سورة الكافرون

يستهل الله تعالى سورة الكافرون آمرا النبي المصطفى ثم كل المؤمنين الموحدين بقوله ” قل يا أيها الكافرون ” فيأمره بمخاطبة الكافرون وإعلامهم بقوله “ قل “ يا أيها الكافرون
ونلاحظ أن هذه هي الآية الوحيدة التي خاطب الله تعالى فيها الكافرين بالنداء , نعم النداء يأتي على لسان النبي ثم باقي المؤمنين , ولكن هذا هو الموضع الوحيد , فلقد قال الله تعالى في القرآن ” يا أيها الذين ءامنوا “ وقال ” يا أيها الناس “ وقال ” يا أيها الرسول “ وقال ” يا أيها الرسل “ , أما خطاب الكافرين فلم يأت إلا في هذا الموضع.

ونحن كمسلمين حفظنا القرآن من صغرنا لا نستغرب هذا الخطاب ولكن العالم باللغة وبطبع الإنسان يعلم أن في هذا الخطاب شدة على المخاطب وإغلاظ في القول , فعندما يقول الإنسان لآخر : يا أيها الفاسق أو الكافر فهو سينفر منه ولن يستمع إليه 
ولقد أطال الفخر الرازي في تفسيره مفاتح الغيب النفس في تبرير هذه الكلمة وذكر لها من الوجوه العشرات حتى نقبل أن الله العلى العظيم الذي قال ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة “ والذي قال ” وجادلهم بالتي هي أحسن “ هو الذي يأمر نبيه بخطاب الكافرين بقوله “ قل يا أيها الكافرون “ وأخذ يصول ويجول بتبريرات تنسيك المشكلة الرئيسة وتأخذ معها الانطباع الأكيد أنه ليس لديه حل لهذا المشكلة – التي أوقع نفسه فيها لفطنته !
ولكنه يحاول أن يزيلها بأي حال من الأحوال وهذه المشكلة التي أوقع الفخر الرازي فيها نفسه والتي تجاوزها كثير من المفسرين بقولهم أن هذا الخطاب كان خطابا مخصوصا لكفار معينين من قريش نابعة من أن السادة المفسرين غافلون عن معنى الكافر في كتاب الله عزوجل , ولو علموا ذلك لما رأوا أي حرج في مخاطبة الكافر بهذا الشكل وبهذه الطريقة .
وهذا اللبس ناتج من أن السادة المفسرين لا يفرقون بين الكافر والمشرك تفريقا صحيحا , فمنهم من يفرق بينهما ومنهم من يرى أن الإثنين بمعنى واحد , ثم إنهم لا يعرفون الكافر تعريفا صحيحا .

لذا نبدأ بتعريفنا للكافر حتى نوضح لما أنه من الجائز ومن المقبول أن يأمر الله تعالى نبيه بخطاب الكافرين بقوله ” يا أيها الكافرون ” .

قبل أن نبدأ بتعريف الكافر , نقدم المعنى اللغوي الأساسي للفظ ” كفر ” , فنقول هو كما ورد في المقاييس :
الكاف والفاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معنىً واحد، وهو السَّتْر والتَّغطية. يقال لمن غطّى دِرعَه بثوبٍ: قد كَفَر دِرعَه. والمُكَفِّر: الرّجل المتغطِّي بسلاحه.والنهر العظيم كافر، تشبيهٌ بالبحر. ويقال للزَّارع كافر، لأنَّه يُغطِّي الحبَّ بتُراب الأرض.

قال الله تعالى: { أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ } [الحديد 20]. ورَمادٌ مكفور: سَفَت الرِّيحُ الترابَ عليه حتى غطَّتْه. …….. والكُفْر: ضِدّ الإيمان، سمِّي لأنَّه تَغْطِيَةُ الحقّ. وكذلك كُفْران النِّعمة: جُحودها وسَترُها. ……. اهـ
وإذا نحن تتبعنا هذه المفردة بكل استعمالاتها في اللغة وفي القرآن نجد أنها تدور في فلك الستر والتغطية والجحود والمنع , وإذا نحن تتبعنا هذه المفردة في القرآن وجدناها وردت بجميع الأشكال , فوردت اسما ” الكفر ” ووردت فعل ماضيا ” كفروا ” وأمرا ” اكفروا آخره ” ومضارعا ” يكفرون ” , ووردت مبنية لما لم يسمى فاعله ” فلن يُكفروه “ووردت اسم فاعل كما في صيغة ” كافر ” سواء كان مفردا أو جمعا ” كافرون ” , ونلاحظ أن هذه الصيغة ” كافر” مفردة ومجموعة وردت في القرآن 132 مرة , وجاءت في تركيبة ” الذين كفروا ” ووردت هذه التركيبة 152 مرة منها تسع مرات في سورة الأنفال وحدها ! ووردت مناداة مرة واحدة فقط في سورة الكافرون.

فما معنى الكفر في القرآن الكريم ؟
إذا نحن نظرنا في أقوال المفسرين عند تفسيرهم ! لمصطلح الكفر وجدناهم يقولون أن الكفر على أَربعة أَنحاء كفر
إِنكار بأَن لا يعرف الله أَصلاً ولا يعترف به ( ولقد خانهم التعبير فالذي لا يعرف الله لا يسمى كافرا ! فكيف يكفر بما لا يعرف أما الكفر فيكون بعد أن أعرف الله وأرفض الإيمان به !وكفر جحود وكفر معاندة وكفر نفاق من لقي ربه بشيء من ذلك لم يغفر له ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فأَما كفر الإِنكار فهو أَن يكفربقلبهولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد (وهو يقصد هنا أنه لا يعترف بوجود إله )

وكذلك روي في قوله تعالى إِن الذين كفروا سواء عليهم أَأَنذرتهم أَم لم تنذرهم لا يؤمنون أَي الذين كفروا بتوحيد الله وأَما كفر الجحود فأَن يعترف بقلبه ولا يقرّ بلسانه فهو كافر جاحد ككفر إِبليس وكفر أُمَيَّةَ بن أَبي الصَّلْتِ
ومنه قوله تعالى فلما جاءهم ما عَرَفُوا كَفَرُوا به يعني كُفْرَ الجحود
وأَما كفر المعاندة فهو أَن يعرف الله بقلبه ويقرّ بلسانه ولا يَدِينَ به حسداً وبغياً ككفر أَبي جهل وأَضرابه وفي التهذيب يعترف بقلبه ويقرّ بلسانه ويأْبى أَن يقبل كأَبي طالب حيث يقول ولقد علمتُ بأَنَّ دينَ محمدٍ من خيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دِينَا لولا المَلامةُ أَو حِذارُ مَسَبَّةٍ لوَجَدْتَني سَمْحاً بذاك مُبِيناً
وأَما كفر النفاق فأَن يقرّ بلسانه ويكفر بقلبه ولا يعتقد بقلبه ” اهـ

والملاحظ أن الفعل ” كفر ” يتعدى بنفسه أي أنه لا يحتاج إلى حرف جار ! فتقول : كفرت الحب أي غطيته وكُفِر الشيء أي غُطي !
ولكن عندما ننظر في كتاب الله عزوجل نجده يستعمل هذا الفعل عند الحديث عن المسألة القلبية متعديا بالباء , فيقول ” يكفر بالله , كفروا بالذكر , يكفر بالإيمان ” ولا نجده يستعمله قط في هذه المواضع متعديا بنفسه إلا إذا كان مذكورا ذكرا عاما بدون تحديد المفعول , فيقال ” الكافرون , الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله , الكفار ”
فنخرج من هذا بأن معنى التركيبة المذكورة قد تغير فليس معنى الفعل متعديا بالباء هو نفسه متعديا بنفسه , فلا يمكن أن أقول أن معنى ” كفرت سلاحي ” هو نفس معنى ” كفرت بسلاحي ” , بداهة الجملة الأولى تعني أنني غطيت سلاحي أما الجملة الثانية فلها معنى آخر مختلف وهذا أيضا ما ينبغي أن نقول به عند فهمنا لمصطلح الكفر في كتاب الله تعالى , فما هو معنى ” كفر ب ” في كتاب الله عزوجل ؟
لقد فات السادة المفسرين قاطبة أن الإنسان لا يمكن أن يكفر الله تعالى أو يكفر الإيمان ! فالكفر كما قلنا هو التغطية والستر وهذا محال على الله تعالى , فكيف يغطي الإنسان الله عزوجل , وحتى لا يقول أحد أننا نتسفسط نقول : كيف يغطي أحد أو يستر فكرة وجود الله أو الإيمان به عزوجل ؟
فسواء أقر الإنسان بوجود إله أو لم يقر ( لا يستطيع أحد من الملاحدة أن يدعي أن الله غير موجود يقينا وأقصى ما لديهم هو الإدعاء أن فكرة وجود الإله عنده أضعف من فكرة عدم وجوده )
فهو في جميع الحالات مقر بالله تعالى ولو كفكرة مجردة عند الآخرين ! , هذا إذا تغافلنا أو تعامينا عن فطرية الإيمان بالمقدس والموجودة عند كل منا وإذا تغاضينا عن قوله تعالى ” وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم “
 إذا ففعل الكفر هو فعل تغطية وستر , فلا يمكن للإنسان أن يكفر إلا إذا جاءه شيء فغطاه وستره , أما أن يكفر بدون مستور فهذا ما لا يكون !

فإذا نحن نظرنا في آية من الآيات وجدنا أن الله تعالى يقول ” إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز “ وحللنا الآية كلمة كلمة سنجد أنها تقول : إن الذين غطوا وستروا بالذكر ” فنفهم أن هم غطوا وستروا شيئا بالذكر , والذكر هو القرآن الكريم , فما الذي غُطي بالذكر ؟

ويقول تعالى في آية أخرى ” إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [النساء : 150] “

فنرى أن هناك قوم ستروا وغطوا شيئا بالله ورسله , فما هو المستور المغطى ؟
المستور المغطى هو الإيمان والحق والفطرة فهو يغطي الحق ويستره , فالإنسان يعرف أن القرآن حق والله حق ولكنه على الرغم من ذلك يمنع نفسه عن الإيمان بالله تعالى , فهو يستر الحق والإيمان المغروسين في قلبه – عندما أشهده الله تعالى على ذلك – بالله وبالقرآن وبالبينات عن الإيمان بهم , فهم أمامه ولكنه يحجب نفسه عنهم ! فالإنسان عندما يسمع عن الله أو يقرأ كتابه ثم لا يؤمن به يكون الكتاب نفسه أداة كفره !
فالكتاب على الرغم من كونه نورا إلا أنه في حالة إغلاق القلب يصبح عمى , كما يقول الله تعالى ” وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ [فصلت : 44] “

فالقرآن بالنسبة للكافرين عمى , فلا يهديهم ولا يجدي معهم نفعا فلقد ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون , فيجدونه عمى ولما عميت قلوبهم وختم عليه أخذوا يغطون ويسترون بالله وبالدين على الآخرين وإنما يحاربونه ويطعنون فيه ويشككون فيه أنفسهم وغيرهم , ويستخدمونه كوسيلة للاستهزاء وللاستهانة بالله تعالى . فهم لا يؤمنون بالله تعالى ويدعون غيرهم إلى عدم الإيمان .
فليس الكافر بالله أو بالإيمان ذلك الإنسان الذي لم يؤمن بالله تعالى فقط وإنما هو ذلك الإنسان الذي عرف الحق وستره وأغلق قلبه دونه وتحرك محاربا له

ولتتبع ” الكفر ” في كتاب الله تعالى لنرى كيف استعمله الله تعالى :
قبل أن نتتبع الآيات نُذكر بأن الشائع والغالب أن الكافر هو الذي لا يؤمن بالله تعالى وأن المشرك هو من يتخذ آلهة مع الله تعالى !
لذا ننظر لنر هل هذا الاستعمال صحيحا أم أنه مجانب للصواب:
يقول تعالى ” من كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ [البقرة : 98]
إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً
ِ” إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ [محمد : 32]
َوقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ [المؤمنون : 33]
” الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً [النساء : 37]
َفقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ [المؤمنون : 24]
َ” … ومَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة : 44]
َولَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة : 89]
َّما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [البقرة : 105]
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة : 73]
َلقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة : 72]
َما جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [المائدة : 103]
َوقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ [إبراهيم : 13]
….. لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل : 40]
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً [الكهف : 56]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [البقرة : 6]
قلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران : 32]
بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ َوأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ …….. فإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
َفلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ [غافر : 25]
وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون : 117] “

ونكتفي بهذا القدر من الآيات , ونبدأ بعون الله تعالى فنقول :
لم يخاطب الله تعالى المشركين في كتابه قط ( وإنما حكى عنهم ) ولم ينسب إليهم أي فعل تجاه الدعوة وإنما أقصى ما يفعلونه هو أن يتمنوا ويودوا وقد يقولوا أما بخلاف ذلك فليس لهم أثر , أما الكافرون فهم الذين يجادلون وهم الذين يصدون عن سبيل الله تعالى وهم الذين يفرقون بين المؤمنين وهم الذين يدعون إلى عبادة آلهة أخرى مع الله تعالى وتتبع ذلك في القرآن كله فستجد أن الكفار هم النشطون الفاعلون أما المشركون فخاملون !
ونسأل : هل الكافر هو ذلك الإنسان الذي لا يؤمن بالله تعالى ؟
لا ليس الكافر حصرا الذي لا يؤمن بوجود الله تعالى فهناك من الكفار من يقر بوجود الله تعالى , “ إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً “ فهم مؤمنون بالله تعالى ولكنهم لا يريدون أن يؤمنوا بكل ما جاءهم من الرسل ” ,
“فقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ [المؤمنون : 24] “
فهؤلاء مقرون بوجود الله تعالى ولكنهم يرفضون الرسول الذي يأتي إليهم . وهناك المقر بوجود الله ولكنه منكر للقاء الآخرة وهناك من يرفض التحاكم إلى كتاب الله تعالى ويعرض عنه وهناك من يجادل بالباطل وهناك من يكتم ما آتاه الله من فضله وهناك من يستكبر , وهناك من يصد عن سبيل الله تعالى
فما هو الوصف الجامع لهؤلاء ؟ هل نقسم كما قسم السادة المفسرون ؟
بداهة , لا فهؤلاء كلهم مندرجون تحت مسمى الكفر , فهم عرفوا ثم كفروا , وكفرهم هذا نابع من عنادهم وزيغ قلوبهم , فستروا الحق وغطوه ثم حاربوه , لذلك ختم الله على قلوبهم فهم لا يؤمنون ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [البقرة : 6] “
فلو كان المراد من الكفر هو كما قال المفسرون عدم الإيمان بالله لكانت القضية الواردة في الآية قضية كاذبة , فهناك الكثير من الملاحدة ومن المسيحيين – والذين هم كفرة بنص الكتاب – يدخلون في دين الله تعالى ثم إن إنذار الرسول وباقي المسلمين تبعا له يجدي معهم نفعا , فيدخلون في الدين
وهذا الفهم الخاطئ نابع من تهميش المعنى اللغوي الأصلي , فالمعنى كما قلنا هو الستر والتغطية وهم عرفوا الحق ولم يتبعوه فستروا وغطوا وعاندوا وشاقوا الرسول وأنفقوا أموالهم ليصدوا عن سبيل لذلك استحقوا الختم من الله تعالى فهم لا يؤمنون .
ولما كان هذا هو حال الكافر استحق من الله تعالى هذا الخطاب وهذا الإغلاظ في القول , فهو إنسان معاند جلب على نفسه الوبال وأردى بنفسه إلى النار ثم هو يؤذي المسلمين والدين والكتاب بأفعاله وهو لا يرجى إيمانه في يوم من الأيام , لذا خوطب في هذه الآية بهذا الشكل وهو خطاب إعلام بالحقيقة الواقعة فلا يمكن أن يكون إلا بهذا الحال , والتنبيه في هذا الخطاب هو إشارة للمؤمن وللمشرك ! فمن الممكن أن يخالط الإيمان شرك ” وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ” , كما أن السورة توضح أن المشرك يمكن أن يؤمن بالله تعالى ويترك الشرك .

إذا فالله تعالى يقول لنبيه : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون , فهذا إعلان فصل بيننا نحن معاشر المسلمين وبين هؤلاء الكافرين المناصبين لنا العداء باللسان وبالجنان وإعلان من الله عزوجل لهؤلاء الكافرين من اليهود والنصارى ومن غيرهما أن النبي المصطفى لن يعبد الذي يعبدونه .
ونتوقف مع هذه الآية , فالناظر في سورة الكافرون يجد أن الله تعالى قال ” لا أعبد ما تعبدون “ وقال ” ولا أنا عابد ما عبدتم “ فما الفارق بين الإثنين , وهل هناك تكرار في قوله تعالى ” ولا أنتم عابدون ما أعبد “ الذي ذكر مرتان في هذه السورة ؟
نحن نؤمن تمام الإيمان ونوقن تمام اليقين أنه لا تكرار في كتاب الله تعالى , حتى ولو تكررت الآية بلفظها تامة كاملة – وهذا قليل الحدوث جدا في كتاب الله تعالى – فسنجد أن السياق يحتم علينا أن للآية المكررة لفظا معنى آخر ولننظر في هذه السورة لنر ما هو الفارق بين قول الرسول ” لا أعبد ” وقوله ” ولا أنا عابد ” وكيف أن الفارق بين الآيتين هو الذي سيوضح لنا الفارق بين الآيتين الآخريتين وكيف أنه لا تكرار في معناهما .
لا أعبد ما تعبدون : لا: دخلت على الفعل المضارع فأفادت الاستقبال كما قال السادة المفسرون
أي أن الآية تقول على لسان النبي ( ص) لن أعبد ما تعبدون في المستقبل فأنا ثابت على ديني مستمر عليه مهما عاندتم وفعلتم
وبغض النظر إذا كان دخول لا على الفعل المضارع يفيد الاستقبال أو لا يفده فإن الواضح لكل ذي عينين أن ” لا ” دخلت على الفعل والفعل عامة يفيد التغير بخلاف الصيغة الاسمية التي تفيد الثبات والاستقرار ” وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا ” دوما لذلك استعمل معها الاسم .
فهنا يشير الله تعالى بقوله ” لا أعبد ما تعبدون “ أن النبي ص لن يتغير إلى عبادة آلهتهم فهو ثابت مستقر على الدين الحنيف ! ثم أردف حاكيا حال الكافرين مستعملا الجملة الاسمية قائلا ” ولا أنتم عابدون ما أعبد “ لكي يوضح لهم أن حالهم لن يتغير فهم مقيمون أبدا على حالهم 
فكما وضحنا أن الكافر تبعا للتوصيف الرحماني لا يؤمن ” سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون “ ولقد وضحنا في تعريفنا للكافر لم أنه لا يؤمن .
لذلك استعمل الله تعالى مع الكافرين الجملة الاسمية التي تخبرهم بثبات حالهم على الكفر أبد الدهر وأنهم لن يؤمنوا . والعجيب أن بعض المفسرين حاولوا أن يبرروا استعمال الله عزوجل ل ” ما ” مع الكافرين في قوله ” لا أعبد ما تعبدون “ قائلين أن في هذا إشارة إلى أن ما يعبده الكافرون ميتا ,
كما قال الله تعالى ” والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أمواتا غير أحياء “ 
ولكن نحن في غن عن التكلف , ف ” ما ” اسم إشارة عام يستعمل مع العاقل كما يستعمل مع غير العاقل , وإن كان أكثر استعمالا مع غير العاقل 
ولكن الله تعالى يشير باستعماله ” ما ” إلى حكاية حال الكافرين فهم يرون أن ما يعبده محمد ليس موجودا أو مثل آلهتهم أو هو اختلاق من محمد , لذلك حكى قولهم مستعملا ” ما ” كما قال ” قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ” . ثم قال الرب القدير على لسان النبي المصطفى ” ولا أنا عابد ما عبدتم “ فعطف هذه الجملة على الأولى أي أني لست بعبادتي الله تعالى الآن أعبد آلهتكم التي عبدتم , فلست أنا واحد منكم ممن يعبدون أسماءا سميتموها , كما أن الله تعالى يشير باستعماله الزمن الماضي في توصيف فعل الكافرين ” ولا أنا عابد ما عبدتم “ بخلاف الجملة الأولى التي قال فيها ” ما تعبدون “ إلى أن النبي (ص) ما أتى بأساطير الأولين وألف منها دينا جديدا وسماه الإسلام ودعى إلى عبادته وإنما هو يعبد دينا مختلفا تماما عما قال به آباؤكم من الكافرين فهو يتبع دين الله الأول الأوحد وهو الإسلام , ثم قال حاكيا حالهم ” ولا أنتم عابدون ما أعبد ” أي لا تظنوا أو تحسبوا أنكم تعبدون الله تعالى فأنتم تخلقون إفكا وتعبدونه من دون الله .

إذا فكما رأينا لا تكرار في الآيات فالكفار كما قلنا مختلفي الأنواع والأصناف فلا بد من الرد عليهم كلهم , فمنهم من يعبد من دون الله ( يعبد هواه أو أصناما .. إلخ ) فهؤلاء خاطبهم الله تعالى أن ايأسوا فلن يتحول محمد إلى دينكم بل هوثابت على دينه وأنتم كذلك لا تعبدون إلهه , ثم خاطب الفريق الآخر من أمثال عباد عيسى والمكابرين من اليهود والرافضين لاتباع شرع الله تعالى من المسلمين ! فقال لهم وليس النبي يعبد إلهكم ولا أنتم تعبدون إلهه , فهو على حال غير الحال التي أنتم عليها .
ثم يختم الله تعالى السورة بآية هي مضرب المثل في التسامح وفي الحرية الدينية – وهي في نفس الوقت تأكيد لمعنى السورة كلها وتقرير لحال واقع – وهي قوله تعالى ” لكم دينكم ولي دين “
أي أنكم أنتم معاشر الكافرين لكم دينكم فهو محصور عليكم فقط فكل من يكفر يصير منكم ويدخل دينكم . ونلاحظ أن الله تعالى قال واصفا دعاوي الكافرين الباطلة بالدين ! على الرغم من أنهم لا يقبلون بالإسلام ولا يرضون به ولا يعترفون بنا ويقتلونا ويذبحونا ويغتالونا من على الأرض اغتيالا
فيقول : لكم أيها الكافرون دينكم ولي أنا محمد ( ومن على شاكلتي من المسلمين ) دين وهو دين الله تعالى الذي لا تعبدونه فليعبد كل منا إلهه وليدع كل منا الآخر لحاله فحساب كل منا في الآخرة عند الله عزوجل , أما في الدنيا فنحن أحرار ” فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ” فاعملوا ما شئتم إنا عاملون .
إذا وكما رأينا فلا تكرار وإنما لكل آية معنى مستقل مختلف يوضحه السياق , فانظر أخي في الله كم احتوت هذه السورة القصيرة المستعملة كلمات قليلة على معان عظيمة كثيرة مختلفة تؤصل للعلاقة بين المسلمين وغيرهم وتوضح حال كل منهم , هدانا الله إلى سواء الصراط .

عن عمرو الشاعر

كاتب، محاضر لغة ألمانية مدير مركز أركادا للغات والثقافة بالمنصورة، إمام وخطيب يحاول أن يفهم النص بالواقع، وأن يصلح الواقع بالنص وبالعقل وبالقلب. نظم -وينظم- العديد من الأنشطة الثقافية وشارك في أخرى سواء أونلاين أو على أرض الواقع. مر بالعديد من التحولات الفكرية، قديما كان ينعت نفسه بالإسلامي، والآن يعتبر نفسه متفكرا غير ذي إيدولوجية.

شاهد أيضاً

الإنسان ليس مجبرا

جاءني سؤال يقول:هل الانسان مجبر عن البحث عن حقيقة الكون والغاية من الحياة، فقد يقول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.