلوا النفيس والغالي وقدموا غيرهم على أنفسهم من أجل أن يسيروا على خطى الحبيب ! فاستحقوا منا كل حب وتقدير ! ومما قد يتفق معي فيه الكثير, أن هناك الكثير من المسلمين يحبون الفاروق عمر أكثر من الصديق ! لم ؟ لأن الفاروق أنجز من الأعمال ما لم ينجزه الصديق رضي الله عنهما وعن باقي الصحابة الأبرار !
لذلك له في قلوبنا مكانة عظيمة , على الرغم من أننا لم نره ولا نعرف إذا كان جميل الطلعة بهي المظهر أم لا , فليس هذا من الحب في شيء , وإنما كان ولا يزال سبب الحب الأعمال والأثار التي تركت .

فإذا كنا أحببنا من لم نر من البشر وأحببناهم فقط من أجل أعمالهم المحدودة , فكيف لا نحب الله عزوجل ونحن نتقلب في فضله وكرمه ونعمه , فكلنا من أعلى رؤوسنا إلى أسفل أقدامنا نسير في ملكوت الله بالقدرة التي وهبنا الله إياها بالعقل الذي أنعم علينا به , فكيف لا نحب من كان سببا في حياتنا !

قد يقول قائل : نعم , نحن أحببنا الرسول والصديق وعمر وعليا , ولكن كل هؤلاء من البشر أمثالنا , وسواء عرفنا شكلهم أم لم نعرف فلن يتغير الأمر كثيرا , فسنحبهم حبا جما ! أما الله عزوجل فكيف نحبه ؟
نقول : إن النفس البشرية مجبولة على حب من أو ما يسدي لها النفع ويدفع عنها الضر ويمن عليها ويغذوها بالنعم ويمدها بالفضل والزيادة , فحتى إذا لم يعرف الإنسان من أوما أو كيف هو الذي أعطاه فإنه حتما سيجد نفسه مشتاقا إليه , راغبا في رؤياه وشكره والثناء عليه !

وكذلك الحال مع الله عزوجل أصل كل نعمة وسبب كل فضل , فكيف لا نحبه سبحانه !

ولكنا نعود فنؤكد أن حب الله عزوجل يختلف عن أي حب , فحب الله يحتاج إلى قليل من الفكر والعقل , وبدونهما لا يتحقق هذا الحب ! فكما قلنا إن الإنسان مجبول على حب وطاعة من يحسن إليه , فإذا لم يتفكر الإنسان قليلا فلربما ظن أن الإنسان هو الذي أنعم عليه ولربما اعتقد أنه هو نفسه سبب هذا الخير , ولكن إذا تفكر قليلا ولا نقول كثير , فقليل من الفكر يكفي , فسيعلم علم اليقين أن سبب كل خير هو الله عزوجل وأن كل ما يصيبه هو في نهاية المطاف خير , فالله خلقه وهداه إلى الطريق المستقيم ولم يتركه هملا على وجه هذا الكوكب الأرضي !
والله لا ينعم ولا ينتظر المقابل منك بخلاف أي منعم , فأي إنسان ينعم عليك حتى وإن لم ينتظر منك نفعا ماديا فهو يرجو حبك له بهذا الإنعام وبهذه العطايا فيزداد هو بك فرحا وسرورا , أما الله فهو ينعم علينا وهو أغنى ما يكون عنا , فكل عطاؤه لنا وحمدنا له هو كذلك لنا يكتب في ميزان حسناتنا ,
فسبحان من خلق الكون وصوره في أحسن صورة وأنشأ الإنسان على خير مثال وجعل له كونا بديعا يتقلب فيه , ليرى قدرة الخالق في خلقه حتى يعلم أن من خلق هذا الجمال هو حتما جميل ! فيحبه لحبه الجمال الذي أبدعه

ففي الله تجتمع كل أسباب الحب , فهو جميل كما قال الحبيب ,
وهو سبب وجودك وهو الذي يحميك ويرعاك وهو الذي أنزل القرآن وبه هداك , ومن أجلك أرسل الرسل ليخرجوك من الظلمات إلى النور ومن أجل خلق الكون جميلا تنظر فيه ليدلك على قدرة الله تعالى , أعطاك منهاجا تحيا به في حياتك ثم كافئك بعد مماتك بجنة عرضها السموات والأرض , مع أنه لو اكتفى بصلاح حالك في الدنيا ما كان لك ظالما 
فسبحان من يعاملنا بالمن والكرم ولا يعاملنا على قدر أعمالنا , اللهم لك الحمد كله والحب كله , ألهم أزد حبك في قلوبنا ! يا الله !

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

حول إنكار العقل الغربي ل “النظام الكبير”!!!

في إحدى اللقاءات المطولة على اليوتيوب عن اللغة وفلسفتها، ذكر المتحدث رأي دو سوسير، القائل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.